وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إرتفاع وتيرة الهجمات الإرهابية في الشرق الأوسط

الهجمات الإرهابية في الشرق الأوسط تنظيم الدولة الإسلامية و القاعدة
©Fanack

بينما كان الجميع يودعون عام 2016 الدموي، عامٌ تميّز، بشكلٍ كبير، بالهجمات الإرهابية في جميع أنحاء العالم، استقبلت اسطنبول العام الجديد بهجومٍ إرهابي مروّع آخر. فقد فتح مسلحٌ النار على حشدٍ من مئات المحتفلين بالعام الجديد في ملهى رينا الليلي، المطل على البوسفور في حي أورتاكوي للأثرياء، مما أسفر في نهاية المطاف عن مقتل 39 شخصاً وإصابة 69. معظم الضحايا الذين قتلوا في ملهى رينا، الذي عادةً ما يرتاده المشاهير، كانوا من الأجانب بما في ذلك العديد من الشرق الأوسط- من لبنان، وسوريا، والكويت، وتونس، والمغرب، والمملكة العربية السعودية.

أعلن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” مسؤوليته عن مجزرة اسطنبول وأشاد التنظيم بالمنفذ واصفاً إياه بـ”أحد جنود الخلافة الأبطال،” وذلك في بيانٍ رسمي صدر عن وكالة أعماق التابعة له.

فقد كان الهجوم على الملهى في رأس السنة الجديدة في تركيا جزءاً من الحملة الإرهابية العالمية للتنظم الإسلامي، مع تركيزٍ واضح على الشرق الأوسط، ملعبه المعتاد. فالدماء التي أريقت في إسطنبول ترتبط بالهجوم على سوق عيد الميلاد في برلين في 19 ديسمبر 2016، وتفجير الكنيسة القبطية في القاهرة في 11 ديسمبر 2016، والهجوم في نيس في يوليو 2016 وهجوم باريس في نوفمبر 2015. فالمتطرفون الإسلاميون، يحاولون ولا يزالون يحاولون، فرض أيديولوجيتهم، في جميع أنحاء العالم وعلى مدار السنة؛ في بغداد وعدن وجاكارتا وتل أبيب وغيرها من الأماكن، عن طريق نشر الخوف والرعب.

ولكن، بالنسبة لتركيا تحديداً، شهد عام 2016 تقلباتٍ شديدة ورهيبة من عشرات الهجمات الإرهابية من إسطنبول وعبر الحدود التركية الجنوبية مع سوريا، من إطلاقٍ للنار وهجومٍ إنتحاري في مطار أتاتورك الدولي في اسطنبول يوم 28 يونيو 2016، إلى العبوات الناسفة في ساحات وشوارع المدينة التي تعجّ بالسياح، وصولاً إلى اغتيال السفير الروسي في العاصمة أنقرة في 20 ديسمبر، قبل بضعة أسابيع فحسب من نهاية عام 2016. وبشكلٍ منتظم، ادعى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” وحزب العمال الكردستاني (بي كا كا) وغيرها من الفصائل المنشقة من الجماعات الكردية المحظورة التي كانت في حالة حرب مع السلطات التركية لعدة سنوات، مسؤوليتها عن هذه الهجمات.

عدد الهجمات الارهابية والوفيات في منطقة الشرق الأوسط و شمال افريقيا بالمقارنة مع أوروبا. أنقر على الصورة للتكبير. ©Fanack

وفي أكتوبر 2016، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تحذيراً لرعاياها من السفر إلى تركيا، إذ ذكر البيان “أنها تستند إلى معلوماتٍ تشير إلى أن جماعات متشددة تسعى إلى شن هجمات ضد المواطنين الأمريكيين في إسطنبول.” وفي غضون سنة، انحدرت سمعة تركيا من كونها وجهة محببة للسياحة إلى مسرحٍ للأحداث الإرهابية المؤسفة والمقلقة. ومع معاناة اقتصاد البلاد في أعقاب محاولة الإنقلاب الفاشل في الصيف الماضي، ودعوة الرئيس أردوغان المواطنين الأتراك لتحويل مدخارتهم من الدولار الأمريكي إلى الليرة التركية، التي باتت أكثر ضعفاً، في  ديسمبر2016  ، آخر ما ترغب فيه تركيا هو شنّ هجومٍ إرهابيّ آخر من هذا العيار.

