وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في لبنان، حرية التعبير تحت الهجوم في ظل منع حفلة مشروع ليلى

امرأة تلوح بعلم قوس قزح أثناء تنظيم حفلٍ موسيقي تضامناً مع فرقة الروك اللبنانية المستقلة، مشروع ليلى، في العاصمة اللبنانية بيروت في 9 أغسطس 2019. Photo: ANWAR AMRO / AFP

في يوليو 2019، أثار وضع فرقة روك لبنانية مستقلة على جدول حفلات أحد المهرجانات في مدينة جبيل ذات الأغلبية المسيحية المارونية جدلاً واسعاً بسبب مزاعم بازدراء الأديان.

فقد رضخ منظمو مهرجانات بيبلوس الدولية لضغوطٍ من مسؤولي الكنيسة والسياسيين والصفحات على الإنترنت الذين اتهموا فرقة مشروع ليلى المحلية والمعروفة دولياً بإهانة أحد الرموز المسيحية وتعزيز الشذوذ الجنسي. وبعد عدة تهديداتٍ بالعنف، أعلن المنظمون في 30 يوليو أن العرض المقرر في 9 أغسطس سيتم إلغاؤه “حقناً للدماء وللحفاظ على الأمن والاستقرار.”

بدأت التوترات تتصاعد في 17 يوليو، عندما هاجمت صفحة على الفيسبوك تدعى “جنود الرب” الفرقة بسبب تلميحاتها الدينية والجنسية. استهدفت العداوة على وجه التحديد أغنيتين من عام 2015 بعنوان “الجن” و”أصنام” بالإضافة إلى منشور على أحد مواقع التواصل الاجتماعي من عام 2015 للمغني الرئيسي حامد سنو، وهو مثلي الجنس علناً، يصور نجمة البوب مادونا على أنها مريم العذراء ويسوع المسيح باعتباره أحد “المعجبين.”

تم دعم حملة جنود الرب على الإنترنت التي تدعو إلى إلغاء الحفل من قبل العديد من ممثلي الكنيسة. وفي 22 يوليو، أصدرت أبرشية جبيل الكاثوليكية المارونية بياناً أدانت فيه إدراج حفلٍ لفرقة مشروع ليلى، متهمةً أغاني الفرقة بتقويض “القيم الدينية والإنسانية” و”معارضة الإيمان المسيحي مباشرة.”

كما طالب الأب عبده أبو كسم، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام، باتخاذ إجراءاتٍ قانونية ضد الفرقة، قائلاً إن الحفلة الموسيقية “تشكل خطراً على المجتمع.” وفي مقابلةٍ مع جريدة النهار، قام بتبرير الحملة على الإنترنت، قائلاً إن الفرقة “تشجع المثلية الجنسية.”

كما نشر ناجي حايك، أحد أعضاء التيار الوطني الحر، الحزب المسيحي إلى حدٍ كبير، منشوراً قاسياً على الفيسبوك، “هذا ليس تحذيراً من حفلة جبيل، بل تهديد مباشر لهذه الجماعة ولكل من يساهم بالتسويق لحفلاتها، سيمنع العرض بالقوّة، وليس بالتمنّي. وسأكون أول من يفعل ذلك. كل من يسيء للصليب والمسيح ليس له مكان في جبيل.”

وفي بيانٍ مشترك، دعا أعضاء البرلمان الثلاثة في المدينة إلى إلغاء الحفل الموسيقي. وقال النائب زياد حواط إن إلغاء الحفل كان ضرورياً “للحفاظ على صورة بيبلوس ودورها في احترام المقدسات والقيم.”

من جهتها، قالت الفرقة إنه تم استجواب أعضائها من قبل الشرطة، إلا أنه تم إطلاق سراحهم في نهاية المطاف دون توجيه أي تهم. وعلى الرغم من أن الفرقة أزالت المحتوى المثير للجدل في وقتٍ لاحق من منصات التواصل الاجتماعي التابعة لها، واعتذرت علناً ووعدت بأداء العرض دون الأغاني المعنية، إلا أن منظمي المهرجان أصروا على إلغاء الحفل.

