أثار اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر 2018 أثناء وجوده داخل القنصلية السعودية في اسطنبول العديد من ردود الفعل من المجتمع الدولي، خاصة فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، التي يشتبه في أن سلطاتها أمرت بقتله. وفي طليعة ردود الفعل هذه هي كيفية التعامل مع صفقات الأسلحة مع المملكة.
شهدت الأشهر التي أعقبت مقتل خاشقجي العديد من التصريحات التي أدلى بها زعماء دوليون بشأن الآثار المترتبة على مقتله، بما في ذلك صفقات الأسلحة الخاصة بتلك البلدان مع المملكة العربية السعودية. فمنذ مارس 2015، قادت المملكة تدخلاً عسكرياً في اليمن ضد قوات الحوثي، التي يعتقد السعوديون أنهم مدعومون عسكرياً من قبل القوة الشيعية الإقليمية، إيران، عدوهم اللدود للسيطرة على المنطقة. أدت الحرب على اليمن إلى كارثةٍ إنسانية حتمية استنكرتها المنظمات الدولية بشدة.
فقد سلطت قضية خاشقجي الضوء على صراعٍ، كان حتى ذلك الحين، يتم تجاهله إلى حدٍ كبير من قبل وسائل الإعلام والسياسة الدولية، ونتيجةً لذلك دفع الأمر بالقادة السياسيين في جميع أنحاء العالم لاتخاذ موقفٍ بشأن العديد من القضايا المتعلقة بالحرب، بما في ذلك حقيقة أن المملكة العربية السعودية تشتري الأسلحة من العديد من الدول الغربية – وهي الأسلحة نفسها المستخدمة حالياً ضد المدنيين في اليمن.
ومنذ ذلك الحين أعلنت كل من فنلندا والدنمارك وألمانيا عن قرارها بوقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية، حيث نوهت كل من ألمانيا والدنمارك إلى علاقة الأمر بمقتل خاشقجي، في حين قالت فنلندا في بيانٍ إن جزءاً كبيراً من قرارها يتعلق بالأزمة الإنسانية الجارية في اليمن. كما منعت ألمانيا 18 سعودياً متهماً بالتورط في قتل خاشقجي بالدخول إلى معظم أنحاء أوروبا. وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إن القرار تم تنسيقه عن كثب مع فرنسا، التي تعتبر جزءاً من منطقة شنغن، وبريطانيا، التي ليست كذلك، وأن دول الاتحاد الأوروبي الأخرى أعربت عن “دعمٍ كبير.”
فقد قال بنوا موراكيول، رئيس منظمة ASER، لنا في فَنَك، “حتى وإن كشفت قضية خاشقجي عن الطابع الحقيقي للقوة السعودية، فإن هذه المأساة لم تكن لتثير مسألة مبيعات الأسلحة إن لم يكن هناك أيضاً جرائم حرب يرتكبها التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات العربية المتحدة.” وقد أدرج موراكيول البلدان الأكثر التزاماً بالدعم العسكري لنظام ولي العهد محمد بن سلمان، وهي كندا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا، في حين أن الدول المعارضة حالياً لصفقات الأسلحة هي ألمانيا وفنلندا والنرويج وهولندا.
وحتى الآن، لم توقف الولايات المتحدة صفقات الأسلحة الخاصة بها مع السعودية، حيث قال الرئيس ترمب إن الولايات المتحدة لن تفرض عقوباتٍ على السعودية أو تغيّر علاقاتها التجارية أو الاستراتيجية مع المملكة. وأوضح ترمب أن القرار اتخذ على الأقل جزئياً بسبب معارضة المملكة العربية السعودية التاريخية لإيران، وكرّر إدعاء إسرائيل بأن إيران هي “الراعي الأول للإرهاب في العالم.” يكمن وراء هذه التعليقات قرار المملكة بتخفيض أسعار النفط، كما غرّد الرئيس، بعد ساعاتٍ من رفضه إدانة المملكة العربية السعودية لقتل خاشقجي، “أسعار النفط تنخفض، عظيم! مثل خفض الضرائب الكبيرة لأمريكا والعالم، استمتعوا بسعر 54 دولاراً للبرميل بعدما كان 82 دولاراً. شكراً للسعودية، لكن دعونا نخفضها أكثر”.
ومع ذلك، لا يتفق معه جميع المسؤولين الأمريكيين: ففي 28 نوفمبر 2018، صوت مجلس الشيوخ الأمريكي (الكونجرس) بـ63 صوتاً مقابل 37 لصالح قرارٍ بوقف الدعم الأمريكي للسعودية في اليمن. يمثل التصويت جهداً لم يسبق له مثيل لسلطة الكونجرس لوضع حدٍ لسياسة اليمن التي بدأت في ظل إدارة أوباما دون إذنٍ من الكونجرس.
