وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السعودية: لا تهاون في السياسات الوحشية ضد المعارضين

Saudi Arabia- MBS
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في العاصمة السعودية الرياض في 24 أكتوبر 2018. Photo AFP

تستمر قائمة الأشخاص الذين يواجهون عقوبة الإعدام في المملكة العربية السعودية في الازدياد. مرتجى قريريص قريع هو واحد منهم فقط، فقد اعتقلت السلطات السعودية الرجل البالغ من العمر 18 عاماً في عام 2014، عندما كان يبلغ من العمره 13 عاماً فحسب، لمشاركته في احتجاجات المنطقة الشرقية عام 2011 خلال الربيع العربي.

بعد أن قضى ما يقرب من أربع سنواتٍ في الاحتجاز التحفظي وحوالي 15 شهراً في الحبس الانفرادي، يحاكم حالياً في محكمة الإرهاب بتهمٍ تتعلق بالانتماء إلى منظمة إرهابية وارتكاب أعمال عنف، مثل إطلاق النار على قوات الأمن ورمي زجاجاتٍ حارقة على مركز للشرطة. كما أنه متهم بالسير في جنازة شقيقه، الذي قُتل على أيدي قوات الأمن أثناء مشاركته في مظاهرة.

يُعاقب على الاحتجاجات في المملكة العربية السعودية بموجب المرسوم الملكي 44 / أ، وهو أحد المراسيم التابعة لقانون جرائم الإرهاب لعام 2014 وتمويله. ومع ذلك، ينبغي قراءة قضية  قريريص في السياق الأوسع المتمثل في الملاحقة المنهجية للمسلمين الشيعة أمام المحكمة الجنائية المتخصصة لأسباب غامضة لمعارضتهم للحكومة، بما في ذلك النقد السلمي.

كما يواجه ثلاثة رجال دين سعوديين عقوبة الإعدام. ففي سبتمبر 2017، قُبض عليهم بتهمٍ تتعلق بالإرهاب بسبب صلاتهم بالعائلة الحاكمة في قطر ولارتباطهم بعلاقاتٍ مع الإخوان المسلمين، التي تُعتبر حركة إرهابية في المملكة العربية السعودية. يمكن إعدام سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري في أي لحظة، وفقاً لمصادر حكومية وأحد أقارب الرجال الذين قابلتهم صحيفة ميدل إيست أي.

فقد قالت مضاوي الرشيد، الخبيرة في المجتمع السعودي، لموقع دويتشه فيله الألماني أنه وفقاً لمعلوماتها، “لم تصدر المحاكم السعودية حكم الإعدام بعد. لكن المدعي العام يفكر بوضوح في عقوبة الإعدام.”

يُعرف رجال الدين الثلاثة، المعروفين في جميع أنحاء العالم العربي، بأنهم يحملون آراء “تقدمية” حول الإسلام.

يشتهر العودة بكونه مؤيداً لأحكام الشريعة الأكثر مرونة، أي الشريعة الإسلامية التي تحكم المملكة. فقد قال في عام 2016، إنه يعارض تجريم العلاقات الجنسية المثلية. وقبل إلقاء القبض عليه، وبينما كانت المملكة العربية السعودية في خضم أزمةٍ دبلوماسية مع قطر، قام بالتغريد لصالح التقارب بين البلدين.

أما العمري، وهو صحفي إذاعي، فقد دعا إلى شن حربٍ على الإسلام المتطرف وطالب بالمزيد من المساواة بين الجنسين، في حين أن القرني رجل دين وكاتب يعتبر “معتدلاً،” إذ كان الرجال الثلاثة مؤثرين للغاية على وسائل التواصل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، كان لدى العودة أكثر من 14 مليون متابع على تويتر.

وفي 23 أبريل، أعدمت الحكومة السعودية 37 شخصاً بتهمٍ تتعلق بالإرهاب، بما في ذلك “تبني أيديولوجيات إرهابية متطرفة.” تم عرض واحدة من الجثث على الأاقل على أحد الأعمدة بهدف “ردع” الجمهور.

