السوبرانو ديمة بواب، المعروفة بصوتها القوي، نجمةٌ صاعدة على مسرح الأوبرا الدولي، ومع ذلك، كان دخولها عالم الغناء أمرٌ من قبيل الصدفة تقريباً. وتقول بواب، التي ولدت في الأردن في 2 سبتمبر 1981 لأبوين فلسطينيين، أن الموسيقى اختارتها، وليس العكس. فلا أحد من والديها موسيقيّ محترف، بالرغم من أن كليهما من أكبر عشاق الموسيقى. فلم تسنح الفرصة لوالدها، الذي شارك في تأسيس المعهد الوطني للموسيقى في عمّان، من مواصلة مشواره في عالم الموسيقى، وبالتالي “فرض” الموسيقى على أبنائه- ديمة وشقيقها- بإرسالهما لتعلم العزف على البيانو في سنٍ مبكر. ومع ذلك، اكتشفت ديمة تميّز صوتها الغنائي في تجارب أداء مسرحية مدرسية، ومن هنا بدأت تركز على هذا الجانب من موهبتها.
وبالرغم من أن ديمة من أشد المعجبين بالمسرحيات الموسيقية، واعجابها في مراهقتها بأندريا بوتشيلي، المغني الأوبرالي العبقري الذي نقل الموسيقى الكلاسيكية إلى أعلى تصنيفات موسيقى البوب العالمية، إلا أنها لم ترى نفسها أبداً كمغنية أوبرا. كان هذا حتى صيف عام 1999، عندما الحقها والدها بدورةٍ لتعلم الأوبرا في بلدة بياريتز. وعند عودتها من الدورة المكثفة، أخبرت والدها عن رغبتها في التوقف عن تعلم أي شيء آخر ومتابعة مشوارها كمغنية أوبرا. كانت تبلغ آنذاك 17 ربيعاً، ولا زال أمامها عامٌ آخر لإنهاء الثانوية، وللمرة الأولى رفض والدها، الذي لطالما كان الداعم الرئيسي لها، طلبها المتعلق بالموسيقى. أرادها أن تتخرج من الثانوية العامة قبل الإنطلاق في رحلتها.
وهذا ما حصل بالفعل، بالرغم من قولها أنّ الصدف التي جمعتها بالأشخاص المناسبين في الوقت المناسب ساعدت في تشكيل حياتها المهنية. فعلى سبيل المثال، عندما كانت طالبةً في المعهد الوطني للموسيقى/ مؤسسة الملك الحسين في عمّان، اتصلت بها سيدة فرنسية وعرضت تدريبها وشجعتها على مواصلة دراساتها الموسيقية في مدينة تولوز الفرنسية.
انتقلت إلى تولوز في عام 2000 وتخرجت بعد أربع سنوات مع التصويت بإمتياز وبالإجماع من أعضاء لجنة التحكيم، بعد أن عملت أيضاً بشكل وثيق تحت إشراف مغنية الأوبرا الشهيرة Mady Mesplé. تم قبولها في المعهد الوطني المرموق للموسيقى (Conservatoire National Supérieur de Danse et de Musique) في باريس، وتخرجت من هناك عام 2007 بدرجة الامتياز أيضاً. ومنذ ذلك الحين، قدمت عروضاً في جميع أنحاء العالم في مجموعة متنوعة من المسرحيات. كان أول ظهور لها في أوبرا كوميك في باريس في عام 2010، حيث لعب دور ينيولد في أوبرا بيلياس وملزاند (Pelléas et Mélisande) لبديبوسي ، بقيادة المايسترو، السير جون إليوت غاردنر. عادت للمشاركة في هذا العمل الفني في باريس في عام 2014، إلى جانب تقديم عروضٍ في زغرب في كرواتيا، فضلاً عن ظهورها لأول مرة في مهرجان ذا برومز في المملكة المتحدة. وأيضاً في عام 2014، غنت دورZémire في أوبراZémire et Azor لأندريه غريتري، في مدينة لييج في بلجيكا حيث حظيت بإشادةٍ كبيرة، تلاها دور Le Feu/Le Rossignol في عمل رافيل L’Enfant et les Sortileges، في مونبلييه في فرنسا.
