إن السؤال الذي يلوح في الأفق حول الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة في تونس والمقرر إجراؤها في 6 أكتوبر و17 نوفمبر 2019 على التوالي، هو سؤالٌ بسيط ولكنه مقلق: ماذا لو فاز النظام القديم؟ أصبح السؤال ذا أهمية بشكلٍ متزايد منذ أن احتل الحزب الدستوري الحر، الذي لا ينتمي للتيار السياسي السائد، المرتبة الثالثة في استطلاعات الرأي الأخيرة، خلف حزب ائتلاف النهضة وتحيا تونس، وهو حزب جديد برئاسة رئيس الوزراء يوسف الشاهد، متفوقاً على الحزب الحاكم نداء تونس.
يمكن وصف السطوع السياسي لنجم الحزب الدستوري الحر على أفضل نحو بكونه معادٍ للثورة ومتجذرٍ بعمق كحال سلفه حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، حزب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، الذي حكم منذ استقلال تونس في عام 1956 حتى الإطاحة بالنظام في عام 2011.
وبحسب ما قالته عبير موسي، الزعيمة المثيرة للجدل للحزب الدستوري الحر، في مقابلةٍ لها في العام الماضي، “إن حل التجمع الدستوري الديمقراطي، بدلاً من تطوير آلياتٍ لحل المشاكل داخل الحزب السياسي، كان محاولةً يائسة لمحو جزءٍ من تاريخ البلاد.”
وقالت هدى سعدي، مديرة مركز الأبحاث التابع للحزب الدستوري الحر لنا في فَنَك: “نحن نسميها تفويضاً وليس ثورة.” وأضافت “من المفترض أن تغير الثورات الأمور نحو الأفضل، لكن ثورات 2011 كانت مدفوعةً من قبل قوى أجنبية وأغرقت البلاد في الفوضى، فوضى سياسية خارجة عن القانون.”
البرنامج الإنتخابي للحزب الدستوري الحر مغموسٌ بالرمزية التاريخية والإشارات إلى “الماضي التاريخي” للحبيب بورقيبة، الرئيس السابق ومؤسس الحزب الحر الدستوري الجديد عام 1934. وبحسب سعدي، “نحن نتخيل تأسيس جمهورية ثالثة، بناءً على دستورٍ جديد.” من الجدير بالذكر أن أول جمهورية استمرت من عام 1956 وحتى عام 2014.
وأضافت “الدستور الحالي هو نتاج التأثيرات الأجنبية وفرق الضغط المحلية، وليس تونسياّ،” في إشارةٍ إلى الحزب الديمقراطي الإسلامي، حزب النهضة، العدو اللدود للحزب الدستوري الحر، والذي يُزعم تلقيه تمويلاً من قطر.
وكما أوضحت “يتمتع البرلمان بسلطةٍ كبيرة؛ إنهم يحتجزون البلاد كرهينة مقابل الإصلاحات. نحن بحاجة لاستعادة التوازن بين البرلمان والرئيس.” وتابعت القول، “سيعتمد دستورنا على القيم الديمقراطية ويضمن حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.”
بينما وصف حاتم مراد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قرطاج ومؤسس الجمعية التونسية للدراسات السياسية، موقف الحزب الدستوري الحر بأنه “قومي ولكن بطريقة سطحية ومصطنعة.” وأضاف “إنهم [الحزب الدستوري الحر] ينكرون الثورة، ويرون فيها إهانةً شخصية، والآن يريدون استعادة بلادهم. نظرية المؤامرة هي دليل على عدم قدرتهم على الرد؛ هذا يظهر أنه ليس لديهم أي حجة جوهرية.”
تصور موسي، التي اتهمت بهجومٍ بالغاز المسيل للدموع على محامٍ خلال انتفاضات عام 2011 وبالتهرب من الضرائب في عام 2018، نفسها كعضو فخور في الأسرة الدستورية، إذ قالت “لقد نقلوا حباً عميقاً لعَلَم الأمة، وللرئيس السابق حبيب بورقيبة وشعارات الجمهورية لي.”
الفضاء السياسي للحنين
تعرف موسي، التي تلعب بمهارة على بطاقة الشهيد، كيفية جذب اهتمام وسائل الإعلام واستخدام التغطية لتوسيع قاعدة الحزب وتوليد الاهتمام بأفكار الحزب وتغذية الاعتقاد بأن “العالم كله يقف ضدهم.” إن الإعلام التونسي، الذي يتوق إلى شرح هذه الظاهرة الجديدة، يميل إلى أن تجمعه علاقة صداقة مع الحزب الدستوري الحر، خوفاً على ما يبدو من فقدان الديناميات التي يمكن أن تدفع موسي إلى الرئاسة.