وإلى جانب ذلك، فإن مشكلة الإرهاب في تركيا ثنائية الأبعاد: الإسلاميون المتشددون من جهة والأكراد من جهةٍ أخرى. وبالنسبة للمراقبين من الخارج، يتمثل كبش الفداء المثالي بإلقاء اللوم على تنامي نزعة الحكم الاستبدادي للرئيس التركي أردوغان، سيما بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة وعملية التطيهر واسعة النطاق التي تلت ذلك. ومع ذلك، المشكلة أكثر تعقيداً.

فقد حددت ثلاثة عقودٍ من الصراع العلاقة بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني المتمرد (بي كا كا)، مما أدى إلى وفاة ما بين 30 ألف إلى 40 ألف شخص. وفي عام 2013، تم التوصل إلى إتفاقٍ لوقف إطلاق النار، وبعد عامين، في فبراير 2015، أعلن عن خطة سلامٍ، سُميت باتفاق قصر دولما بهجة، والتي تتكون من عشر نقاط.

وعندما أتمت الولايات المتحدة الأمريكية صفقةً مع تركيا، في يوليو 2015، لاستخدام قاعدة انجرليك الجوية (التي تقع على مقربةٍ من الحدود السورية)، من أجل ضربٍ أهدافٍ لداعش، وافقت تركيا أيضاً على الإنخراط في المعركة ضد التنظيم الإرهابي. ومع ذلك، استغلت القوات التركية الفرصة لاستهداف عدوها القديم، الأكراد، الذين كانوا يحققون مكاسب داخل الأراضي السورية. شهد عام 2015 انهيار إتفاق وقف إطلاق النار الذي دام لعامين، بعد مقتل العديد من رجال الشرطة والجنود الأتراك في هجماتٍ أعلن حزب العمال الكردستاني المسؤولية عنها في 20 يوليو و31 يوليو 2016. وبحلول عام 2016، أصبحت التفجيرات الكردية، والكمائن والهجمات بالأسلحة النارية، الموجهة غالباً ضد أهدافٍ عسكرية وضد الشرطة التركية، حدثاً شهرياً تقريباً.

ومع تحول مجرى الأحداث في الحرب السورية لصالح الرئيس السوري بشار الأسد، منذ أن هرع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لإنقاذه عام 2015، اتخذت سياسية الرئيس التركي أردوغان تجاه سوريا منعطفاً أيضاً. فقد تقارب أردوغان وسوى خلافاته مع بوتين إلى أنّ أعلنا عن اتفاقٍ لوقف إطلاق النار في 29 ديسمبر 2016، وأعلنا وصايتهما عليه معاً. ومنذ التقارب التركي- الروسي، أدرك تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أن تركيا تنتقل من كونها نقطة عبورٍ لا تشكل أي تهديد إلى عدوٍ كامل. وفي نهاية المطاف، ركزّ تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” هجماته على تركيا، حيث شجعت الجماعات المؤيدة لداعش هجمات الذئاب الوحيدة لتحويل موسم العطلات إلى “أيام من الرعب والدم.”

