وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في لبنان: الأمن يغلب على حقوق الإنسان

Lebanon- human rights- Syrian refugees in Arsal
لاجئون سوريون يحملون لافتات وهم يقفون بجانب جثة رجل سوري متوفي وذلك بعد أن اغار الجيش اللبناني على مخيمين للاجئين على الأقل قرب عرسال، لبنان، 4 يوليو 2017. photo AP

في 30 يونيو 2017، اقتحم الجيش اللبناني مخيمين للاجئين، على الأقل، بالقرب من قرية عرسال الواقعة على الحدود السورية. فجر خمسة انتحاريين أنفسهم خلال الغارة، مما أسفر عن إصابة سبعة جنود ومقتل فتاة سورية. ورداً على ذلك، اعتقل الجيش حوالى 350 لاجئاً سورياً، توفي أربعة منهم بعد ذلك بسبب أمراض مزمنة تفاقمت بسبب الظروف الجوية، وفقاً لما ذكره بيانٌ للجيش. وقد تم منذ ذلك الحين تقديم ادعاءاتٍ بتعرض اللاجئين للتعذيب وسوء المعاملة، مما يبلور التوترات في لبنان، الذي يُكافح من أجل التعامل مع ما يقدر بنحو مليون لاجىء سوري، فضلاً عن تهديد توغل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عبر الحدود.

إن مثل هذه الإدعاءات ليست بالأمر الجديد، فقد أفاد تقريرٌ صدر في عام 2014 عن الأمم المتحدة بأن “التعذيب في لبنان ممارسة واسعة الانتشار ويتم استخدامها بشكل روتيني.” وفي أكتوبر 2016، اعتمد البرلمان قانوناً جديداً بإنشاء معهد وطني لحقوق الإنسان يضم لجنة للتحقيق في استخدام التعذيب.

غير أن وفاة المعتقلين السوريين الأربعة المحتجزين لدى الجيش أثارت مخاوف جديدة حول تكتيكات الجيش وانتقاداته العامة. وبحسب مقالٍ نشرته صحيفة ذا ديلي ستار في 10 يوليو 2017، قال النائب عن تيار المستقبل، أمين وهبة لإذاعة الشرق أن “الجيش أثبت أنه القوة الوحيدة التي تُطمئن اللبنانيين واللاجئين.” ورداً على الانتقادات التي طالت الجيش، قال أن الجيش يؤدي واجباته فحسب، وأن القضاء اللبناني والسلطات اللبنانية تملك كلمة الفصل بإدانة أو تبرءة المحتجزين. وفي اليوم نفسه، أعلن رئيس الوزراء سعد الحريري كامل تأييده للجيش وشدد على أنه سيتم إجراء تحقيقٍ عسكري في مقتل السوريين.

غير أن شكوكاً تحوم حول عدالة واستقلالية مثل هذا التحقيق. فقد اعتقل الصحفي اللبناني في صحيفة الحياة اليومية، فداء عيتاني، وتم استجوابه من قِبل مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية التابع لقوى الأمن الداخلي، بعد انتقاده دور الجيش في وفاة اللاجئين، عبر منشورٍ على الفيسبوك، حيث أطلق سراحه بعد حذفه المنشور.

وبالمثل، وقع نزاعٌ في السابع من يوليو حول 2017 الاختصاصات القضائية بين قاضٍ من محكمة الأمور المستعجلة وقاضي النيابة العسكرية، بعد أنّ حصلت محامية تُمثل أسر السوريين الذين اعتقلوا من قِبل الجيش على عيناتٍ طبية من عدة جثث.

وكانت المحامية اللبنانية، ديالا شحادة، التي تُمثل أسر الضحايا، تعمل على إصدار أمرٍ قضائي من قاضي الأمور المستعجلة وإعطاء العينات، التي تم تشريحها في وقتٍ سابق من قِبل طبيب شرعي في مستشفى زحلة الحكومي، لمستشفى اوتيل ديو دو فرانس في العاصمة بيروت ليتم تحليلها لبيان كيفية وفاة الضحايا. وعلى الرغم من تعرضها لمضايقاتٍ وتهديدات، تمكنت شحادة من تصوير العديد من الرجال، ممن يرتدون الزي المدني، والذين عرفوا عن أنفسهم باعتبارهم ضباط في المخابرات العسكرية، وهم يضغطون عليها لتسيلم العينات.

