وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أكرم إمام أوغلو، الرجل الذي أطاح بحزب العدالة والتنمية من اسطنبول

Turkey- Ekrem Imamoglu
Photo AFP

كان السياسي أكرم إمام أوغلو بعيداً كل البعد عن كونه اسماً مألوفاً في تركيا قُبيل الإنتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس 2019، إلا أن هذا تغير بين ليلةٍ وضحاها تقريباً. وعلى الرغم من أن صناديق الإقتراع لم تتوقع فوزه، إلا أن النتائج الأولية وضعته على رأس القائمة في الإنتخابات البلدية في اسطنبول أيضاً تم إعادة انتخابه في خلال جولة إعادة الانتخابات في 23 حزيران 2019.

مع وجود قرابة واحدٍ من بين كل أربعة أتراك يعيشون في المدينة، أكبر مستوطنةٍ والقوة الاقتصادية والصناعية في البلاد، يُعدّ منصب العمدة، الذي تبلغ ميزانيته حوالي 6 مليارات دولار، أحد أهم الجوائز في السياسة التركية.

فقد كانت اسطنبول تخضع لسيطرةٍ سياسية صارمة لحزب العدالة والتنمية الذي يتنزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان منذ عام 1994. في الواقع، كان أردوغان عمدة بلدية اسطنبول خلال التسعينيات، حيث وضع أسس استيلائه على السياسة التركية.

وعليه، ترشح إمام أوغلو ضد بن علي يلدريم، رئيس الوزراء الأسبق الذي تم إلغاء منصبه بعد أن نقل أردوغان تركيا إلى النظام الرئاسي، إذ كان من المفترض أن تكون عمادة بلدية اسطنبول جائزة ترضيةٍ ليلدريم.

وعلى الرغم من مواجهته أحد أكثر الشخصيات البارزة في عالم السياسة التركية والذي يحظى بدعمٍ كامل من الرئيس، فقد أثبت إمام أوغلو نفسه بعد الانتخابات، ورفض قبول قرار أنقرة بإلغاء نتائج الانتخابات. وبعد مضي أسبوعين، يوجد في في المدينة فعلياً رئيسيّ بلدية، حيث يدعي كلاهما حقه في شغل منصب العمدة على تويتر وفي الصحافة أيضاً، بل وصل الأمر بحزب العدالة والتنمية إلى وضع ملصقاتٍ تدعي الفوز في الإنتخابات في أرجاء المدينة.

تتبع خطى أردوغان؟

ولد ونشأ كل من إمام أوغلو وأردوغان في أسرٍ متواضعة ومحافظة. وبصرف النظر عن هذه الجذور المشتركة وعشقهما لكرة القدم، إلا أن القاسم المشترك بينهما قليلٌ نسبياً. ومع ذلك، فإن إمام أوغلو بعيدٌ كل البعد عن الشخصية الكمالية العلمانية القوية التي يربطها الكثيرون بحزب الشعب الجمهوري، المعارضة الرسمية التي أنشأها مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك.

فقد قام إمام أوغلو، الذي يترجم اسمه حرفياً إلى “ابن الإمام،” بتكوين صورةٍ لشخصٍ يحتضن جانبه الديني. فمن السهل، وهو الذي يصف نفسه بـ”الديموقراطي الاجتماعي” الورع، أن يُشكل عنصر جذبٍ للمواطن التركي العادي، لا سيما بعد أن لفت مرشح المعارضة، محرم إينجه، في الإنتخابات الرئاسية عام 2018 والتي شهدت منافسةً شديدة، اهتماماً ودعماً غير متوقعين بانفتاحه حول تدينه- وهي سمةٌ جديدة للسياسيين في حزب الشعب الجمهوري. في الواقع، أشاد إمام أوغلو باختلاف وجهات النظر في عائلته باعتبارها إعداداً جيداً للوصول إلى ناخبين جدد في مسيرته السياسية.

درس إمام أوغلو إدارة الأعمال في جامعة إسطنبول، أحد أفضل مراكز التعليم في البلاد، قبل الانضمام إلى الأعمال التجارية لعائلته في مجال البناء. بدأ حياته المهنية في السياسة المحلية في عام 2009، حيث فاز في سباق الإنتخابات البلدية في منطقة بيليك دوزو الشهيرة باحتضانها الطبقة الوسطى في إسطنبول، والتي حكمها حزب العدالة والتنمية لمدة عشر سنوات. تم إعادة انتخابه في عام 2014 وما زال يشغل هذا المنصب حتى اليوم.