الهجمات الإرهابية في الشرق الأوسط تنظيم الدولة الإسلامية و القاعدة
©Fanack

وفي مصر، أسفر تفجير الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في القاهرة في 11 ديسمبر عام 2016، والذي أعلن تنظيم الدولة “داعش” المسؤولية عنه، عن مقتل 25 شخصاً وجرح 49، غالبيتهم من النساء والأطفال. فقد تم إلقاء القبض على المشتبه به بالعمل الإرهابي والذي أعلن عن اسمه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وهو محمود شفيق محمد مصطفى البالغ من العمر 22 عاماً، في عام 2014 من قِبل قوات الأمن المصرية أثناء مشاركته وزميلٍ له في احتجاجات لجماعة الإخوان المسلمين. ووفقاً لمحاميه، قضى موكله عاماً في السجن وتعرض للتعذيب دون أن توجه إليه أي جرائم حقيقية. وعلى الرغم من أنّ نظرية السببية بين قمع الدولة والتطرف قد نوقشت على نطاقٍ واسع، إلا أنه لا يزال هناك أدلة كثيرة على أنّ هذان الإثنان مرتبطان على وجه الخصوص بالقضايا الراهنة للهجمات الإرهابية في مصر وليبيا. ويُشير مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2016 أنّ الإرهاب في مصر في أعلى مستوى له منذ عام 2000، حيث تحتل مصر المرتبة التاسعة عالمياً. ووفقاً لمجلة فورين أفيرز “في عام 2015، كان هناك [في مصر] 662 حالة وفاة، أي بزيادة قدرها 260%عن عام 2014. وفي المقابل، في الفترة ما بين 2000-2012، وصلت أعلى حالات وفاة مسجلة إلى 92 في سنة واحدة، وكان ذلك عام 2005.”

فقد خلق قمع الرئيس السيسي، وخصوصاً تجاه المعارضة غير العنيفة بأكملها، سواء كانت إسلامية أم لا، بيئةً يزدهر بها التطرف والأيديولوجيات المتطرفة. ومنذ سيطرة السيسي على السلطة في يوليو 2013، قاد الفرع المصري لداعش، ولاية سيناء، معظم الهجمات الإرهابية داخل مصر. وقبل الإنقلاب العسكري في يوليو 2013، ركزت الجماعة (التي تُسمى في الأصل أنصار بيت المقدس) هجماتها في محافظة سيناء وكانت تستهدف بشكلٍ أساسي إسرائيل. ومع ذلك، وبعد الإنقلاب، وسعّت الجماعة من نطاق عملياتها إلى الأراضي المصرية، حيث باتت تستهدف بإنتظام مسؤولي النظام وقوات الأمن. وفي خريف عام 2016، أسقط تنظيم ولاية سيناء طائرةً روسية فوق صحراء سيناء في مصر، مما أسفر عن مقتل 224 شخصاً كانوا على متنها.

كما ظهرت في مصر أيضاً جماعاتٌ إسلامية أخرى، مشكلةً مجموعاتهم المسلحة الخاصة، والتي لا تؤيد، بالضرورة، تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أيديولوجياً. فالمظالم السياسية هي محرك جماعاتٍ مثل جند مصر، وحركة حسم، ولواء الثورة، فهم يستمدون، بشكلٍ أساسي، الدعم ويجندون أنصار الإخوان المسلمين الذين سحقهم نظام الرئيس السيسي، فضلاً عن أولئك الذين فقدوا بعضاً من أقاربهم وأفراد عائلاتهم في أعقاب الإنقلاب، خصوصاً بعد مذبحة رابعة في أغسطس 2013، والتي أسفرت عن مقتل ما يقدر بنحو ألف متظاهر، معظمهم من مؤيدي الرئيس المعزول، محمد مرسي من جماعة الإخوان المسلمين.