ومن المفارقات أن حزب موسي المناهض للثورة، الذي قيل إنه يستفيد من التعب من التغيير والحنين إلى الماضي، يقترح ثورةً ثانية للناخبين المحتملين. في حين أن الدراسات الاستقصائية تُظهر بالفعل سخطاً جماعياً من النظام السياسي غير الفاعل، إذ لم يكن هناك حقاً عهدٌ ذهبي من الثقة.
وبحسب قناة الجزيرة في عام 2013، “الشباب، الذين كانوا على الخطوط الأمامية أثناء الثورة والذين تحدوا بشجاعة آلة قتل بن علي، يشعرون بخيبة أمل الآن لفشل الحكومات الانتقالية المتعاقبة في تحقيق وعودهم.”
ووصف جوهر بن مبارك، منسق شبكة دستورنا من المجتمع المدني والمعلق الإعلامي المشهور، “تأثير موسي،” إذ قال: “إنها دائرة حميدة.” وأضاف “إنها مشهورة إعلامياً، والتي قد تؤثر على صناديق الاقتراع، وبالتالي تزيد من شعبيتها ومصداقيتها”
لكن السؤال المطروح هو ما إذا كان موسي ستأسر حقاً الناخبين. فمنذ أول انتخاباتٍ ما بعد الثورة في عام 2011، اتسم الاقتراع التونسي بزيادة عدم الاهتمام واللامبالاة لدى الناخبين.
فقد قالت سعدي عندما سئلت عما يجعل حزبها مختلفاً عن نداء تونس: “الأعمال أفضل من الأقول.” وأضافت “لم يكن نداء تونس حزباً صرفاً للتجمع الدستوري الديمقراطي بل كان مجرد خليطٍ لجماعاتٍ مختلفة. لهذا السبب انهار.”
قوة الماضي
عموماً، يعتبر حزب نداء تونس، الذي تأسس في عام 2012 من قبل الرئيس باجي قائد السبسي، الموطن السياسي لأعضاء التجمع الدستوري الديمقراطي السابقين. وكحال الحزب الدستوري الحر، يهدف إلى توسيع سلطة الرئيس بموجب الدستور التونسي.
فقد فاز نداء تونس، الذي ازدهر ضمناً على عدم الاستقرار الاجتماعي في تونس، بينما استغل شبكات التجمع الدستوري الديمقراطي القائمة والمتجذرة في وسائل الإعلام والأجهزة السياسية، في انتخابات 2014. ومع ذلك، خلال السنوات الخمس الماضية، خسر الحزب معظم مؤسسيه وقيادته الرئيسية ونحو نصف الكتلة البرلمانية.
انجاز الأمور
وقال مراد، موضحاً الصورة الأكبر: “باجي قائد السبسي سياسي من المدرسة القديمة، وهو مفكر مكيافيلي.” وتابع القول، “إن البنية التحتية للتجمع الدستوري الديمقراطي ما ساعدته في الوصول إلى السلطة، وفي المقابل قام بتعيينهم في مناصب رئيسية في حكومته. ونتيجةً لذلك، شعرت الشخصيات الأكثر ديمقراطية ضمن حاشيته بالتهميش وتركت الحزب في النهاية.”
باتباع نفس المنطق، برأت المحاكم – التي يرأسها قضاة معينون في عهد بن علي – كبار المسؤولين السابقين في عهد بن علي أو ألغت العديد من التهم الموجهة إليهم. في غضون ذلك، دفع السبسي بقانونٍ يمنح العفو عن المسؤولين التونسيين المتهمين بالفساد في عهد بن علي.
وكما قال لنا في فَنَك خيام الشملي، من محامين بلا حدود، “من غير المفاجىء أننا لا زلنا دون محكمةٍ دستورية.” إن الافتقار إلى محكمة دستورية، على النحو المتوخى في دستور البلاد لعام 2014، يترك فجوةً في نظام الضوابط والموازين.
كما لم يتم اتخاذ خطواتٍ لإصلاح الشرطة والجهاز الإداري والاقتصاد أو تم تعطيل ذلك بسبب نقص الإرادة السياسية. فقد بقيت “الدولة العميقة” في البلاد دون المساس بها، حيث اعتبرها بعض النقاد بمثابة استعادة سهلة لعصر بن علي.
ويبدو أن شخصياتٍ من النظام القديم في تونس دخلت العملية الديمقراطية وزودت العالم بدليلٍ حول كيفية جعل الديمقراطية تبدو سيئة.
وضمن هذا السياق، يمكن أن يزدهر الحزب الدستوري الحر، مع الاستفادة من منافع كونه حزباً لا يتنمي للتيار السياسي السائد.
وفي هذا الصدد، حذر مراد قائلاً: “لا تصدقوا ضجة الاقتراع.” وأضاف، “إذا ما فازوا، فلن ينجزوا أي شيء، سيدرك الناس الحقيقة من خلال خطابهم.”
مع اقتراب موعد الانتخابات بعد أشهرٍ فحسب، سيتساءل العديد من التونسيين عما إذا كان أي من الأحزاب التي يصوتون لصالحها سينجز شيئاً ما.