إن موقف المملكة العربية السعودية من حقوق الإنسان متناقض بشكلٍ خاص. فمن ناحية، تظهر الرياض علامات الانفتاح المتزايد، ومن ناحيةٍ أخرى، تمارس السلطات بانتظام السلوك الوحشي، كما يتضح في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في أكتوبر عام 2018، وهو ناقدٌ للنظام، في القنصلية السعودية في اسطنبول. فقد امتدح المجتمع الدولي ولي العهد محمد بن سلمان (المعروف أيضاً باسم مبس) لرفع الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارات في يونيو 2018، ومع ذلك، شن ولي العهد حملة اعتقالاتٍ ضد الناشطات اللائي قدن الكفاح من أجل التمتع بالحق في قيادة السيارات وإلغاء نظام الوصاية الذكورية.

ووفقاً لثلاث شهاداتٍ جمعتها منظمة العفو الدولية، تعرضت النساء المعتقلات للتعذيب بالجلد والصعق بالكهرباء مراراً وتكراراً. فقد سردت إحدى الشهادات أن امرأة “تم تعليقها من السقف.” وذُكر أيضاً أن محققين “يرتدون أقنعةً للوجه” قاموا بالتحرش الجنسي بإحدى الناشطات.

وقالت إليزابيث مايرز، الأستاذة المقيمة في واشنطن العاصمة والمحررة في إنسايد أرابيا، للجزيرة إن القمع في المملكة العربية السعودية “قد ينجح على المدى القصير” ولكن على المدى الطويل قد “يخدم الغرض المعاكس بالضبط من خلال إثارة المزيد من المعارضة وزرع المزيد من الفتنة والانقسام في المجتمع.” وبحسب قوله، فإن الحملة على أي شكلٍ من أشكال الاحتجاج قد “تحفز حركة شعبية كما رأينا في الجزائر أو السودان.”

وفي ظل الإطاحة بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والاحتجاجات في السودان التي أدت إلى خلع عمر البشير، يخشى النظام السعودي ربيعاً عربياً آخر يمكن أن يقوض هيمنة العائلة المالكة.

في الوقت الراهن، تتغاضى الولايات المتحدة – واحدة من أكبر حلفاء المملكة العربية السعودية – عن استمرار السياسات الوحشية في المملكة. فقد أصدر الرئيس دونالد ترمب بياناً لدعم محمد بن سلمان في 20 نوفمبر 2018، معترفاً بإمكانية تورط ولي العهد في مقتل خاشقجي مع إعادة التأكيد على قوة العلاقة بين البلدين. ومع ذلك، فإن الرأي العام في الولايات المتحدة ينقلب ببطء ضد محمد بن سلمان مع استمرار التحالف الذي تقوده السعودية في حملته العسكرية في اليمن، كما كشف نطاق صفقات الأسلحة للولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية عن تورط الولايات المتحدة الحقيقي في الصراع.

كما تتصاعد الاحتجاجات في الدول الأخرى المتحالفة مع المملكة، وتشمل هذه المملكة المتحدة وفرنسا، حيث تحاول منظمات حقوق الإنسان والعديد من وسائل الإعلام والمواطنين مساءلة حكوماتهم عن بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية التي يُزعم أنها تستخدم لاستهداف المدنيين في اليمن.

بيد أنه بالرغم أن بعض الأصوات السعودية قد أصبحت أكثر صراحةً في معارضتها لخلافة محمد بن سلمان للعرش، إلا أنه ما زال يتمتع بشعبيةٍ كبيرة، ولا سيما بين الشباب. إن قطاع الترفيه الجديد، وبشكلٍ أعم، خطة الأمير لتنشيط الاقتصاد من خلال تحويل اعتماده على صادرات النفط، يساعد على تنصيبه “مصلحاً عصرياً” في عيون الشباب السعودي.

ومع ذلك، فإن هذه “الحداثة” تجميلية إلى حدٍ كبير، فقبل عامٍ من وفاة خاشقجي، سمح محمد بن سلمان بشن حملةٍ سرية تشمل المراقبة والخطف والاحتجاز والتعذيب لإسكات أي شكلٍ من أشكال المعارضة. لا ينطبق هذا فقط على المعارضين داخل المملكة ولكن أيضاً على النقاد الذين يعيشون في الخارج، حيث يتم ترحيل بعض من يخضعون للمراقبة قسراً من بلدانٍ عربية أخرى إلى المملكة.