وعندما يتعلق الأمر بالعراق، معقل الدولة الإسلامية التي شهدت تقدماً سريعاً وإنتشارها كالنار في الهشيم في الفترة ما بين 2013-2014، بدى أن داعش تخسر أراضيها أساساً أمام تحالفٍ دوليّ مكوّن من حوالي 50 ألفاً من أفراد الأمن العراقيين، والمقاتلين الأكراد، ورجال القبائل العربية السُنية، والقوات شبه العسكرية الشيعية، المشاركة في المعركة ضد آخر معاقل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” في مدينة الموصل في العراق. وفي سوريا، نفذت الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية والتي بدأت في سبتمبر 2014، ما يقارب الـ6 آلاف ضربة جوية شنتها قوات التحالف، التي تتضمن دولاً مثل أستراليا والبحرين وفرنسا والأردن وهولندا والمملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة. أما روسيا، التي ليست جزءاً من التحالف، فقد شرعت أيضاً بقصف ما أسمته “الإرهابيين” في سوريا في سبتمبر 2015.

جرائم الإرهاب
Number of fatalities due to terrorist attacks per country in the MENA region ©Fanack CC BY 4.0

وتقول شركة (IHS) للأبحاث أنّ الجهاديين خسروا حوالي 16% من الأراضي التي كانوا يحتلونها بداية عام 2016، وأنهم، عموماً، خسروا ما يزيد قليلاً عن ربع الأراضي فحسب التي كانوا يسيطرون عليها في يناير 2015. واعتباراً من يوليو 2016، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على أراضٍ “بحجم أيرلندا تقريباً،” في سوريا والعراق مجتمعة. تسبب هذا في نهاية المطاف باندفاعٍ مفاجىء في هجمات داعش في جميع أنحاء العالم، وداخل سوريا والعراق على وجه التحديد. وعندما أعلنت الخلافة لأول مرة في عام 2014، تمثل هدفها في السيطرة على المزيد من الأراضي وزيادة عدد المجندين، فضلاً عن أعداد السكان في ظل أرض الخلافة- الذين وصولوا إلى ما يقرب من الـ10 ملايين نسمة. ومع ذلك، في عام 2017، يبدو أن طموحات وأهداف داعش قد تغيرت. واليوم، يبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” يشحذ جهوده لإلهام أتباعه، والتركيز على تخطيط وتنسيق هجماته بتأنٍ. وبالتالي، أصبح زيادة هجماته الإرهابية المعقدة التي تهدف إلى الإيقاع بأكبر عددٍ من الضحايا في سوريا والعراق، أمراُ روتينياً لإرهاب السكان والسعي نحو المزيد من السيطرة.

وعلى صعيدٍ آخر، يوفر الأردن، الذي غالباً ما يوصف باعتباره أقرب حلفاء واشنطن العرب وشريكٌ أساسي في الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” في سوريا، لقوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، القواعد الجوية وغيرها من الأمور الهامة الخاصة بدعم العمليات. والأهم من ذلك، يعتبر ملك الأردن، الملك عبد الله الثاني، صوتاً رائداً في الإعتدال الإقليمي، وصوتاً مسموعاً في مواجهة سردية تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة. فقد جعلت سياسات الملك المؤيدة للغرب، المملكة هدفاً، منذ فترةٍ طويلة، للمتشددين الإسلاميين. وبالتالي، أحبطت قوات الأمن الأردنية عدداً لا بأس به من المؤامرات الإرهابية في حين نجحت بعض الهجمات الأخرى. ففي 21 يونيو، قُتل 7 من حرس الحدود الأردنيين بالقرب من الحدود السورية في هجومٍ إنتحاري تبناه تنظيم الدولة، إذ كانت هذه الحادثة أكبر هجومٍ إرهابي في تاريخ المملكة منذ أكثر من عقدٍ من الزمان. وفي ديسمبر، قُتل 10 أشخاص، بمن فيهم 4 متطرفين، خلال عمليةٍ لمكافحة الإرهاب في مدينة الكرك.

ومع مواصلة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” نشره للإرهاب، قد يضمن تحول استراتيجية التنظيم إطالة عمره للبقاء على قيد الحياة، إلا أنه بات يخسر أراضٍ سبق واحتلها.

