إيهاب الجمل
قبل أقل من عامٍ ونصف، كان اسم ألفة الحامدي غير مألوفٍ تماماً بالنسبة لمعظم التونسيين، واليوم، تعدّ الشابة البالغة من العمر 32 عاماً أحد أكثر الشخصيات استقطاباً على وسائل التواصل الاجتماعي التونسية. ففي غضون أقل من شهرين، بدا أن تعيينها السريع مديرةً عامة للخطوط الجوية التونسية قد ولّد أخباراً أكثر من أي رئيسٍ تنفيذي سابق آخر وحتى معظم أعضاء مجلس الوزراء في السنوات القليلة الماضية.
ولدت السيدة ألفة في مدنين، الواقعة على بعد 468 كيلومتراً جنوب تونس العاصمة، والدها مُنصف الحامدي، الحاصل على دكتوراة في الإحصاء ووالدتها فايزة خنوسي، ربة منزل. تنحدر ألفة في الأصل من مدينة قفصة، الواقعة في جنوب غرب البلاد، إذ لطالما ركزت على أصولها الجنوبية طوال صعود نجمها. أما على وسائل التواصل الاجتماعي وفي مقابلاتٍ مختلفة، حظيت بلقب “بنت الحوض المنجمي،” وهو اللقب الذي أكسبها بالتأكيد بعض “الشرعية الثورية” نظراً لأن المنطقة معروفة بثورتها وانتفاضاتها ضد نظامي بن علي وبورقيبة السابقين.
في الواقع، لا يُعرف الكثير عما إذا كانت قد عاشت بالفعل في قفصة، بيد أنه في مقابلةٍ لها عام 2012، ذكرت أنها “عاشت في العاصمة تونس حتى بلغت سن الـ18.” وبالفعل، حصلت على شهادة الثانوية عام 2007 من “مدرسة بورقيبة الرائدة” في تونس العاصمة، وهي مدرسة ثانوية عامة للنخبة يتم تنظيم دخولها من خلال امتحان وطني صارم. وبعد تفوقها في شهادة البكالوريا الوطنية، حصلت على منحة حكومية لمواصلة دراستها في كلية ليل المركزية في فرنسا حيث تخرجت بدرجة الماجستير في الهندسة. ومن هناك، تابعت دراستها للحصول على ماجستير في إدارة المشاريع الكبرى من جامعة تكساس في أوستن، ودرجة الدراسات العليا في الحلول البديلة للنزاعات من كلية الحقوق في تكساس.
تم الطعن في مؤهلاتها المهنية من قِبل أعضاء الاتحاد العام التونسي للشغل، بيد أن ألفة ردت على ذلك من خلال نشر شهاداتها المختلفة على صفحتها على الفيسبوك، كما أشارت أيضاً إلى عملها كأستاذة ومحاضرة في مدرسة الأركان التابعة لوزارة الدفاع الوطني، وهي الوظيفة التي أخضعتها لتدقيقٍ حكومي.
صعود نجمها
كان أول ظهورٍ لها على وسائل الإعلام التونسية في أبريل 2019، وذلك في مقابلةٍ استمرت ساعة على قناة قرطاج، حيث تم تقديمها كقصة نجاح تونسية والرئيس التنفيذي لشركة كونكورد للمشاريع التكنولوجية، إحدى كبرى الشركات في الولايات المتحدة، وعلى حد تعبيرها “جاءت بأفكار كان لها تأثير كبير على الاقتصاد الأمريكي.”