تصف أداءها لأوبرا موتسارت، زواج فيغارو، في مدينة نانت الفرنسية في الصيف الماضي بـ”المذهل،” ذلك أن التجربة تم تصميمها لمنح الجمهور الشعور وكأنهم يشاهدون فيلماً. بالنسبة لها، تعدّ هذه وسيلة رائعة لإحداث تغييرٍ جذري وتحديث الأوبرا، مما يسمح للناس بالتواصل بشكلٍ أكبر مع الشخصيات.
ومع ذلك، فإن الغناء الأوبرالي ليس مجرد مهنة لديمة. فبصفتها فلسطينية تحمل جواز سفرٍ أردني وعاشت في فرنسا على مدى الـ16 عاماً الماضية، تقول أنها غالباً ما تطرح على نفسها سؤال: هل أنا فرنسية؟ أم أردنية؟ أم أنا فلسطينية؟
وبالرغم من شعورها بارتباطها القوي بفلسطين، إلا أنها وعائلتها لا يملكون أي دليلٍ قانوني على أنهم فلسطينيون. فقد ساعدتها الموسيقى على الارتباط بهويةٍ لم تحملها قط، كما تقول. ونتيجةً لذلك، كانت نشطة للغاية في المشهد الموسيقي الفلسطيني منذ عام 2005، وحرصت على تقديم عروضٍ في فلسطين مرة واحدة على الأقل في السنة، سيما خلال فصل الصيف، حيث تقوم بجولة في المدن الفلسطينية بما فيها رام الله وبيت لحم ونابلس مع مهرجان الجوقة الفلسطيني، حيث تحصل أيضاَ على فرصة للعمل مع الأطفال والبالغين.
ومن الصعوبات التي واجهتها خلال هذه الزيارات تقييد حركة الفلسطينيين. وهذا يعني أن عليها تقديم نفس الحفل في مدنٍ مختلفة؛ نعمةٌ بزي نقمة، على حد تعبيرها، الأمر الذي يُتيح لها لقاء المزيد من الناس ونشر رسالتها إلى جمهور أوسع. فقد أصبح تقديم العروض كل صيف في فلسطين الجزء الأكثر أهمية بالنسبة لها خلال العام. وعلاوةً على ذلك، فإن قاعدتها الجماهيرية الفلسطينية في تزايد مستمر، وغالباً ما يتواصل معها الناس الذين يعبرون لها عن مدى فخرهم بها وبما تفعله. مرة واحدة كل عام، تُمنح الحق في أن تكون فلسطينية.
ومع ذلك، فإن مسألة الهوية تلاحقها في كل مكان. فعندما يتم سؤالها في أوروبا عن أصلها، تكون إجابتها الأولى، عادةً، الأردن، على الرغم من أنها تعترف بأن هذا شكلٌ من أشكال الحماية الذاتية في عالمٍ يشهد انقساماً عميقاً بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لكن الذين يعرفونها حق معرفة يدركون تماماً أن جزءاً كبيراً من هويتها فلسطيني، وهي فخورة جداً بأن هذا الجانب من حياتها يعود إلى الحياة كل عامٍ عندما تقدم عروضها في فلسطين.
يتمثل التحدي الرئيسي لديمة بواب كمغنية أوبرا في إيجاد التوازن بين الحياة “الطبيعية” وحياة الجولات. فهي تستمتع بالسفر ولقاء أشخاص جدد، ودائماً ما تحاول الثبات والاستقرار أينما ذهبت. “المطبخ هو المكان الذي أشعر فيه أني في المنزل، لذلك أينما سافرت أحاول طهي وجباتٍ محلية قدر الإمكان. المعدة السعيدة تعادل الغناء الناجح،” كما تقول.
وباعتبارها مقيمة في العديد من البلدان وزائرة للكثير منها، ستحمل ديمة دوماً العديد من الأعلام، مسلطةً الضوء على شخصيتها السلسة العالمية، بيد أنّ علم فلسطين سيظل دوماً يرفرف بين هذه الأعلام. كما أنها مناصرة لا تكل من أجل السلام، إذ تأمل في أن تتمكن من خلال صوتها وموسيقاها من تسليط الضوء على الجزء من العالم الذي تنحدر منه.