جرائم الإرهاب دون تعريفٍ موحد

الهجمات الإرهابية في الشرق الأوسط حماس إرهابية
أنصار لحركة حماس الفلسطينية يحتجون ضد قرار محكمةٍ مصرية إعلان حماس منظمة “إرهابية”، غزة، فلسطين، مارس 2015. Photo REX features Ltd

مع تزايد العنف الإرهابي، لا يزال العالم منقسماً حول تعريفٍ قانونيٍ موّحد لما ينبغي اعتباره أعمالاً إرهابية. وفي حين أنّ هناك تعريفات متنوعة كما جاء في القوانين المحلية للدول المختلفة، وضعت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تعريفاً قانونياً دولياً فريداً من نوعه لهذا النوع من الجرائم.

الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة

على الرغم من عدة محاولاتٍ من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في العقود الأخيرة للتوصل إلى تعريفٍ نهائي موحدٍ ملزم لـ”الإرهاب،” إلا أنه لم يتم التوصل إلى إتفاقٍ بسبب إختلاف وجهات النظر، إلى حدٍ كبير، بين الدول الأعضاء. فعلى سبيل المثال، لم تلتقِ وجهات النظر بشأن ما إذا كان استخدام العنف من قبل الأنظمة لقمع حركات التمرد داخل أراضيها يمكن تعريفه بأنه “أعمالٌ إرهابية.” ولم يسبق للأمم المتحدة ولا لمجلس الأمن قط توجيه اتهاماتٍ مباشرة ضد أيٍ من الدول الأعضاء لإرتكابها جرائم “إرهابية” ضد شعبها. فقد توصلت القوانين الدولية، وبخاصة اتفاقيات جنيف الأربع ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إلى تعريفاتٍ لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، وجريمة “الاعتداء” (كما هو محدد من قِبل المحكمة الجنائية الدولية). ومع ذلك، فشلت هذه القوانين في معالجة تعريف الإرهاب كنوعٍ مختلفٍ من الجريمة التي لا تستهدف بالضرورة أعداداً كبيرة من الناس، على عكس الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية؛ وأنها لا ينبغي أن تندرج بالضرورة في إطار فئة الصراع المسلح، على عكس جرائم الحرب.

فقد مر ما يقرب من 80 عاماً منذ أول محاولةٍ للتوصل إلى تعريفٍ دولي لجرائم الإرهاب، عندما صاغت عصبة الأمم– المنظمة الدولية التي أنشئت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وحتى قبل إنشاء الأمم المتحدة- اتفاقية عام 1937 لمنع الإرهاب والمعاقبة عليه. ومع ذلك، لم يتم المصادقة عليها أبداً ولم تدخل حيز التنفيذ قط، ويرجع ذلك جزئياً بسبب الخلافات بين الدول الأعضاء على المواد المتعلقة بتسليم المجرمين. عرّفت الاتفاقية “الأعمال الإرهابية،” باعتبارها “الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولةٍ ما وتستهدف، أو يقصد بها، خلق حالة من الرعب في أذهان أشخاص معينين، أو مجموعة من الأشخاص، أو عامة الجمهور،” ويشتمل هذا على أي فعل متعمد يؤدي إلى أن يتوفى أو يصاب بأذى جسدي خطير أو يفقد حريته أي مــن رؤساء الدول أو الاشخاص الذين يتمتعون بامتيازات رؤساء الدول، أو ورثتهم، أو زوجاتهم أو أزواجهم، أو صنع أسلحة أو ذخائر أو متفجرات أو مواد ضارة، أو الحصول عليها أو حيازتها أو تزويدها، لغرض ارتكاب جريمة ضمن هذا النص وفي أي قطر.”

