أعاد القتل الوحشي للناقد السعودي البارز وكاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست، جمال خاشقجي، في أكتوبر 2018، الزخم لقضية حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية إلى عناوين الأخبار. وعلى الرغم من حقبة التغيير التي تمت الإشادة بها علناً في ظل حكم الحاكم الفعلي للمملكة، ولي العهد محمد بن سلمان، لا تزال علاقة البلاد واحترامها لحقوق الإنسان معقدة.
السعوديون ليسوا سواسية
تُعرف المملكة العربية السعودية بأنها أكثر دول العالم فصلاً بين الجنسين، فضلاً عن كون القضايا الجنسانية نقطة الخلاف الرئيسية حول حقوق الإنسان. فقد تصدر القرار السعودي في يونيو 2018 برفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارات في البلاد عناوين الصحف الدولية، وتم الترحيب به باعتباره خطوةً كبيرة في الاتجاه الصحيح لصالح حقوق المرأة في السعودية. إلا أن هذه الاحتفالات كانت مبكرةً جداً، إذ تتواصل التقارير عن سلسلةٍ من الإنتهاكات، أكثرها وضوحاً قوانين وصاية الذكور، التي تربط مصير حياة المرأة بالرجل الرئيسي في حياتها- الذي عادةً ما يكون والدها أو زوجها، وفي بعض الحالات ابنها. يتمتع هذا الرجل بسلطةٍ على مجموعةٍ من القرارات الرئيسية في حياتها، منها على سبيل المثال لا الحصر، طلبها الحصول على جواز سفر، والزواج، أو حتى الخروج من السجن. وفي عام 2017، أمر الملك سلمان بالتخفيف من هذه القوانين لضمان وصول جميع النساء إلى الخدمات الحكومية، ولكن لم يحدث أي إصلاح أوسع نطاقاً من ذلك.
وفي مايو 2018، وقبل أسابيع فقط من رفع الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة، ألقت السلطات السعودية القبض على 10 ناشطاتٍ في مجال حقوق المرأة، اللواتي قد دشنّ في السابق حملاتٍ لإلغاء الحظر. فقد شكلت هذه الإعتقالات، فعلياً، نهاية حركة حقوق المرأة. كما اعتقلت امرأتان أيضاً في أغسطس الماضي، مما أثار مشادةً دبلوماسية مع كندا، أسفرت عن قيام الرياض بإصدار أوامر إلى جميع الطلاب المبتعثين في كندا بالعودة إلى الديار.
تعكس قضية سمر بدوي، وهي ناشطة حقوقية حاصلة على العديد من الجوائز في مجال حقوق الإنسان، مشكلة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية على نطاقٍ أوسع.
ففي السابق، تسبب عملها هذا في منعها من السفر إلى الخارج واحتجازها، كما ورد أن الشرطة استهدفتها بسبب صلاتها الوثيقة مع المدافعين البارزين الآخرين عن حقوق الإنسان، بمن فيهم زوجها السابق وليد أبو الخير، الذي يقضي حالياً حكماً بالسجن لمدة 15 عاماً بسبب نشاطه الحقوقي.
كما أن سمر بدوي هي شقيقة رائف بدوي، وهو مدون سعودي بارز وجد نفسه في دائرة الضوء الدولية عندما حكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات وبالجلد العلني بسبب آرائه الانتقادية للنظام. وعلاوة على ذلك، أصدرت المحاكم السعودية أحكاماً بالإعدام على العشرات من النشطاء الشيعة خلال السنوات الخمس الماضية. وفي أغسطس، أصدر أحد المدعين العامين حكماً بالإعدام على الناشطة الشيعية البالغة من العمر 29 عاماً، إسراء الغمغام، بتهمٍ تتعلق بجرائم بعيدة كل البعد عن العنف، بما فيها “تصوير الاحتجاجات ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي” و”محاولة إثارة الرأي العام.”