ورداً على ذلك، أعرب تيموثي ليندركينج، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الخليج، أثناء تحدثه في منتدى أمني إماراتي استضافته أبو ظبي في 9 ديسمبر، عن قلقه إزاء تصويت مجلس الشيوخ، إذ قال “من الواضح أن هناك ضغوطاً من الداخل… إما بالانسحاب من الصراع أو وقف مساندتنا للتحالف… وهو ما نعارضه بشدة من جانب الإدارة الأميركية. نؤمن حقاً أن دعم التحالف ضروري. إذا أوقفنا دعمنا فإن ذلك سيبعث برسالة خاطئة.” كما أكد ترمب دعمه لولي العهد في 12 ديسمبر، فالمملكة العربية السعودية هي أكبر مشترٍ للأسلحة الأمريكية، على الرغم من أن القيمة الفعلية لمبيعات الأسلحة الأمريكية للرياض منذ تسلم ترمب منصبه بلغت 14,5 مليار دولار، وفقاً لتقريرٍ صادر عن مركز السياسة الداخلية، الأمر الذي يختلف بشكلٍ كبير عن ادعاء ترمب بأن مبيعات الدفاع للنظام السعودي تبلغ 110 مليارات دولار.
وبالمثل، لم توقف المملكة المتحدة ولا فرنسا صفقات الأسلحة مع المملكة العربية السعودية. وفيما يتعلق بالأولى، قال أندرو سميث، المتحدث باسم حملة مناهضة تجارة الأسلحة، “مع تفاقم الأزمة، وحتى بعد مقتل جمال خاشقجي، من الواضح أن داوننج ستريت تهتم أكثر بتأمين مبيعات الأسلحة من تعزيز حقوق الإنسان.” وفي معرض سؤاله حول ما إذا كانت باريس ستستجيب لدعوة برلين لتعليق مبيعات الأسلحة، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية، أوليفيه جوفين إن سياسة فرنسا بشأن الرقابة على مبيعات السلاح صارمة وتستند إلى تحليل كل حالة على حدة من قبل لجنة وزارية. ففي عام 2017 وحده، تمت الموافقة على تراخيص فرنسية بلغت قيمتها 14,7 مليار يورو للسعودية.
في حين قال لنا في فَنَك طوني فورتن من المنظمة الفرنسية، مرصد التسلح، “جرت مناقشات غاية في الأهمية، لا سيما في فرنسا وإسبانيا، بشأن مسألة بيع الأسلحة التي يمكن استخدامها ضد المدنيين.” وأضاف “بشكلٍ عام، هل يمكننا الاستمرار في تغذية الدول بالأسلحة في حالة الحرب؟ كما أنشأت بعض البلدان فروعاً في الخارج، على سبيل المثال، في أبو ظبي والرياض. تعتمد الدول الأوروبية على دول الخليج. على سبيل المثال، تصدر فرنسا 60% من أنظمتها الدفاعية إلى الشرق الأوسط وتعتبر المملكة العربية السعودية ثاني أكبر زبائنها بعد الهند. كما تقوم المملكة المتحدة بنقل الكفاءات إلى جانب التقنيات، لذلك فإن المملكة العربية السعودية والإمارات قادرتان على شن الحرب لامتلاكهما الموارد والكفاءات الأكثر تقدماً. وبالتالي، شاركت هذه الدول في الحرب على اليمن. إن المسؤولية الأوروبية واضحة للغاية ولا يريدون أن يتم الكشف عن مسؤوليتهم هذه في وسائل الإعلام.”
حدد فورتن حركتين للحد من التسلح: “هناك بندٌ بعدم بيع الأسلحة إلى البلدان في حالة الحرب، ولكن لا يوجد سلطة خارجية لفرض العقوبات، لذا فإن الجدل الدائر حالياً يتعلق بكيفية تحديد المسؤولية وتنفيذ القواعد باستخدام العقوبات، أي بعبارةٍ أخرى، كيفية جعل الدول تحترم القوانين الدولية. هذه هي الحركة قصيرة المدى. أما على المدى الطويل، هناك حركة متزايدة تطالب بمزيدٍ من الاحترام لحقوق الإنسان، إلا أن هذا الأمر سيستغرق من 20 إلى 30 عاماً من أجل التأثير العملي على القوانين الدولية والوطنية. ينبغي أن يكون المجتمع المدني قادراً على صون قضايا حقوق الإنسان في المناقشات العامة والسياسية.”
وفي الوقت الحالي، نجحت المنظمات الدولية والمجتمع المدني في جذب الانتباه والتعبئة الاجتماعية والسياسية حول الحرب في اليمن، لكن إلى متى يمكن أن يستمر هذا الزخم؟ في غضون ذلك، وبحسب موراكيول، “تحتاج جميع الدول، مثل الشركات، إلى الاعتناء بصورتها لجذب المستثمرين والاستعداد للمستقبل على المدى المتوسط والقصير؛ هذا هو الحال بالنسبة لمحمد بن سلمان أيضاً.”
إذا ما أوقفت المزيد من الدول صفقات الأسلحة مع السعودية والإمارات، قد يضطر التحالف الذي تقوده السعودية إلى وقف حربه على اليمن – وذلك على أقل تقدير، لحفظ ماء الوجه والحفاظ على شراكته السياسية والتجارية في جميع أنحاء العالم. بيد أن بعض الدول، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، تحتاج على ما يبدو إلى أكثر من أزمةٍ إنسانية وانتهاكاتٍ واضحة للقوانين الدولية، للاستجابة.