القرار رقم 210/51

في 17 ديسمبر 1996، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار رقم 210/51 لتشكيل لجنة خاصة لصياغة اتفاقية شاملة بشأن الإرهاب الدولي، وفقاً لاقتراحٍ قدمته الهند. تم تجديد ولاية اللجنة ومراجعتها كل عام ولمدة 21 عاماً من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، طبقاً لأجندات محددة. وفي 14 ديسمبر 2015، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار رقم 70/120، والذي أوصى بإنشاء مجموعة عمل لصياغة اتفاقية شاملة بشأن الإرهاب الدولي. ومع ذلك، وصلت النقاشات لطريقٍ مسدود، وذلك بسبب الخلافات المستمرة حول تعريف “الإرهاب” بين الدول الأعضاء التي انضمت إلى اللجنة وفريق العمل. فعلى سبيل المثال، لم تكن هذه المناقشات قادرةً حتى الآن على اتخاذ قرارٍ حول معايير مشتركة للتمييز بين “المنظمة الإرهابية” و”منظمة التحرير.” كما لم تكن المناقشات أيضاً قادرةً على التوافق على وجهة نظرٍ واحدة حول ما إذا كان ينبغي وصف الأفعال التي ترتكبها القوات العسكرية النظامية للدول ضد مواطنيها، بـ”الأعمال الإرهابية.” عوضاً على ذلك، وافقت المناقشات على الحدّ من التعريف المقترح للإرهاب بالأفعال المرتكبة من قِبل أفرادٍ يستهدفون الدولة، أو مؤسساتها، أو عامة الجمهور.

وعلى الرغم من هذه الإنقسامات بشأن تعريف الإرهاب، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1996 بأغلبية الأصوات على بيان إقرارٍ غير ملزمٍ للدول الأعضاء، بشأن “التدابير التي ينبغي اتخاذها للحدّ من أعمال الإرهاب الدولية،” معرفاً الأعمال الإرهابية باعتبارها تلك الأفعال التي “تهدف إلى نشر الذعر بين الناس ومجموعة معينة، وأفراد معينين لأغراض سياسية.” وفي عام 2004، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار رقم (1566)، الذي أدان الأعمال الإرهابية وأشار إليها بوصفها أعمال إجرامية “بما في ذلك تلك التي ترتكب ضد المدنيين بقصد إلحاق الموت بهم أو إصابتهم بإصابات جسمانية خطيرة، أو أخذ الرهائن بغرض إشاعة حالة من الرعب بين عامة الجمهور أو جماعة من الأشخاص أو أشخاص معينين، أو لتخويف جماعة من السكان، أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل ما أو عدم القيام به، التي تشكل جرائم في نطاق الاتفاقيات والبرتوكولات الدولية ذات الصلة بالإرهاب.” ومع ذلك، لا يزال هذا الإعلان غير ملزمٍ للدول الأعضاء بسبب عدم وجود قرار واضح من شأنه أن يشمل آلية التنفيذ وذلك بهدف اختزال الأنواع الدولية والمحلية لأعمال الإرهاب.

المحكمة الدولية الخاصة بلبنان

وفقاً للموقع الرسمي لـ”المحكمة الدولية الخاصة بلبنان،” المحكمة التي أنشئت بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005، تعتبر المحكمة الأولى من نوعها التي تتعامل مع الإرهاب كنوعٍ مختلفٍ من الجرائم، والذي يصفه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأنه “تهديدٌ للسلم والأمن الدوليين.” تطبق المحكمة تعريف القانون اللبناني على الإرهاب، باعتباره جميع الأفعال التي ترمي إلى إيجاد حالة ذعر، وترتكب بوسائل “كالأدوات المتفجرة والمواد الملتهبة والمنتجات السامة أو الحارقة والعوامل الوبائية أو الجرثومية، التي من شأنها أن تحدث خطراً عاماً.” ووفقاً لقرار غرفة الاستئناف في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في 16 فبراير 2011، قُدمت قائمة الوسائل المستخدمة في حالة الأعمال الإرهابية بالتفصيل لأغراض التوضيح. قضت الغرفة أنّ “الوسائل المستخدمة في هجوم لم تكن إثباتية في تحديد ما إذا كان الهجوم إرهابياً أو ببساطة جريمة قتل”- ولكن عملاً بذلك، وبموجب هذا القرار، عرّفت غرفة الاستئناف للمرة الأولى الإرهاب باعتباره جريمةً دولية.