سلطت تلك المقابلة الأضواء عليها، إلا أن نجمها لمع على وسائل الإعلام بعد بضعة أشهر عند ظهورها في مقابلةٍ في وقت الذروة على التلفزيون الوطني، وذلك في أعقاب أيام قليلة من الانتخابات التشريعية والرئاسية، وبالتحديد قبل يومين بالضبط من تنصيب الرئيس. ففي انتخاباتٍ شهدت مشاركة سياسية غير مسبوقة من الشباب، كانت ألفة الحامدي قدوة مثالية لمثل هذه الأوقات المليئة بالأمل: شابة متعلمة فصيحة جاءت من عائلة جنوبية من الطبقة الوسطى وتمكنت من النجاح عندما أتيحت لها الفرصة، بل إن حقيقة أنها تحدثت بفخر باللهجة القفصية، التي تم تهميشها لفترةٍ طويلة من قبل وسائل الإعلام الرئيسية التي أعطت الأولوية للمدن الشمالية والساحلية، أضافت كاريزما من نوعٍ آخر إلى هذا النموذج الحي الجديد لقصة نجاحٍ تونسية.
ومنذ ذلك الحين، اكتسبت ألفة الحامدي زخماً كبيراً، إذ باتت شعبيتها وحضورها على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر بروزاً. واليوم، يتابعها على الفيسبوك أكثر من 330 ألف متابع. ولتوضيح الأمور هنا، لا يتجاوز عدد متابعي هشام المشيشي، رئيس الوزراء الحالي، الـ22 ألف متابع.
وفي ديسمبر 2019، أفادت وسائل إخبارية عن ترشحها لمنصب وزير الخارجية، ومع ذلك، لم تعلق السيدة الحامدي ولا حتى رئيس الوزراء المقترح آنذاك، حبيب الجملي، على الموضوع. وبعد أسبوعين، أعلنت من خلال منشور على الفيسبوك أنه طُلب منها بالفعل شغل المنصب وعقدت اجتماعاتٍ متعددة مع السيد الجملي، الذي اتهمته بالافتقار إلى الشفافية في عملية الاختيار.
ومع ذلك، مرت أشهر دون أن يتصدر اسم ألفة عناوين الأخبار إلى أن تم تعيينها المدير التنفيذي للناقل الوطني التونسي، الخطوط الجوية التونسية، في أوائل يناير 2021.
المدير التنفيذي للخطوط الجوية التونسية: رحلةٌ قصيرة
منذ البداية، قوبل تعيينها في الخطوط التونسية بردود فعلٍ متباينة، فقد عبّر البعض عن حماسهم لكونها مثلت خياراً جريئاً لشركة عانت منذ فترة طويلة من سوء الإدارة، في حين رأى أنصارها في تعيينها فرصةً لإثبات أن اختيار الشباب والنساء لمناصب في السلطة لربما يكون الحل المنشود منذ فترةٍ طويلة لاقتصاد متعثر، بينما أشار خصومها إلى افتقارها إلى الخبرة. وبكل إنصاف، واجهت ألفة معركةً شاقة منذ البداية: لطالما كانت الخطوط التونسية تعاني الأمرين بينما زادت جائحة كورونا الأمور سوءاً. وبالفعل، كان منصب الرئيس التنفيذي للشركة شاغراً منذ بضعة أشهر، وانخفضت إيراداتها بنسبة 67% خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2020 وانخفضت أعداد المسافرين على متنها بنسبة 74% خلال نفس الفترة.
بالتأكيد، كان “الصعود السريع” للسيدة الحامدي كرئيس تنفيذي للخطوط الجوية التونسية مبالغاً فيه، فعلى صفحة الفيسبوك الخاصة بالشركة، تستعرض صورة من حوالي كل أربع صور أنشطة السيدة الحامدي اليومية. كان هذا الاستخدام لوسائل التواصل الاجتماعي للشركة أمراً غير اعتيادي بالنسبة للرئيس التنفيذي للخطوط التونسية، حيث اتهمها النقاد على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الرئيسية بالترويج لنفسها واستغلال موارد الشركة لتعزيز مكانتها. وعلاوةً على ذلك، أعلنت أنه سيتم إنشاء مجلس استشاري، وأنها على اتصال مع “كبار مسؤولي شركة الطيران” الذين سيساعدون في إنقاذ الناقل الوطني كـ”خدمةٍ شخصية لها.” بالإضافة إلى ذلك، أعلنت أيضاً عن إصلاح أربع طائرات في غضون أسبوع وأن خدمات تعهد الطعام في الشركة عادت بعد توقفٍ طويل.