عقوباتٌ من الماضي
لا تزال العقوبات الجسدية، مثل الجلد والإعدام، سمةً من قانون العقوبات السعودي. ولا تزال السعودية واحدةً ممن أكثر الدول اعداماً لسجنائها في العالم، ويبدو أن الرغبة شبه معدومة لتغيير أقسى العقوبات في البلاد. ففي أول أربعة أشهرٍ فحسب من عام 2018 قامت المملكة العربية السعودية بقطع رؤوس حوالي 48 سجيناً في ما تصفه جماعات حقوق الإنسان بـ”نظام العدالة الجنائية غير العادل.” وتجدر الإشارة إلى أنه منذ وصول محمد بن سلمان، البالغ من العمر 33 عاماً، إلى السلطة ارتفع معدل عمليات الإعدام بشكلٍ كبير، مع توقع حدوث 200 عملية إعدام في عام 2018.
تمس الإنتهاكات جميع شرائح المجتمع على حد سواء. ففي سبتمبر 2017، قُبض على نحو 20 من رجال الدين والمثقفين، من بينهم مفكرون مسلمون بارزون، في ما يبدو أنه حملة قمعٍ ضد المعارضة. وشملت التهم الموجهة ضدهم ارتباطهم بعلاقاتٍ مع جماعة الإخوان المسلمين – تهمٌ تأتي في ظل تزايد التوترات بين السعودية وقطر، حليفة الإخوان المسلمين. وبعد حوالي عامٍ من الاحتجاز، وجد أحد هؤلاء المعتقلين، سلمان العودة، نفسه يواجه عقوبة الإعدام بعد أن تجرأ على استخدام نفوذه للسعي نحو تحقيق مصالحةٍ بين البلدين.
وفي نوفمبر 2017، بدأت لجنةٌ برئاسة محمد بن سلمان بإلقاء القبض واعتقال ما لا يقل عن 200 مسؤول، بمن فيهم رجال أعمالٍ وأمراء ووزراء من الحكومة، وسجنهم في فندق ريتز كارلتون في الرياض، الذي تم الاستيلاء عليه مؤقتاً. أجبر هؤلاء الأشخاص من أصحاب الثراء الفاحش، فيما يبدو ظاهرياً بأنه تحقيقٌ بشبهاتٍ تتعلق بالفساد، على التخلي عن مئات الملايين من الدولارات وتم إطلاق سراحهم في عمليةٍ أفيد أنها انطوت على انتهاكاتٍ جسدية. فقد تم نقل 17 مسؤولاً على الأقل إلى المستشفى بعد اعتقالهم وتوفي شخصٌ واحد على الأقل في الحجز. ولا زال العديد منهم رهن الاعتقال، بمن فيهم وزير الاقتصاد السابق، كما تم احتجاز بعض البعض منهم في سجن حائر، شديد الحراسة.
وفي هجومٍ مماثلٍ جديرٍ بالذكر على حقوق الإنسان، قام السعوديون في عام 2017 على ما يبدو باحتجاز رئيس الوزراء اللبناني (الموالي عادةً للرياض)، كرهينة بسبب تحركاته الأكثر استقلالية. وعلى الرغم من شح التفاصيل الدقيقة لما حصل، إلا أن هذه الحادثة العرضية تُسلط الضوء على مدى تطاول هذا النظام الجديد في الرياض.
وفي ظل حالةٍ من عدم الردع من قِبل المجتمع الدولي، ما عدا بعض نوبات الغضب الخطابي التي لا تُذكر، ازداد ازدراء المملكة العربية السعودية لحقوق الإنسان سوءاً. فقد جرّت التصرفات السافرة تصرفاتٍ أكثر جرأة، والتي بلغت ذروتها بعملية القتل المزعوم لجمال خاشقجي، الذي تُفيد التقارير أنه تم استجوابه وقتله وتقطيع أوصاله وإخراجه سراً من القنصلية السعودية في اسطنبول، تركيا، حيث كان يحاول الحصول على وثائق لإتمام زواجه المرتقب. ويبدو أن القنصلية تواطأت مع المخابرات السعودية لنصب فخٍ لخاشقجي عندما طُلب منه العودة إلى القنصلية. وحتى الآن، يعدّ هذا التصرف الأكثر إثارةٍ للقلق في مجال انتهاكات حقوق الإنسان، لما يحمله من جرأة. الوقت وحده كفيلٌ لنرى ما إذا كان هذا بداية انحدار دوامة الانتهاكات.
