وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أوروبا- القِبلة المقدسة الجديدة للاجئين

Refugees waiting to take a bus that will eventually take them to Germany
لاجئون سوريون يحاولون الصعود إلى الحافلات في محطة حافلات اسطنبول للوصول إلى ألمانيا عبر اليونان، تركيا, 15 سبتمبر, 2015. Photo Isa Terli / Anadolu Agency

لطالما كان البحر الأبيض المتوسط، ومنذ زمنٍ بعيد، نقطة عبور المهاجرين. وأما في العصر الحديث، ومع عولمة مفهوم الدولة الأمة وإقامة الحدود المحمية والمحددة، أصبحت الهجرة أكثر تنظيماً، وبات المهاجرون بحاجة إلى الأوراق الثبوتية والتصاريح للتحرك والعمل، ومع ذلك لا تزال الهجرة مستمرة. فقد ساعد العمال المهاجرون من الشرق الأوسط وشمال افريقيا في بناء أوروبا ودول مجلس التعاون الخليجي التي نعرفها الآن.

خرج غالبية مهاجري البحر المتوسط في القرن العشرين من بلدانهم بسبب القوى الاقتصادية، إذ لم تكن الأمور تسير على خير ما يرام في ديارهم، وأردوا الانتقال إلى مكانٍ أفضل. فقد حصل العديد منهم على الجنسية الأوروبية في حين حصل عدد أقل على مواطنة دول الخليج.

ومع ذلك، ومنذ اندلاع موجة الربيع العربي عام 2011، فرت موجة جديدة من اللاجئين من الحرب والموت المشتعل في منطقة الشرق الأوسط الكبير. وهم أساساً من سوريا والعراق، حيث أن الاغتيالات والتفجيرات وعمليات الخطف تجارب يعايشونها بشكلٍ يومي، في حين أن بعض اللاجئين يأتون من بلادٍ بعيدة مثل أفغانستان.

تعتبر سوريا، وإلى حدٍ أقل، العراق وأفغانستان، التي تعتبر من الدول ذات الأغلبية المسلمة في الشرق الأوسط الكبير، المصادر الرئيسية للاجئين في المنطقة. وقد نتج عن الحرب في اليمن، حتى الآن، نزوح داخلي للاجئين، إلا أن هناك مخاوف على نطاقٍ واسع، في حال استمرت الحرب لفترة طويلة، أن يؤدي هذا إلى أزمة لاجئين كبرى جديدة على مستوى دولي.

وعلى صعيدٍ آخر، فقد تمت تغذية الحروب التي تمزق بلدانهم، إلى حدٍ كبير، من قِبل دول مجلس التعاون الخليجي، التي خصصت مساعداتها المالية لشراء الأسلحة، والمساعدات الإنسانية، والتغطية الإعلامية المكثفة. وتتمثل حجة دول مجلس التعاون الخليجي الرسمية لمثل هذا التدخل بوقف الأزمة الإنسانية.

وبالتالي، فإن من المنطقي بحث الناجين من الحرب عن ملاذٍ آمن في دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن هذا لم يحصل، إذ أن ممرات الهجرة تبدأ في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وتنتهي في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية. فقد عبر مئات الآلاف الأراضي والبحار عام 2015، متحدين الفاشية الجديدة والعواصف، ومقحمين أنفسهم في مجال ثقافي مختلف، ومخلفين ورائهم كل شيء، إلا أن القليل منهم فقط قرر خوض غمار رحلة سهلة جنوباً، صوب الدول الشقيقة الثرية، مثل السعودية أو قطر أو الإمارات العربية المتحدة.

وفي لعبة إلقاء اللوم التي اندلعت في سبتمبر الجاري (2015)، بعد أن احتلت صورة الطفل الكردي السوري الغريق الصفحات الأولى، انتقدت الدول الأوروبية دول مجلس التعاون الخليجي الغنية، متهمةً إياها بعدم بذل جهود كافية، في حين أن أنظمة دول مجلس التعاون الخليجي لم تقدم سوى الأعذار وتبادل اللوم.

من وجهة نظرٍ غربية، ترى أن دول مجلس التعاون الخليجي مسؤولة بشكل مباشر عما حدث للسوريين، وباعتبارهم عرب ومسلمين، يعتبر اللاجئون أشقائهم المقربين. وبالتالي، تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي غنية، وفي حقيقتها، دول قائمة على المهاجرين، مع الكثير من الأراضي الخالية غير المسكونة وتنخفض فيها البطالة، أي أن بإمكانها تحمّل استضافة الآلاف من اللاجئين.

