دُحر في العراق تقريباً وفي موقفٍ دفاعيّ في سوريا: العناوين الدولية ترسم صورة كئيبة لمستقبل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش.” ولكن، بعد أقل من أربع سنواتٍ على إعلان الخلافة، هل نشهد حقاً نهاية داعش؟
ففي إفريقيا، تجاوزت مبايعة جماعة بوكو حرام زعيم داعش، أبو بكر البغدادي، والتي أطلقت على نفسها اسم فرع الدولة الإسلامية قي غرب افريقيا، الحيلة الدعائية بقليل، بالرغم من إعلان مسؤوليتها عن موجةٍ مستمرة من الهجمات باسم داعش. ومع ذلك، لم يفرض تنظيم داعش تغييراتٍ في قيادة المنتسبين، معززاً الأصولية الشابة والدهاء السياسي على أسلوب الزعيم السابق، الأكثر ميلاً للشقاق، أبو بكر شيكاو.
وفي شرق أفريقيا، يتضاءل حجم جهود داعش مقارنةً بأماكن أخرى. ففي مايو 2017، أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن تفجيرٍ انتحاري في منطقة بونتلاند شبه المستقلة في شمال الصومال، وهو أول هجومٍ لها منذ فبراير. وتتخلف الجماعة عن حركة الشباب التي تعتبر القوة الجهادية الرئيسية في الصومال. ومع ذلك، فإن عدداً من الانشقاقات إلى داعش من حركة الشباب، التي لطالما كان لها صلات بتنظيم القاعدة، يمكن أن تشير إلى تعاطفٍ متزايد مع داعش في المنطقة.
كما عادت أفغانستان أيضاً لتتصدر عناوين الصحف الأمريكية، ويعود الفضل في ذلك جزئياً إلى داعش. فقد قتل أبو سيد، زعيم فرع الجماعة الإرهابية في أفغانستان، في هجومٍ شنته طائرات أمريكية بدون طيار في يوليو، بيد أن فرع داعش هذا بعيدٌ كل البعد عن كونه قوةً مستهلكة. ففي الشهر نفسه، هاجم أربعة من مقاتلي داعش السفارة العراقية في العاصمة كابول، على ما يبدو رداً على هزيمة التنظيم في مدينة الموصل العراقية. وفي أبريل، ألقت القوات الجوية الأمريكية أكبر أسلحتها التقليدية على شبكة أنفاقٍ كان يستخدمها مقاتلوا داعش كثكنة عسكرية على مدى العامين الماضيين، ليتصدروا بذلك عناوين الصحف الدولية، إلا أنه لم يكن للهجوم تأثيرٌ يذكر. ويعتقد أن قلة من المقاتلين في أفغانستان من خارج البلاد، ومع وجود إمداداتٍ ثابتة من المجندين ممن على استعداد ليحلوا محل الخسائر في ساحة المعركة، تبدو الآفاق المستقبلية باختفاء داعش في أي وقتٍ قريب، ضئيلة.
وفي مسارح العنف الجهادي الأقل شهرةً، يواصل تنظيم داعش وضع بصماته. ففي يونيو، استولى مقاتلون تابعون لداعش على مراوي، وهي مدينة في جزيرة مينداناو بجنوب الفلبين، وأحرقوا الكنائس والمدارس خلال العملية. وعلى الرغم من أن القوات الحكومية استعادت إلى حدٍ كبير أجزاء من المدينة، إلا أن ذلك كان على حساب المئات من الضحايا وحملةٍ جوية “عشوائية.” ولعل أكثر ما يبعث على القلق هو انتشار التكتيكات والتدريب، مثل القتال في المدن واستخدام الأجهزة المتفجرة المرتجلة، من العراق وسوريا إلى بلدان أخرى مثل الفلبين. وتشير الأدلة إلى أن المسلحين في مراوي يأتون من جميع أنحاء جنوب شرق آسيا. كما أن الإرهاب المستوحى من داعش في إندونيسيا آخذٌ في التزايد، مما أثار المخاوف من وجود إسلامٍ جديد أكثر توحداً في المنطقة. وعليه، سلمت الحكومة الامريكية السلاح إلى الفلبين فى الوقت الذى تستمر فيه حملتها العسكرية، ولكن مع استفادة داعش من المظالم التي طال أمدها في هذه المنطقة ذات الأغلبية المسلمة لبناء شبكاتٍ للمتمردين، قد يعني هذا مشاكل لمانيلا على مدى السنوات القادمة.
وعلى صعيدٍ آخر، حظي تنظيم داعش بنجاحٍ كبير داخل المجتمعات الفلسطينية وما حولها في سوريا وغزة. وكان مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، جنوب دمشق، معقلاً هاماً للتنظيم. ومنذ شهر أبريل 2016، سيطر التنظيم على حوالي 60% من المخيم، حيث يواصل اشتباكاته مع الفصائل الجهادية المتنافسة. ومع ذلك، وعلى الرغم من الجهود التي بذلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لربط الهجمات الفلسطينية بداعش، لم تكن هناك سوى محاولاتٌ فاشلة لإقامة فرع لداعش داخل إسرائيل، بيد أن التنظيم قد حقق نجاحاً أكبر في غزة. ومنذ عام 2015، بدأت جماعة مسلحة جديدة تحقق مكاسب على الأرض في القطاع. وبسبب الإحباط من نهج حماس في الحرب ضد إسرائيل، اتبع لواء الشيخ عمر الحديد، الذي بايع أيضاً تنظيم داعش، مساراً أكثر عنفاً ومواجهةً.
