لن يتعرض المعتقلون في لبنان، بعد اليوم، للتعذيب، وفقاً لقانونٍ أقره مجلس النواب في أواخر سبتمبر 2017، إذ بات يُجرّم تعديلٌ على المادة 401 من قانون العقوبات استخدام التعذيب لانتزاع الاعترافات. ومع ذلك، تقول منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية على حد سواء أن القانون لم يقطع شوطاً كافياً.
فقد جاءت خطوة لبنان الأولى نحو المزيد من التنظيم في أكتوبر 2016، عندما أقر البرلمان قانوناً لإنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، التي تضم لجنةً مستقلة للتحقيق في استخدام التعذيب وإصدار توصياتٍ لتحسين معاملة المحتجزين. وبعد أكثر من عام، لم يتم بعد تعيين أعضاء هذه اللجنة، مما حال دون تشغيلها الفعلي.
ومع ذلك، يُقصد من تعديل المادة 401 تكمله هذا القانون. ويأتي هذا بالرغم من حقيقة أن 72% من اللبنانيين يؤمنون أن التعذيب مبرر ضد المشتبه بهم بقضايا تتعلق بالإرهاب، وذلك وفقاً لدراسة أجراها مركز أبحاث بيو عام 2015 في 38 بلداً. ففي يوليو، اعتقل الجيش اللبناني حوالي 350 لاجىء سوري “يشتبه بكونهم إرهابيين” في بلدة عرسال الحدودية. وفي وقتٍ لاحق، توفي أربعة منهم في الحجز. كما تعرضت أيضاً ديالا شحادة، المحامية الممثلة لأسرهم، للتعقب والتهديد والتخويف من قِبل القوى الأمنية أثناء محاولتها تحديد أسباب وفاة الضحايا.
ادعت التقارير الرسمية أن العنف البدني لم يسبب وفاة المحتجزين، إلا أن منظمة هيومن رايتس ووتش اعترضت على ذلك في تقريرٍ نشر في 20 يوليو 2017 جاء فيه: “هناك أدلة إضافية تدعم روايات إساءة المعاملة والتعذيب أثناء الاعتقالات في عرسال ومراكز الاحتجاز العسكرية. قال شاهد في عرسال لـ هيومن رايتس ووتش إنه شاهد 34 معتقلاً سابقاً لديهم علامات على أيديهم وأرجلهم وظهورهم، وفي إحدى الحالات على رأس محتجز سابق. تحدثت هيومن رايتس ووتش مع 5 معتقلين سابقين، قالوا إنهم تعرضوا لسوء المعاملة والاعتداء البدني وحُرموا من الطعام والماء مع عدد من المعتقلين الآخرين خلال فترة تتراوح من 4 إلى 5 أيام من الاحتجاز دون تهمة قبل الإفراج عنهم.”
وبالتالي، يمكن القول إن إقرار قانونٍ مناسب قد تأخر كثيراً. ففي نهاية المطاف، خفف مُقترح قانون مناهضة التعذيب، الذي صاغه النائب غسان مخيبر في عام 2012 بمساعدة محامين حقوقيين ومنظمات حقوق الإنسان، إلى تعديلٍ على القانون بعد أن لطّف البرلمان النص.
أثار ذلك غضب نشطاء حقوق الإنسان الذين تمت استشارتهم حول مشروع القانون الأصلي. وقال سعد الدين شاتيلا، الناشط الحقوقي ومدير مكتب بيروت لمنظمة الكرامة لحقوق الانسان، لصحيفة الديلي ستار: “تم تعديل تعريف التعذيب والعقاب لقانون المشروع بشكلٍ سيء. استند تعريفنا الأصلي على [التعريف الذي تستخدمه لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب] والذي يتضمن أفعالاً تعرّف بأنها سوء معاملة. خفضّ هذا بشكلٍ كبير دون الإشارة إلى سوء المعاملة.”
وفي تقريرٍ لاحق نشر في 13 نوفمبر، ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن “القانون الجديد يحظر أي عذر أو تبرير للتعذيب ويمنع استخدام الشهادات المنتزعة تحت التعذيب كأدلة إلا ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب، ويوفر إجراءات خاصة للتحقيق في ادعاءات التعذيب وحماية الشهود. كما يؤمن إعادة التأهيل والتعويض على الضحايا، ولكنه لا يتضمن أي تفصيل أو توجيه لتنفيذ هذه الأحكام. ولا يجرّم المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ويحدد تعريف التعذيب في حالات التحقيق والاستجواب والتحقيق القضائي والمحكمة والعقاب.”
كما تعتمد العقوبات أيضاً على آثار التعذيب على الشخص، إذ تتراوح من سنة إلى 3 سنوات سجن للحالات التي لا تؤدي إلى أذى جسدي أو نفسي؛ ومن 3 إلى 7 سنوات إذا أدى إلى إعاقة مؤقتة أو أذى أو عطل جسدي أو عقلي؛ ومن 5 إلى 10 سنوات إذا كان العطل دائماً؛ ومن 10 إلى 20 سنة إذا أدى التعذيب إلى الموت.
وقال بسام خواجا، الباحث المتخصص في شؤون اللاجئين والكويت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش في لقاء مع فَنَك: “يعتبر هذا القانون خطوة كبيرة إلى الأمام فيما يتعلق بقدرة لبنان مقاضاة حالات التعذيب. ففي السابق، لم يمتلك لبنان قانوناً يجرّم انتزاع الاعترافات تحت التعذيب. يوسّع هذا القانون الجديد تعريف التعذيب، ويفرض عقوباتٍ أكثر صرامة تتراوح ما بين السجن من سنة إلى 20 سنة، ويضع أسس إجراءات التحقيق بالتعذيب. ومع ذلك، لا يمتثل القانون لإلتزامات لبنان الدولية، وينبغي على لبنان تعديل القانون ليعكس التعريف المعترف به دولياً للتعذيب.”
إلا أن المحامية ديالا شحادة كانت أقل تفاؤلاً، بحجة أن القانون “غير كافٍ ولا يغطي حقاً الفجوات المتعلقة بالحقوق الإجرائية للمشتبه بهم على مستوى الاستجواب الأولي.” وأضافت “ربما كان من الأفضل السماح لممثلي المشتبه بهم الحضور في هذا المستوى، سواء حصل ذلك في الأمن العام، أو الجيش، أو في مركزٍ للشرطة.”
وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه الحكم على القانون، إلا أنه وفقاً لخواجا: “يتمثل الاختبار الحقيقي فيما إذا كان المدعون العامون سيستخدمونه فعلاً لتحقيق العدالة لضحايا التعذيب. القانون بحد ذاته أداة جديدة، إلا أن الإفلات من العقاب على جرائم التعذيب متفشٍ في لبنان. لن يتغير هذا إلى أن يستخدم المدعون العامون بالفعل هذا القانون لملاحقة الإدعاءات الموثوقة بالتعذيب. كما يتضمن القانون أحكاماً غامضة إلا أنها ذات أهمية لحماية الشهود وإعادة تأهيل وتعويض الضحايا. وينبغي للقضاة الاستفادة من تلك الأحكام لحماية أولئك الذين يتقدمون للتحدث عن التعذيب.”