وعليه، سرعان ما تم إطلاق حملة تضامنٍ مع الفرقة، إذ أعلنت فرقة Within Temptation الهولندية عن إلغائها حفلها في المهرجان، المقرر في 7 أغسطس، ودعا أنصار مشروع ليلى إلى تشغيل أغاني الفرقة في جميع أنحاء لبنان في 9 أغسطس، تاريخ العرض الملغي. كما تم تنظيم حفل موسيقي موازي بعنوان “صوت الموسيقى أعلى” في شارع الحمرا في العاصمة بيروت. حمل الحفل وسم #القمع مش مشروع، في تلاعبٍ واضح باسم الفرقة، مشروع ليلى.

الحفل الموسيقي الذي جمع بين الأساليب الموسيقية وأشكال التعبير الفني المختلفة، كان أيضاً فرصة للتعبير عن دعم حقوق مجتمع المثليين، إذ لوّح العديد من الحاضرين بعلم قوس قزح، وهي لفتة سياسية قوية في ضوء الهجمات التي ارتكبت ضد المثليين جنسياً، وخصوصاً المغني الرئيسي لمشروع ليلى، في الأسابيع السابقة.

في مقابلة مع شبكة سي إن إن، وصف محامي حقوق الإنسان نزار صاغية قضية مشروع ليلى بأنها بداية حقبة ما بعد الحقيقة في لبنان. فقد كان معنى كلمات الفرقة، والتي غالباً ما تتميز بالتلاعب بالكلام ويتعدد تفسريها، موضع الخلاف.

وبحسب ما قاله صاغية، وهو أحد أعضاء الفريق القانوني لمشروع ليلى، “لا أحد يطلب الحقيقة. الكل يعبر عن كراهيته ولهذا السبب كانت الفرقة ضحية للكثير من التزوير والأخبار المزيفة.” وأضاف “هذه ليست المرة الأولى التي يتهم فيها فنانٌ بالكفر، لكن هذه هي المرة الأولى التي يتهم فيها الفنان ويحكم عليه في محاكمة جماهرية ضدهم.”

بينما حثت الكاتبة في هيومن رايتس ووتش المختصة في شؤون لبنان والبحرين، آية مجذوب، الحكومة اللبنانية على إصلاح القوانين التي تجرم حرية التعبير المشمولة بالحماية: “على لبنان أن يقرر أي بلد يريد أن يكون: دولة تتحكم في الخطاب العام وتملي عليه، أم منارة للتسامح ومركزاً للفن والموسيقى والثقافة.”

كما أشار بعض المعلقين إلى أوجه التشابه بين التطرف المسيحي والإسلامي، حيث قارن الكاتب اللبناني خير الله خير الله عقلية منتقدي الفرقة بالدولة الإسلامية، إذ كتب “أولئك الذين اعترضوا على حفل مشروع ليلى في جبيل، للأسباب التي تقدموا بها، لا ينتمون سوى إلى داعش فكراً وسلوكاً.”

ووفقاً لأيمن مهنا، المدير التنفيذي لمركز سكايز للدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية، ” يوجد عقدة نقص لدى السلطات المسيحية في لبنان. فهم يريدون إثبات أنهم يستطيعون الدفاع عن أخلاقهم.”

لكن بالنسبة لنشطاء حرية التعبير، يلخص الحفل الملغى ثلاث سنواتٍ من تراجع الحريات العامة. ففي الأشهر الأخيرة، تم حظر العديد من الأفلام وفرض الرقابة على الكتب ومنع منح فرقة الميتال البرازيلية Sepultura تأشيراتٍ للبلاد لكونهم من “عبدة الشيطان.”

وفي 12 أغسطس، أفادت محطة إذاعة صوت لبنان أنه قد تم إلغاء عرضٍ ساخر كان من المقرر أن يتم في مدينة بنت جبيل في جنوب لبنان. وعلى الرغم من أن التفاصيل الدقيقة للإلغاء لا تزال غير واضحة، إلا أنها جاءت بعد ضغوطٍ سياسية مزعومة ناتجة عن مخاوف من افتقار مؤديات العرض للاحتشام وطبيعة بعض النكات.

بعد أسابيع قليلة من حظر مشروع ليلى، يشير هذا الحادث الأخير إلى أن “الحملة المقلقة على حرية التعبير في بلدٍ كان يفخر يوماً ما بتقبل التنوع” لم تنتهِ بعد.