وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

من هو اسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس الجديد؟

Esmail Ghaani
Photo: Tasnim News Agency / Wikipedia

بعد أيامٍ فحسب من اغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني، قائد قوة النخبة الإيرانية، فيلق القدس، في 3 يناير 2020، عيّن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي نائب سليماني، إسماعيل قاآني، خلفاً له.

وعلى الرغم من كونه شخصيةً محترمة في الحرس الثوري الإيراني، الذي يعدّ فيلق القدس جزءاً منه- مما أكسبه ألقاباً مثل “قائد الظل” و”العقل المدبر” – إلا أن قاآني، على عكس سلفه، لم يكن معروفاً إلى حدٍ كبير خارج إيران. وبالتالي، سرعان ما تنامت التساؤلات عقب تعيينه: من هو؟

المعلومات عن قاآني شحيحة خاصة عندما يتعلق الأمر بحياته الشخصية، فهو من مواليد 8 أغسطس 1957 في مدينة مشهد المقدسة، حيث انضم إلى الحرس الثوري بعد إنشائه في عام 1979، عام الثورة الإسلامية. وعلى حد تعبيره، “كنت في العشرينات من عمري عندما انتصرت الثورة، التي شاركت فيها كحال الكثيرين… بعد ذلك، أردت أن أكون في وضعٍ يتيح لي القيام بشيء ما لخدمة الثورة.”

وبعد انضمامه إلى الحرس الثوري الإيراني، بدأ تدريبه العسكري، فقد تم إرساله بعد إندلاع التمرد الكردي في أوائل الثمانينيات، برفقة العديد من أعضاء الحرس الثوري الإيراني لمحاربة الحركة الانفصالية.

ومع اكتسابه خبرةً قيّمة في ميدان المعركة، واصل إثبات نفسه خلال الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت ثماني سنوات في الثمانينيات، عندما تولى قيادة فرق نصر 5 والإمام رضا 21. وبعد انتهاء الحرب، قام محسن رضائي، قائد الحرس الثوري الإيراني آنذاك، بتعيين قاآني قائداً للوحدة العملياتية الثامنة في القوات البرية للحرس الثوري في مشهد.

ومن الجدير بالذكر أن فيلق القدس كان قد تأسس خلال الثمانينات كقوة عملٍ خارجية تركز بشكلٍ أساسي على العمليات داخل العراق ضد نظام البعث. ومع مرور الوقت، انخرطت القوة أيضاً في النزاعات خارج العراق، وفي ظل قاسم سليماني بعد عام 1999، أصبحت واحدةً من أكثر الوحدات فعالية في الحرس الثوري.

وبعد أن أصبحا رفقاء في ساحة المعركة في الثمانينيات، ثم زميلان في الحرس الثوري الإيراني، كان سليماني وقاآني صديقين مقربين. وتقديراً لعقل سليماني الاستراتيجي وفعاليته خلال وبعد الحرب بين إيران والعراق، رأى قاآني في فيلق القدس الوسيلة المثالية للبقاء بالقرب من سليماني وكذلك لتعزيز نظرته العالمية الخاصة بدعم المظلومين خارج حدود إيران، إذ قال ذات مرة: “عندما بدأنا بالدفاع عن الدول الإسلامية، كنا نقوم بواجبنا الإلهي… ولهذا السبب، حمى الله إيران الإسلامية في مواجهة العديد من المخاطر.”

انضم قاآني إلى فيلق القدس في عام 2006، وعلى الرغم من أنه كان في نفس عمر سليماني ولديه نفس الخبرة العسكرية تقريباً، إلا أنه رحب باقتراح صديقه ليصبح نائب قائد الفيلق.

كوحدةٍ تعمل خارج حدود إيران، رأى قاآني في فيلق القدس “قوة خير” تحارب ظلام المضطهدين، فقد أكّد في إحدى خطاباته على الدور الذي لعبته إيران في مواجهة الولايات المتحدة، قائلاً إنه لولا جهود الجمهورية الإسلامية وإيران خلال الحرب الإيرانية العراقية، لكانت الولايات المتحدة قد أحرقت المنطقة بأسرها.

وتماماً كما فعل في الحرس الثوري الإيراني، سرعان ما برز اسم قاآني بمجهوده في فيلق القدس. وعلى الرغم من بقائه في ظل سليماني الذي يتمتع بجاذبيةٍ أكبر، إلا أن قاآني كان يُثير إنتباه كلاً من الأصدقاء والأعداء. وعلى هذا النحو، بعد الربيع العربي في عام 2011، تمت إضافة اسمه إلى “قائمة الإرهابيين” في الولايات المتحدة بسبب منصبه باعتباره العقل المدبر لما يسمى “محور المقاومة” – وهو تحالف للجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية في جميع أنحاء إيران وسوريا ولبنان والعراق وفلسطين واليمن. وقد تم الإشادة به بانتظام من قبل القادة العسكريين لدوره ومعرفته بمحور المقاومة، الذي قال المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية إنه سيستمر استخدامه لتعزيز الأهداف الجيوسياسية لإيران.

في الآونة الأخيرة، أصبح قاآني معروفاً بخطابه العنيف ضد شرور الهيمنة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي. بل إن سليماني ذات نفسه من اقترح اسم قاآني كخليفة له أمام المرشد الأعلى، الذي بدوره ردد صدى رؤية سليماني لفيلق القدس في خطاب التعيين.

وعلى نفس خط الاستمرارية، تم تعيين محمد حجازي نائباً جديداً لقاآني. ومن الجدير بالذكر أن حجازي يمتلك سيرةً ذاتية عسكرية مماثلة لقاآني وحاصل على درجة الدكتوراه في الإدارة الاستراتيجية، كما تمت إضافته مؤخراً إلى قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي، ووفقاً لمصادر إسرائيلية، يشارك بنشاط في نقل قدرات إنتاج الصواريخ الموجهة بدقة إلى جماعة حزب الله اللبنانية.

وبحسب قاآني، ستتم مواصلة السير على طريق سليماني المشرق. ومع ذلك، يعدّ قاآني أكثر تشدداً من سلفه عندما يتعلق الأمر بمواجهة خصومه وأعدائه، إذ كان هذا الموقف واضحاً في تهديداته للولايات المتحدة بعد اغتيال سليماني، إذ قال “لقد قتله بطريقة جبانة، لكننا سنرد بشجاعة.” وفي مناسبةٍ أخرى، وعد بالانتقام لموت سليماني.

هناك اختلافٌ آخر بين الرجلين يتعلق بنهج سليماني التدريجي في الرد على التهديدات أو الهجمات، كتلك التي تقوم بها إسرائيل في سوريا والعراق، في حين يؤمن قاآني بالانتقام الشامل لردع أي هجماتٍ أخرى. “أعداؤنا لا يفهمون لغةً أخرى غير القوة، لذلك يجب أن نقف بحزم ضدهم؛ إذا قمنا بعملنا بشكلٍ جيد، يمكن تحويل جميع التهديدات إلى فرص،” على حد تعبيره.

في حال كان قاآني رجل قولٍ وفعل، فمن المحتمل أن يُصبح فيلق القدس في ظل قيادته قوةً لا يُستهان بها على نحوٍ أكبر.