وبعد فترةٍ وجيزة من ذلك، واجهتها أولى “المشاكل” الحقيقية عندما اضطرت لمواجهة نقابة الخطوط التونسية، وهي جزء من الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يتمتع بقوة سياسية متزايدة. وفي فيديو انتشر كالنار في الهشيم، ظهرت السيدة الحامدي وهي تخاطب الموظفين وتدين أعضاء النقابة الذين، على حد تعبيرها، “لم يسمحوا للشركة بالعمل بشكل صحيح” و”رحبوا بها بالاعتصامات منذ اليوم الأول.”
كانت تلك المواجهة الأولى من بين العديد من المواجهات التي خاضتها مع اتحاد الشغل وزعيمه نور الدين الطبوبي، الذي اتهمها بـ “الشغف بخلق ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي، والإثارة والشعوبية.” بدورها، شاركت السيدة الحامدي رسالة مفتوحة موجهة إلى عامة الناس ووصفت السيد الطبوبي بأنه “الرجل غير المناسب في المكان المناسب.”
في الوقت الذي كان فيه شريحة كبيرة من السكان يعتبرون الاتحاد العمالي قوة تخريب وفوضى، بدا أن هذا جعل ألفة الحامدي أكثر شعبية. ومع ذلك، بالنسبة لكثير من الناس، تم فصلها من منصبها بسبب هذه المواجهة، بعد أقل من شهرين من تعيينها.
بل إن السيدة الحامدي بنفسها، وفي خضم استمرار هجومها على الطبوبي، صرحت أن الحكومة ليس لديها نية لإنقاذ الخطوط التونسية، وأنها “أفلتت من الاعتقال” صباح إقالتها، ووعدت بمزيدٍ من التوضيحات في المستقبل وأعلنت أن “النظام الحالي مقبرة للنساء والشباب.”
من جهته، أشار وزير النقل معز شقشوق، إلى أن إقالتها لم تكن مرتبطة بخلافها مع الاتحاد، وإنما لارتكابها “جملة من الأخطاء” و”عدم تعاونها مع الوزارة” واتهمها بـ”الانشغال بالفيسبوك بدلاً من العمل.”
نظريات مساندتها
أثار صعود الحامدي السريع وإقالتها تساؤلاتٍ كثيرة حول ما إذا كانت مدعومة من قبل ممثل سياسي أقوى. فقد أعلن البعض على مواقع التواصل الاجتماعي أنها كانت مقربة من حزب النهضة، الفائز في الانتخابات الماضية والذي يعد حالياً أكبر حزب سياسي في البلاد. علاوةً على ذلك، اتهموا النهضة باستخدام ألفة الحامدي بيدقاً في حربهم غير الرسمية مع الاتحاد العام التونسي للشغل. ومع ذلك، نفت كل من الحامدي والسيد فتحي العيادي، المتحدث باسم الحزب، هذه الصِلة.
محطة عابرة أم وجهة نهائية؟
بعد أيام قليلة من إقالتها، يبدو أن الحامدي ما تزال تنشط على وسائل التواصل الاجتماعي. والسؤال هنا: هل ستنضم إلى القائمة الطويلة من الوزراء والمديرين التنفيذيين التونسيين الذين استغلوا بعد عام 2011 وقتهم القصير في البلاد لتجميل سيرتهم الذاتية قبل الانتقال إلى وظائف استشارية في الخارج؟ أم أننا لم نر شيئاً منها بعد وستبقى مرتبطةً بالمشهد السياسي التونسي سريع التغير؟ الوقت وحده كفيلٌ في إثبات ذلك.