وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

نبيه بري: الناجي الأكبر في لبنان

Lebanon- Nabih Berri
المصدر: AFP

ولد نبيه بري في سيراليون عام 1939 لوالدين مغتربين، وأصبح محامياً في لبنان بعد تخرجه عام 1963. وقبل الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، بدأ بالانخراط في حركة أمل الجديدة، التي قادها في عام 1980. وهو رئيس البرلمان منذ عام 1992.

تأثرت حياة بري ومسيرته بالتاريخ اللبناني، ولكن أيضاً بتطور المجتمع الشيعي في البلاد، الذي لم يكن يتمتع بالكثير من التأثير السياسي ما قبل الحرب الأهلية بالرغم من كون الشيعة ثالث أكبر جماعة دينية. ونظراً لنظام التمثيل النسبي في لبنان، يتقلد منصب الرئيس دوماً مسيحي ماروني، ورئيس الوزراء مسلم سُنيّ ورئيس البرلمان شيعي. تحسنت مكانة الشيعة في البلاد مع وصول رجل الدين الشيعي، إيراني المولد، موسى الصدر، وحسين الحسيني، مما منح المجتمع الشيعي شعوراً بالهدف وباتت أمل تحمل مسمى “حركة المحرومين” في عام 1974.

تعتبر حركة أمل وحزب الله أكبر حزبين شيعيين في لبنان. فقد كانا حلفاء منذ الحرب الأهلية، عندما كان حزب الله يعتمد على المساعدات العسكرية من إيران، في حين كان لحركة أمل، برئاسة بري، دورٌ شرعي في الحكومة. ومع ذلك، تعتمد قوة أمل على رأسمالية المحاباة، بينما استفاد حزب الله من إفلات المليشيات والأحزاب ما بعد الحرب من العقاب. وعلى الرغم من التنافس المستمر على النفوذ، إلا أن أياً من الحزبين اتخذ أي خطواتٍ للإنفصال.

أثناء نشاطه السياسي كطالب، انضم بري إلى حركة البعث العربي عند تخرجه، إلا أنه انجذب إلى حركة أمل فيما بعد بسبب جاذبية الصدر. وعند اندلاع الحرب فقدت الحركة أهميتها، ومع ذلك، فإن اختفاء الصدر في أغسطس 1978 أثناء رحلةٍ إلى ليبيا وتتويجه بطلاً أعاد تنشيط الحزب. فقد أصبح الشيعة متورطين، بشكلٍ متزايدٍ، في الحرب وبدأوا في تنظيم دفاعهم وتحالفهم. وفي هذا السياق، أصبح بري زعيماً جديداً لأمل.

ولا يزال الشيعة يصفون أفعال وقرارات بري خلال الحرب بالحاسمة. ففي فبراير 1984، وبعد أن هاجمت القوات الحكومية مناطق شيعية، دعا إلى إنهاء القتال، حيث تمت الاستجابة لدعوته ذلك أن العديد من الجنود كانوا من الشيعة. وبالتعاون مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، سيطر بري بعد ذلك على بيروت الغربية وعزز موقفه بدعمٍ من سوريا، الحليف الرئيسي للشيعة.

وفي عام 1984، أصبح بري وزيراً للعدل ووزيراً للجنوب. ولكن على الرغم من توقيع اتفاق دمشق الثلاثي مع جنبلاط وزعيم الميليشيات المارونية إيلي حبيقة، استمرت الحرب الأهلية، مما هدد مصداقيته. كما اشتبك مع الحزب القومي الاشتراكي الدرزي، ثم مع حزب الله حول مسألة النفوذ والاشتباكات بين الميليشيات، وتم تهميشه سياسياً من قبل الرئيس الحالي ميشال عون، الذي شكل حكومةً عسكرية إلى أن تم حل حكومته في نوفمبر 1989. تم تعيين بري وزيراً للموارد المائية والكهربائية، فضلاً عن تقلده منصب وزير الإسكان والتعاونيات حتى ديسمبر 1990، وثم وزيراً للدولة لمدة ستة أشهر في عام 1992 قبل أن يصبح رئيساً للبرلمان في العام نفسه.

واصل بري صعوده السياسي على مدى العقد التالي، حيث فاز في الانتخابات البرلمانية لعام 2000 في الجنوب بقائمته الخاصة، لائحة المقاومة والتنمية، ومرةً أخرى في عام 2005. كما فاز في انتخابات عام 2009 بقائمته “التحرير والتنمية.” وفي انتخابات مايو 2018، ترشح حزبه ببرنامجٍ يركز على الحفاظ على السيادة اللبنانية، ومكافحة الجريمة والمخدرات، وتعزيز قوة الجيش. وفي عدة مناسبات، دعا المغتربين إلى التصويت لصالح القوائم المرتبطة بحزب الله وحركة أمل، إذ قال: “في كل الحالات انتبهت واستدعي انتباهكم الآن الى ان وطنكم الام بكل جهاته وتوجيهاته إعتبر مما حصل وانتبه اليكم ليس كقوة مالية فحسب كقرش ابيض في اليوم الاسود، بل كقوة بشرية انتخابية تحتاج اليها كل فئاته وتحالفاتها […] لا تخافوا من الإنتخابات بل خافوا عليها.”

وإلى جانب تأييده للتوازن الطائفي والحصة الدينية للسلطة في البلاد، يؤيد بري أيضاً الخدمات العامة، حيث وقف في عاميّ 2013 و2014 مع المعلمين والموظفين المدنيين والجنود لرفع رواتبهم. كما تربطه علاقات قوية مع سوريا وحليفتَي سوريا، إيران وروسيا، اللتان ظهرتا على لوحات الإعلانات في جنوب لبنان إلى جانب لوحات الإعلانات التي تدعو إلى إعادة انتخاب فلاديمير في روسيا.

يُنظر إلى بري على أنه ذكيٌ ومخلصٌ وصادق، إلى جانب امتلاكه غرائز سياسية جيدة والقدرة على التغيير عند الحاجة من أجل الحفاظ على موقعه وحزبه. ومع ذلك، لا تخلو الأجواء من وجود خصومٍ سياسيين له. ففي أواخر يناير 2018، وصفه وزير الشؤون الخارجية، جبران باسيل، بـ”البلطجي.” دفع هذا التعليق المئات من أنصار بري إلى النزول إلى شوارع العاصمة بيروت ومدينة صور الجنوبية للاحتجاج على التيار الوطني الحر الذي يقوده باسيل، والذي أسسه عون. فقد كان بري يعارض انتخاب عون في عام 2016 واتهمه بالسعي “للإطاحة بالشيعة السياسية” في لبنان، محذراً من أن مثل هذه المحاولة قد تؤدي إلى حربٍ أهلية جديدة. ومن أجل احتواء الموقف، طلب بري في النهاية من أنصاره التوقف عن الاحتجاج في 1 فبراير.

من المُقدر بقاء بري في السياسة، كحال معظم زعماء الحرب في لبنان، إلى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة. بل إن مشاركته المكثفة ومنصبه الحالي طويل الأمد في البرلمان، يجعل منه شخصيةً لا يمكن تجنبها في الحياة السياسية اللبنانية.