وبالإنتقال إلى القرار المذكور آنفاً، قالت الغرفة أنّ المحكمة الخاصة بلبنان، وعلى عكس المحاكم الدولية الأخرى، تقتصر [في تعريف الإرهاب] على القواعد الموضوعية المنصوص عليها في القانون اللبناني لتعريف الجرائم. وأضافت الغرفة أن المحكمة ستطبق القانون اللبناني كما تفسره وتطبقه المحاكم اللبنانية، “ما لم يتبين أنّ هذا التفسير أو التطبيق غير معقول، أو أنه يمكن أن يؤدي إلى ظلم مبين، أو أنه لا يتوافق مع المبادىء والقواعد الدولية الملزِمة للبنان.”

ووفقاً لذلك، جاء أول تعريف قانوني لعناصر الجريمة الصادر عن محكمة دولية فيما يتعلق بالجرائم الإرهابية كما يلي:

“[الجريمة الإرهابية هي (أ) فعلٌ يُرتكب بقصد نشر الذعر، سواء يعتبر هذا الفعل جريمةً وفقاً لأحكام قانون العقوبات أم لا؛
[وهي كل فعل ينطوي على (ب) استخدام الأدوات المتفجرة والمواد الملتهبة والمنتجات السامة أو الحارقة والعوامل الوبائية أو الجرثومية.”
في الختام، وسّع قرار غرفة الاستئناف في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تعريف جرائم الإرهاب، والوسائل التي يتم سردها على وجه الحصر في القانون اللبناني على الإرهاب الصادر في 11 يناير عام 1958. ومع ذلك، فإن القائمة لا تشمل الهجمات التي ترتكب باستخدام الرشاشات والأسلحة الكيميائية أو البيولوجية.

التعريف الأمريكي لـ”الإرهاب”

ميّزت قوانين الولايات المتحدة الأمريكية بين جرائم “الإرهاب الدولي،” و”جرائم الإرهاب المحلي،” في الفصل (113 ب) من قانون الولايات المتحدة على النحو التالي:
“(1) يعني مصطلح “الإرهاب الدولي” الأنشطة التي-
(أ‌) تنطوي على أعمال عنفٍ أو أعمالٍ تشكل خطراً على حياة الإنسان والتي تشكل انتهاكاً للقوانين الجنائية للولايات المتحدة أو لأي دولة
(ب‌) يبدو أنها تهدف لترهيب أو إكراه السكان المدنيين، والتأثير على سياسة حكومة عن طريق الترهيب أو الإكراه؛ أو التأثير على سلوك الحكومة من خلال الدمار الشامل أو الاغتيال أو الاختطاف؛ والتي تحدث في المقام الأول خارج الصلاحية القضائية الإقليمية للولايات المتحدة؛ أو تتجاوز الحدود الوطنية من حيث الوسائل التي يتم استخدامها لإنجازها، والأشخاص الذين يبدو أنهم يهدفون للإكراه أو الترهيب، أو المكان الذي يستخدمه مرتكبي هذه الجرائم أو يطلبون اللجوء إليه.

(2) يعني مصطلح “الإرهاب المحلي” الأنشطة التي
(أ‌) تنطوي على أعمالٍ تشكل خطراً على حياة والتي تشكل انتهاكاً للقوانين الجنائية للولايات المتحدة أو لأي دولة؛
(ب‌) يبدو أنها تهدف لترهيب أو إكراه السكان المدنيين؛ والتأثير على سياسة حكومة عن طريق الترهيب أو الإكراه؛ أو التأثير على سلوك الحكومة من خلال الدمار الشامل أو الاغتيال أو الاختطاف؛ والتي تحدث في المقام الأول ضمن نطاق الاختصاص القضائي للولايات المتحدة.”

