في 11 ديسمبر 2015، جلس آلاف التونسيين متسمرين أمام شاشات التلفزيون، والدموع تنهمر على خدودهم والفخر يملأ قلوبهم، بينما كانوا يشاهدون آمال المثلوثي تغني “كلمتي حرّة” في حفل تقديم جائزة نوبل للسلام في أوسلو. حظي أداؤها بتصفيقٍ حار من الجمهور وثناء الصحافة الدولية، التي وصفتها بـ”المميزة” و”الرائعة.”
فمن هي آمال المثلوثي؟ وكيف تمكنت فتاةٌ من ضواحي تونس من تحقيق شهرةٍ عالمية؟
بدأت آمال، المولودة في 11 يناير 1982، الغناء في سن الخامسة عشرة، حيث أسست فرقة لموسيقى الهيفي ميتال، وهي من أشد المعجبين بهذا النوع الموسيقي فضلاً عن امتلاكها لأحبال صوتية قوية، في سن التاسعة عشرة. وبعد بضع سنوات، أصبحت ناشطة سياسياً حيث كان مغنون ناشطون في المجال الحقوقي أمثال جوان بيز، مُلِهميها.
في عام 2004، انفصلت آمال عن الفرقة وبدأت بكتابة أغانٍ سياسية، حيث أوصلتها أغنيتها الشهيرة “يا تونس يا مسكينة” إلى نهائيات جائزة راديو مونت كارلو “موين أورينت” الموسيقية، وهي مسابقة فرنسية للمواهب الشابة في الشرق الأوسط.
بعد ذلك بعامين، منعت الحكومة التونسية بث أغانيها في الإذاعة والتلفزيون، مما دفعها إلى الإنتقال إلى فرنسا. وعلى الرغم من الحظر، انتشرت فيديوهات عروضها في فرنسا على الإنترنت، مما جعلها أكثر شعبية باعتبارها “الفاكهة المحرمة.”
جذبت آمال انتباه الرأي العام على نطاقٍ واسع خلال ثورة الياسمين في تونس في عام 2011، عندما أسقطت الاحتجاجات الشعبية في نهاية المطاف الدكتاتور منذ فترةٍ طويلة، زين العابدين بن علي، وأشعلت فتيل ما يسمى بالربيع العربي في العديد من البلدان الأخرى في المنطقة.
سرعان ما أصبحت أغانيها نشيداً للثورة، ولا سيما أغنية “كلمتي حرّة،” وهي مزيجٌ من الإيقاع الإلكتروني والإيقاعات التقليدية، التي غنتها على مسرحٍ مرتجل في شارع الحبيب بورقيبة “ساحة الثورة،” في 22 يناير من العام نفسه.
إنتشر فيديو أدائها كالنار في الهشيم وأدى في النهاية إلى ظهورها في حفل توزيع جائزة نوبل للسلام لعام 2015، والتي ذهبت إلى اللجنة الرباعية للحوار الوطني التونسي لإسهامها الحاسم في بناء ديمقراطية تعددية في تونس في أعقاب ثورة الياسمين.
سرعان ما اكتسبت شهرةً عالمية وبدأت بتقديم الحفلات في جميع أنحاء العالم: في مصر والعراق وبلجيكا وفرنسا والمملكة المتحدة، حيث حظيت بإشادة كبيرة من النقاد أينما ذهبت، بما في ذلك التصفيق الحار من روّاد مهرجان سفينكس في بلجيكا بعد أن غنت نسختها من أغنية هالالويا للمغني ليونارد كوهين.
وفي عام 2013، وبعد أول حفلٍ لها في القاهرة منذ الثورة المصرية، وصفتها بوابة الأهرام بـ”فيروز جيلها.” كما اكتسبت شهرةً واسعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بمناصرتها للقضية الفلسطينية، بل إنها كتبت أغنيةً حملت عنوان “مولود في فلسطين.”
رفضت السلطات الإسرائيلية السماح لها بدخول رام الله في عام 2010، لذا غنت أمام كاميرا في الأردن وبثت العرض للجمهور في مسرح في رام الله. كما ألغت مشاركتها في مهرجان بوب كالتشر في برلين عام 2017، بعد اكتشافها أن المهرجان برعاية السفارة الإسرائيلية.
ولكن لكل نجاحٍ وجهٌ آخر، ففي مارس 2013، وفي أعقاب اغتيال الناشط التونسي شكري بلعيد، قامت آمال بتسجيل أغنية تحيةً له بعنوان “ما قتلو حد،” والتي ترجمتها إلى “من قتله” على موقعها الإلكتروني الرسمي، مما شكل بداية انفصالها عن الجمهور التونسي، الذي كان يعتز بها في السابق.
حظيت الأغنية بتعليقات سلبية على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ كان هناك تعليقات قاسية مثل “هل آمال المثلوثي جاستين بيبر تونس؟” فقد اعتبرت الأغنية ضعيفة من الناحية الفنية. شهدت الإنتقادات تراجع شعبيتها في مهرجان قرطاج الدولي في تونس عام 2017، ولكن بفضل دعم الجماهير والصحافة المحلية، عادت لأمجادها السابقة.
على الرغم من هذه الإنتكاسات، تواصل آمال ازدهارها الفني وتكريس فنها للقضايا السياسية، كما ذكرت في مقابلةٍ لها مع مجلة Okay Africa: “لا يزال يتعين علينا الشعور بألم الآخرين. هذا هو أساس عدم خضوعنا للتجرد من الإنسانية. هذه هي نقطتي الأساسية. لهذا هي سياسية. أنا أكره كلمة سياسية اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى لأنها قذرة جداً. يجب أن يجد الفن تعريفاً جديداً للقتال، ليرتبط به. أعتقد أن فني سيكون دوماً معنياً بالأمر. أشعر براحة أكبر بإضافة هذا [المصطلح] لفني من إضافة مصطلح سياسي.”
تعيش آمال اليوم في هارلم في نيويورك، حيث تقول إن لديها “حدود فنية أقل للتعبير عن فنها بشكلِ كامل.” وهي متزوجة من أميركي يعمل مؤلفاً لخطابات الأمم المتحدة ولديها ابنة صغيرة. واليوم، بعمر الـ36، تواصل صعودها وتستكشف المزيد من المسارات التجريبية والسوداوية.
فقد كان ألبومها الثاني، إنسان، الذي صدر في عام 2017، جهداً تعاونياً مع الفنانة الآيسلندية بيورك، الذي وصفته بأنه “رحلة داخل عقلي وروحي،” كما هو واضح في أول أغاني الألبوم “إنسان ضعيف،” التي أهدتها إلى “الأشخاص الذين يضطرون إلى تحمّل العبء وخوض الصراعات لتنعم نسبة صغيرة جداً منهم بالسلطة.”