فقد نأى الرجل معسول الكلام والفصيح بنفسه عن ادعاءات أردوغان بوجود العديد من المخالفات أثناء عملية التصويت في انتخابات اسطنبول. ولربما كان هذا الموقف الأكثر ليونة جزءاً من استراتيجيته الانتخابية، حيث أظهر أن عقلانيته تمنحه ميزةً أمام شخصيةٍ سياسية معروفة مثل يلدريم.

بيد أن حملته وقعت في ملعبٍ غير متكافىء، فاليوم، أصبحت جميع وسائل الإعلام في البلاد تقريباً مملوكةً للدولة أو متحالفةً مع الدولة، ويبدو أن مرشحي المعارضة قد حرموا من الحصول على تغطيةٍ بقدر تغطية مرشحي حزب العدالة والتنمية وشريكه في الائتلاف، حزب الحركة القومية. بل وصل الحد بإحدى الصحف بوصف فوز إمام أوغلو الجلي بـ”الانقلاب عبر الإنتخابات،” مضيفةً (دون دليل) أن الشخصيات التي تقف وراء محاولة الانقلاب عام 2016 شاركت في حملته.

فقد حاكى إمام أوغلو الحملات السياسية الناجحة الأخرى في السنوات الأخيرة، بمن فيهم باراك أوباما في عام 2008، ودونالد ترمب في عام 2016 وبريكسيت، ملقياً بثقله على وسائل التواصل الاجتماعي للظفر بالفوز.

ومع ذلك، فقد أصرّ على التأكيد أن كلماته كانت “أهم أسلحته،” فالرسالة مفادها أن هذا النوع من توصية الناخبين يعتمد على سمعته. وعلى عكس العديد من السياسيين الأتراك، لا يملك إمام أوغلو شارباً- دلالةٌ تقليدية على الرجولة. وبدلاً من ذلك، عزز سمعته النظيفة وكفاءته كمسؤول، بمنأى عن العلاقات الأيديولوجية.

البراغماتية فوق الاستعراض

حاز هذا النهج على تأييد الناخبين الذين لم تستقطبهم قيادته. في الواقع، في حقبةٍ من سوء الإدارة الاقتصادية واستخدام مشاريع البنية التحتية الضخمة كخيارٍ للمشاكل الاقتصادية، أدار إمام أوغلو حملته – وكان شعارها “إذا ما تواجد إمام أوغلو، هناك حل”- بالبراغماتية التي تُميزه.

كما أنه دفع بلمسته الشخصية، فقد برز على وجه الخصوص عندما زار البازار الكبير في اسطنبول ورفض أحد المؤيدين المتعصبين لحزب العدالة والتنمية مصافحته بدايةً، فضلاً عن حضوره مجموعة مختلفة من الاجتماعات المحلية لمناقشة القضايا اليومية مع الناخبين.

وبينما يكافح المواطن التركي العادي من تبعات انخفاض سعر صرف الليرة لأول مرةٍ منذ سنوات – لدرجة أن الحكومة بدأت في دعم الخضراوات – فعلى ما يبدو أن هذا الاهتمام الحقيقي بقضايا الناخبين قد أكسبه الاحترام والدعم. كما شكل هذا نقطة تحولٍ في وجه منتقدي حزب الشعب الجمهوري السابقين الذين يعتبرون الحزب منعزلاً وبعيداً كل البعد عن المواطن التركي العادي، إذ يبدو أنه يستمد الدعم من الناخبين الجدد ويطمس الإنقسامات الإنتخابية التقليدية.

وإلى جانب ذلك، برز إمام أوغلو بعد رد فعله على الغضب الذي أحاط بنتائج الإنتخابات البلدية. فقد أمضى معظم ليلة الانتخابات في عقد مؤتمراتٍ صحفية، في تناقضٍ صارخ مع وكالة الإعلام الحكومية التي أوقفت تغطيتها لمجالس فرز الأصوات عندما بدا أن حزب العدالة والتنمية سيخسر. وبالمثل، حافظ على نبرةٍ تصالحية في العديد من ظهوره الإعلامي منذ ذلك الحين، داعياً إلى احترام النتائج وإنهاء الإنقسام السياسي في نهاية المطاف وإعلان أنه سيكون “رئيس بلديةٍ للجميع.”

وأخيراً، عندما تخمد زوبعة الإنتخابات، فإن التحدي الذي يواجه إمام أوغلو سيتمثل بوفائه بوعوده الإنتخابية. لكن قبل أن يتمكن من ذلك، عليه أن يتغلب على تحدٍ أكثر صعوبة، إن صح التعبير: أن يتم إقرار منصبه كرئيس للبلدية على الرغم من معارضة حزب العدالة والتنمية.