الإتحاد الأوروبي

من جانبه، عرّف الإتحاد الأوربي الجرائم الإرهابية في المادة الأولى من “قرار المجلس الإطاري بشأن مكافحة الإرهاب،” في 13 يونيو 2002 بأنها الأفعال التي “قد تلحق ضرراً جسيماً ببلدٍ ما أو بمنظمةٍ دولية، حيث ترتكب هذه الأفعال بهدف: تخويف المدنيين، أو إرغام دولة أو منظمة دولية إما على القيام بعمل ما، أو الامتناع عنه، إضافة إلى أعمال تعرض حياة الناس للخطر، وكذلك أعمال تؤدي إلى زعزعة أو تدمير البنية الاساسية السياسية، أو الدستورية، أو الاقتصادية، او الاجتماعية لدولة من الدول أو لمنظمة من المنظمات الدولية.”

وفي العالم العربي، تعزز الدول، كلٌ على حدته، قوانين مكافحة الإرهاب مع تزايد العنف المتطرف. فقد أدت التدابير الفضفاضة أكثر من أي وقتٍ مضى، إلى توسيع سلطات الحكومة وحدت على نحوٍ متزايد من الحريات المدنية.

قوائم “الإرهاب”

على الرغم من الافتقار إلى وجود تعريفِ محدد للإرهاب الدولي، أعدّت الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من الدول، قائمةً بالمنظمات “الإرهابية،” وفرضت عقوباتٍ إقتصادية وسياسية، فضلاً عن منعها المواطنين والمؤسسات في البلدان المعنية، وكذلك دول العالم الثالث، من التعامل الاقتصادي مع هذه المنظمات، عملاً بالاتفاقات الثنائية الأمنية والاقتصادية بين البلدين. كما اعتمد الإتحاد الأوروبي، إلى جانب بلدانٍ أخرى، قائمةً إضافية مستقلة عن قائمة الولايات المتحدة.

ومنذ عام 1997، ينشر مكتب مكافحة الإرهاب ومكافحة التطرف العنيف، التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، أسماء عشرات المنظمات التي توصف بـ”المنظمات الإرهابية،” في قائمةِ تضم أكثر من 60 منظمة حتى الآن. وتقع على رأس القائمة “منظمة أبو نضال،” التي تم تصنيفها كمنظمةٍ إرهابية في 8 أكتوبر 1997، في حين يتذيل “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام” القائمة، والذي تم إدراجه في 20 مايو 2016. كما تتضمن القائمة منظماتٍ مثل حماس وحزب الله، اللتان أدرجتا في 8 أكتوبر 1997، في حين وضعت جبهة النصرة على القائمة في 15 مايو 2014.

باختصار، يبدو أن العالم يتفق على أنّ الإرهاب جريمةٌ تتجاوز الأفراد وتهدف أساساً إلى نشر الذعر بين الناس وزعزعة استقرار الدول أو الأنظمة. كما أنّ هناك اتفاقاً عاماً بين البلدان بشأن حقيقة أنّ المنظمات الإرهابية تستخدم وسائل محددة تشكل خطراً على حياة الناس، بما في ذلك الخطف واستخدام أسلحةٍ غير مرخصة أو محظورة لارتكاب الجرائم أو لإحداث دمارٍ شامل. وفي الوقت نفسه، ينقسم العالم، وحكومات الدول على وجه الخصوص، حول الأطراف الذين ينبغي تحميلهم مسؤولية ارتكاب مثل هذه الجرائم، وعما إذا كان ينبغي تحميل رؤوساء الدول والحكام- وليس الأفراد فحسب- مسؤولية ارتكاب جرائم إرهابية في بلدانهم أو في الخارج.