وقالت شحادة لـFanack: “ذهبت برفقة مساعدتي إلى مستشفى في بيروت يُرافقنا موظف طبي من زحلة، إلا أنه قرر تركنا بعد أن تلقى تهديدات وأوامر متعددة عبر الهاتف لإبطائنا.” وتابعت “كنت أحاول تسليم العينات بشكلٍ رسمي إلى المستشفى، ليتم حفظها وتحليلها، عندما تعرّض لنا عدة رجال يرتدون الزي المدني وعرفوا عن أنفسهم باعتبارهم ضباط في المخابرات العسكرية وأخبرونا أن لديهم أمر بأخذ العينات “أياً كان الثمن،” إلا أنهم لم يملكوا أمراً قضائياً بذلك. تمكنت في النهاية من التواصل مع المدعي العام التمييزي، سمير حمود، وطلبت منه التدخل، الذي أمرني بدوره بتسليم العينات لرجال الاستخبارات العسكرية.”

وأضافت “يتجاوز هذا أي مستوى سابق لانتهاكات حقوق الإنسان. بل يمكن مقارنتها بوضع حقوق الإنسان خلال الحرب الأهلية اللبنانية حيث تتجاوز سلطة أي فردٍ مسلح أي سلطةٍ أخرى،” إلا أنها أوضحت أنها لا تتهم الجيش بأي مخالفات، بل الاستخبارات العسكرية “التي تقوم بالعمليات العسكرية.”

وقالت شحادة، التي عملت على شهادات ما لا يقل عن 200 معتقل لبناني وسوري وفلسطيني ومصري، أنه ينبغي طرح أسئلة جدية حول الطريقة التي تنفذ بها المخابرات العسكرية سلطتها. “تعرضت جميع الحالات التي وثقناها للتعذيب البدني والمعنوي، في حين أن معظمها لا علاقة لها بالإرهاب أو الصراع في سوريا. فهم بالفعل يعانون من وضعٍ هشٍ جداً في لبنان، ولا يتمتعون بأي حقوق، وينتهي بهم الأمر إلى إجبارهم على التوقيع، معصوبي العينين دوماً، على أي اعترافاتٍ تُعطى لهم. وهذا دليلٌ على أن المادة (47) من قانون العقوبات، التي تمنح الحقوق للمحتجزين، تنتهك وتهمل باستمرار. واليوم، يتعرض حتى الصحفيين والمحامين للمضايقات والتهديدات لقيامهم بعملهم. وكأنه لا يمكنك انتقاد أساليب الجيش، ولا يمكنك أن تقول أي شيء بعد الآن.”

ومع ذلك، فإن قمع حرية التعبير يمتد إلى أبعد من الجيش. ففي 16 يوليو 2017، حظر وزير الداخلية نهاد مشنوق جميع الاحتجاجات في لبنان، كرد فعلٍ لدعوة ناشطين سوريين ولبنانيين الخروج في مظاهرةٍ تدين إساءة معاملة اللاجئين السوريين، والتي كان من المفترض أن تجري بعد يومين.

وغرّد مشنوق عبر تويتر قائلاً “نعوّل في المقابل على تسريع التحقيق المسؤول والدقيق في وفاة النازحين السوريين الأربعة.” وأضاف “لذلك وبعد التشاور مع القيادات الأمنية المعنية، اتخذنا القرار بعدم الموافقة على أي طلب من أي جهة للتظاهر حفظاً للسلم والأمن الأهلي”.

وكرد فعلٍ على منع التظاهر، وفي ظل التهديدات المتعددة التي تلقاها المنظمون، أصدر المنتدى الاشتراكي بياناً ذكر فيه “ندين ونستنكر كل الإشاعات والاتهامات المغرضة والملفقة التي صدرت بحق رفاقنا، وبحقنا، سواء على وسائل الإعلام أو على وسائل التواصل الاجتماعي. كما نعترض أشد الاعتراض على تسريب ورقة العلم والخبر من بلدية بيروت التي تذكر أسماء الرفاق وأرقام هواتفهم، وهي بالتالي تتحمل المسؤولية الكاملة عن أي أذى جسدي أو معنوي قد يتعرضون له… وعلى الرغم من تنظيم المنتدى الاشتراكي على مدار السنوات الماضية عدة وقفات تضامنية مع اللاجئين/السوريين/، إلا أن هده المرة الأولى التي تلاقي فيها الدعوة الى الاعتصام هكذا جو من التحريض والتهديد المفتوح. نرى أن هذا التحريض يأتي بهدف التمهيد لحرب مفتوحة في عرسال وفرض التعامل مع النظام السوري في إطار تسوية تقضي بترحيل اللاجئين/السوريين/ات قسرياً إلى ما يسمى زوراً بأماكن “آمنة” داخل سوريا.”

ففي بلدٍ لطالما حظيّ، نسبياً، بسمعة طيبة في مجال حرية التعبير، تُشير الحملة الأمنية الأخيرة ورد الفعل الصارم ضد أي انتقاداتٍ علنية موجهةٍ ضد الجيش، إلى تعرض حقوق الإنسان الأساسية للهجوم.