كما أفادت تقاريرٌ عن خسارة حماس لمقاتليها لصالح تنظيم داعش في منطقة سيناء في مصر. ومع موجة الهجمات التي تستهدف الجيش المصري والمجتمع المسيحي القبطي وصناعة السياحة في مصر، لا يزال التنظيم في سيناء واحداً من أكثر فروع الجماعة نشاطاً.
كما وفر اليمن ملاذاً ملائماً لداعش، فقد سمحت الحرب الأهلية المستمرة وانعدام الإهتمام الدولي بالنزاع، للتنظيم بالعمل بحصانةٍ نسبية (باستثناء بعض الهجمات والغارات التي تشنها الطائرات الأمريكية بدون طيار)، وتوجيه التفجيرات الانتحارية التي أسفرت عن مصرع عشرات الجنود والمدنيين فى المدن الرئيسية فى البلاد، فضلاً عن بعض العمليات الرامية إلى التوسع الإقليمي. وعلى الرغم من أن القاعدة في شبه الجزيرة العربية لا تزال القوة الجهادية المهيمنة في البلاد، قد يثبت اليمن أنه وجهة جذابة لمقاتلي داعش القسريين من مواقع أخرى. وبالنظر إلى هجمات داعش على سجل القاعدة في شبه الجزيرة العربية والمؤهلات الجهادية، قد يؤدي ذلك إلى توترات بين التنظيمين.
وفي تركيا، استهدفت حملات مكافحة الإرهاب في مايو حوالي 400 شخص يشتبه في كونهم أعضاء في داعش. فقد كان معظم المعتقلين من الأجانب، إذ كان 60 شخصاً على الاقل من المشتبه بهم فى العاصمة أنقرة، وهى مدينة بعيدة عن الحدود السورية ولا ترتبط عادةً بطرق تهريب المسلحين. قد يشير ذلك إلى الجهود التي يبذلها تنظيم داعش لإنشاء شبكات دعمٍ أوسع في البلاد. ومنذ منتصف عام 2016، دعت داعش إلى شن، وأعلنت مسؤوليتها،عن الهجمات على الأراضي التركية. وبما أن البلاد كانت ولا تزال الممر وطريق الإمداد الرئيسي لمسلحي داعش في سوريا، ينبغي على تركيا توقع أن يواصل تنظيم داعش تشكيل تهديدٍ معقول في المستقبل المنظور.
وعلى الرغم من أن الشيشان كانوا وراء الهجوم الذي استهدف مطار أتاتورك في اسطنبول عام 2016، وقيام مواطن أوزبكي بإطلاق النار على 39 شخصاً في ملهى رينا الليلي في 31 ديسمبر، إلا أن مجموعة كبيرة من أعضاء داعش الأتراك كانوا مسؤولين عن معظم التفجيرات الانتحارية في تركيا. فقد كان المسلحون الأتراك يتجندون علناً من عام 2012 إلى عام 2015، ويمكن لأولئك المعتقلين إنشاء شبكات جديدة داخل نظام السجون التركي.
كما أثبتت منطقة القوقاز أنها أرضٌ خصبة للتجنيد لداعش. حتى أن البغدادي أعلن المنطقة، التي تقع على عتبة أوروبا، ولايةً لداعش. فقد شنت قوات الأمن الروسية غاراتٍ ضد الجماعات المشتبه في انتمائها إلى داعش في القوقاز منذ عام 2014. ومع إنضمام العديد من الشيشان إلى داعش بهدف محاربة روسيا، يبدو من غير المرجح أن يتراجع هذا التهديد مع فقدان داعش للأراضي في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن عداء القوقازيين نحو روسيا لن يبرح مكانه، إلا أنه في حال تحالفهم مع داعش، يمكن أن تشكل المنطقة خطراً أكبر على أوروبا.
ومنذ عام 2014، دأب تنظيم داعش على التخطيط لـ140 هجوم إرهابي في 29 بلداً غير العراق وسوريا، حيث أسفرت مذابحه عن خسائر فادحة. وقد أوقفت وطأة الجهود الدولية الجماعة في الوقت الراهن، إلا أن احتمال التعرض لهزيمة إقليمية في العراق كان موضع شك من قبل قادة داعش. فقد نشأت هذه الجماعة كمنظمة “إرهابية متمردة،” وهي أكثر من قادرة على العودة إلى هذه الجذور، التي تتيح فرصة الانتقام والعودة مجدداً، وتجديد التغطية الإعلامية. وعلاوة على ذلك، فإن البؤر المركزية التي طورها تنظيم داعش في جميع أنحاء العالم والأتباع الذين اجتذبهم، أمران حاسمان لمستقبل التنظيم. وقد دعا البغدادي أتباعه، مراراً وتكراراً، إلى تعزيز هذه المعاقل بدلاً من الهجرة إلى العراق وسوريا.
وعليه، فإن بقاء وسائل داعش الإعلامية سيحدد قدرة التنظيم على الانتعاش والتغلب على خسائره في العراق وسوريا، وحشد مؤيديه وإلهام المزيد من الولاء. ولا تزال وكالة أنباء داعش “أعماق” فاعلةً على شبكة الإنترنت، مما يساعد على نشر هجمات الذئاب الوحيدة التي تزعج أعداء داعش من أستراليا إلى البرازيل. ويمثل هؤلاء الأتباع المتحمسون تهديداً عالمياً جديداً فعالاً؛ تهديدٌ يصعب حسابه تماماً كما تصعب مواجهته.
قد تكون دولة تنظيم داعش المبدئية في العراق والشام على وشك الإنهيار، إلا أن الإيديولوجية والعنف الذي ينشره التنظيم بعيدٌ كل البعد عن فقدان الحياة.