ثقافة الإنتهاكات
إن إخفاقات حقوق الإنسان أكثر تجذراً أيضاً في المجتمع السعودي، فحقوق مجتمع المثليين لا تكاد تذكر، حيث أن الأفعال الجنسية المثلية غير قانونية وفكرة تحقيق المساواة لهذا المجتمع تكاد تكون غائبة تماماً عن المجتمع السعودي. وعلى الرغم من الإصلاحات الأخيرة، لا تزال المملكة العربية السعودية مجتمعاً إسلامياً محافظاً للغاية، تربطه علاقاتٍ قوية بالوهابية، وهي واحدة من أكثر فروع الإسلام تشدداً. هذه المحافظة هي أيضاً سُنيّة بالكامل، إذ تواجه الأقلية الشيعية في البلاد (توجد بالدرجة الأولى في المحافظات الشرقية) تمييزاً منهجياً، بما في ذلك تهميشها اقتصادياً وملاحقتهم بسبب معتقداتهم. من جهةٍ أخرى، المسيحيون في البلاد قِلة ومنتشرون في المملكة، إلا أنه طالما اشتكى العمّال الأجانب المسيحيون من مواجهتهم عقباتٍ في تأدية عباداتهم، إذ تُحظر أماكن العبادة غير الإسلامية رسمياً في المملكة.
ومع ذلك، فإن واحدةً من أفظع الهجمات على حقوق الإنسان التي ترتكبها الرياض لا تحدث داخل الحدود السعودية. فالسعودية تقود الحرب ضد جماعة الحوثي المدعومة من إيران في اليمن، مما أسفر عن واحدةٍ من أكبر الكوارث الإنسانية في عصرنا.
فقد وصفت الحملة الجوية بقيادة السعودية، على نطاقٍ واسع، بأنها عشوائية، بالرغم من امتلاك الرياض لذخيرةٍ حديثة وذكية تحت تصرفها. فقد قتلت الحملة الجوية التي استهدفت، اسمياً، مقاتلي الحوثي أعداداً كبيرة من المدنيين. وخلص تحليلٌ لمشروع بيانات اليمن المستقل إلى أن حوالي ثلث الغارات الجوية البالغ عددها 18 ألفاً للتحالف السعودي في الفترة ما بين مارس 2015 وأبريل 2016 استهدفت مدنيين- وهو سببٌ كافٍ لوصف مثل هذه الهجمات بجرائم الحرب وفقاً لاتفاقية جنيف.
بالإضافة إلى ذلك، أدى المنع المنتظم لوصول المساعدات إلى المناطق الحوثية إلى إنتشار الجوع على نطاقٍ واسع في المراكز السكانية الرئيسية. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن القتال والحصار ترك 22 مليون شخص يكافحون لإيجاد قوت يومهم، حيث أن كبار السن والأطفال معرضين بشكلٍ خاص للخطر. تعتبر هذه الأرقام مثيرةً للقلق للغاية بالنظر إلى أن نصف سكان اليمن هم دون سن الثامنة عشرة.
أعداء حقوق الإنسان
أثبتت المملكة العربية السعودية أنها من ألد خصوم حقوق الإنسان، بالرغم من حملات العلاقات العامة لمحمد بن سلمان بإدعاء الإصلاحات. ويُجادل البعض أن المملكة العربية السعودية نجحت أيضاً في تدمير حقوق الإنسان في مجالات جديدة تماماً. ففي حيلةٍ دعائية ناجحة، منحت الرياض جنسيتها للروبوت، صوفيا. وعليه، يُشكك منح الجنسية – وبالتالي حقوقاً- لآلة في القيمة التي يضعها نظام المملكة العربية السعودية لحقوق الإنسان بالمجمل.