ومع ذلك، فغالباً ما تدعي وسائل الإعلام الممولة من قِبل دول مجلس التعاون الخليجي أنّ السياسات الاستعمارية الأوروبية هي جوهر المشكلة، التي تفاقمت مع الحملة الغربية الأخيرة من أجل التغيير الديمقراطي في المنطقة. وبالتالي، ووفقاً لدول مجلس التعاون الخليجي، فإن أوروبا مسؤولة عن مصير السوريين، وبأن الأوربيين يدّعون احترامهم لحقوق الإنسان وحقوق اللاجئين، وبأنهم يتصرفون وفقاً لمبادئهم وبالتالي يتوجب عليهم تحمل العبء.

ولكن، في حين تدعي دول مجلس التعاون الخليجي أنها تستضيف بالفعل لاجئين (ما يصل إلى 2,5 مليون في المملكة العربية السعودية وفقاً لذات المصدر)، إلا أن الحقيقة على أرض الواقع هي أنّ اللاجئين أنفسهم يفضلون أوروبا.

إن الدولة الأمة مفهوم جديد في العالم العربي، كما أن الحدود الدولية ليست ثابتة بشكلٍ آمن بعد. ففي منطقة الخليج، تقع الحدود عبر الصحاري مما يجعل من الصعب مراقبتها والسيطرة عليها. وعلاوة على ذلك، يعمل آلاف العمال من الدول العربية الفقيرة على نحوٍ متقطع في دول مجلس التعاون الخليجي، مما يجعل من الممكن عبور الحدود دون تفتيش أو تسجيل، في حين أن العديد من العمّال، من البلدان التي مزقتها الحرب، قرروا عدم المغادرة على الرغم من انتهاء تصاريح إقامتهم. وهناك مئات الآلاف من السوريين (واليمنيين، والأفغان، وغيرهم) في منطقة الخليج، ولأنه لم يعد بمقدورهم العودة إلى ديارهم، فمن الممكن أن أعداد اللاجئين الذين تدعيّ دول مجلس التعاون الخليجي استضافتهم صحيح.

ومع ذلك، فإن وضع لاجىء لا يوجد في دول الخليج أو أي دولة عربية أخرى، إذ أنه مفهوم أوروبي لم يتم تبنيه من قِبل دول الشرق الأوسط ما بعد الاستعمار التي أنشأت حديثاً. وبالتالي، فإن أولئك الذين وجدوا ملاذاً آمناً في الخليج تتم معاملتهم كسكان من الدرجة الثانية أو الثالثة، وفي حال لم يجدوا وظيفة، لا يسعنا سوى أن نتمنى لهم فقط الحظ الأوفر. ولا توجد أي خدمات اجتماعية تقدم لهم أو لعائلاتهم، وأفضل ما يمكن أن يأملوا الحصول عليه مخيمات مكدسة باللاجئين تحت أشعة الشمس الحارقة والتي لا تحتوي سوى على القليل من وسائل الراحة، في الوقت الذي ينتظرون فيه نقلهم إلى مكانٍ آخر أو العودة إلى ديارهم. ويعتبر الفلسطينيون خير من عايشوا مثل هذا المصير.

وفي دول مجلس التعاون الخليجي، القليل من الأفراد يتمتعون بوضع المواطنة. وعلى عكس المملكة العربية السعودية، التي يُقدرعدد سكانها المواطنين بـ20 مليون نسمة، فإن غالبية الإمارات الأخرى فيها عدد قليل من المواطنين من أصل أجنبي. يشبه الأجانب في دول مجلس التعاون الخليجي، وبخاصة العمّال الفقراء من الدول العربية والآسيوية، إلى حدٍ كبير اللا إنسان أو “الميتيك” في اليونان القديمة، ويُنظر إليهم باعتبارهم مقيمين من الدرجة الثانية لن يكتسبوا أبداً وضع المواطنين.

ومن جهة أخرى، فقد تم تشديد الأمن في الخليج، مما يجعل أي لاجىء يصل البلاد يشعر بأنه غير مرّحب به وينفي شعوره بالأمان. وغالباً ما يتم رفض طلبات الحصول على تأشيرات أو تصاريح، ويمكن للوافدين المنكوبين توقع مواجهة حالة رهاب الأجانب البدائية. ففي نهاية المطاف، توفر الدولة الحد الأدنى من من الخدمات العامة، ويتوقعون من العمال أن يعملوا بجد ومن ثم يغادروا، في حين يتوقعون من اللاجئين أن ينتظروا… ومن ثم يغادروا.

ولهذه الأسباب، تريد دول مجلس التعاون الخليجي من أوروبا أن تستقبل اللاجئين، في حين يفضل اللاجئون أوروبا على دول الخليج. وكما هو معروف، يحجّ المسلمون بشكل سنوي إلى مكة، ولكن اليوم، على الأقل بالنسبة للسوريين وغيرهم من المسلمين وغير المسلمين ممن هم بحاجة، يتجهون في قبلتهم نحو أوروبا.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles