وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مصر تواصل الحملة على مجتمع المثليين بدعمٍ شعبي

LGBT egypt
Photo: outinstockport / Flickr

تصاعد ما بدأ كحملةٍ إعلاميةٍ عنيفة بسبب التلويح بعلم قوس قزح خلال حفلٍ موسيقي أقيم في القاهرة في 22 سبتمبر 2017، ليتحول إلى حملةٍ ضد مجتمع المثليين في مصر واعتقال 16 رجلاً بتهم “الفجور.”

حُكم على المتهمين المثليين الـ16 بالسجن ثلاث سنوات في أواخر نوفمبر 2017، إلا أنه تم الإفراج عنهم في وقتٍ لاحق بكفالة في انتظار الاستئناف.

وتعتبر هذه الاعتقالات الأخيرة في سلسلة اعتقالاتٍ طالت آخرين بتهمٍ تتراوح ما بين “اعتياد ممارسة الفجور” إلى “الترويج للانحراف الجنسي” منذ حفل فرقة مشروع ليلى اللبنانية. ويتفاخر المغني الرئيسي بالفرقة، حامد سنو، بكونه مثلي الجنس، كما تم رفع علم قوس قزح، المرتبط بحقوق المثليين، لبرهةٍ قصيرة في الحفل.

التقطت وسائل الإعلام صوراً للعلم، وسرعان ما أطلق عليه “حفل المثليين،” حيث تحدث العديد من المعلقين عن مؤامرةٍ غربية لنشر المثلية الجنسية، التي يُنظر إليها حصراً باعتبارها ظاهرة غربية تدمر القيم المصرية.

وفي برنامجٍ حواري يحظى بشعية كبيرة، وصف متحدثٌ باسم نقابة الموسيقيين، وهي هيئة تمثل المهن الموسيقية، انتشار المثلية الجنسية بأنها تهديدٌ أكبر من تهديد الدولة الإسلامية. وفي برنامجٍ تلفزيوني آخر، طرد مقدم البرنامج أحد ضيوفه لدفاعه عن الملوحين بالعلم.

وقال أحد أفراد مجتمع المثليين في مصر لفَنك شريطة عدم الكشف عن اسمه “المجتمع بأكمله معادٍ للمثلية.”

ووفقاً للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية (EIPR)، صعدّت الشرطة منذ عام 2013 “من حملتها التي تستهدف أولئك الأشخاص الذين تختلف غريزتهم الجنسية أو ممارساتهم الجنسية، الفعلية أو المتصورة، عن تلك التي تعتبر معيارية في المجتمع المصري.”

وذكر تقرير المبادرة الذي نُشر في 22 نوفمبر 2017 أيضاً “ارتفاع المتوسط السنوي لعدد المقبوض عليهم والمُحالين إلى المحاكمة في مثل هذه القضايا منذ الربع الأخير لسنة 2013 إلى نحو خمسة أضعاف، مقارنة بسنوات طويلة سابقة.” ووصل عدد الذين ألقي القبض عليهم في الفترة ما بين سبتمبر 2013 وأبريل 2017 إلى 232 شخصاً.

ويورد التقرير تفاصيل الاستراتيجيات المختلفة التي تتبعها الإدارة العامة لحماية الآداب في وزارة الداخلية للقيام بعمليات الاعتقال، أولها، استخدام مواقع وتطبيقات المواعدة المخصصة للمثليين للإيقاع بالمثليين أو من يُظن بهم المثلية.

فقد توقف المثلي الذي قمنا بمقابلته عن استخدام تطبيق المواعدة لبعض الوقت بعد الحفل الموسيقي وبات يتوخى المزيد من الحذر، إذ قال “تصبح أكثر حرصاً عن تتحدث إلى أحدهم، أو عندما تلتقي به.” وأضاف “كما تشعر بالقلق على أصدقائك من المجتمع.”

أما الاستراتيجية الثانية التي ذكرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية هي ترحيل الأجانب الذين يُظن بهم المثلية؛ وثالثهما “خلق فضائح جنسية كبرى تحظى بتغطية إعلامية استثنائية.”

ففي عام 2014، على سبيل المثال، اقتحمت الشرطة حماماً في القاهرة، حيث زعم أن المثليين يجتمعون هناك، ترافقهم مقدمة البرامج منى العراقي وطاقمها، في ما أصبح يعرف باسم “قضية حمام رمسيس.” تم اعتقال العشرات، على الرغم من تبرئة جميع المدعى عليهم في نهاية المطاف.

ففي المجتمع المصري الديني والمحافظ للغاية، يعتبر الشذوذ الجنسي، على نطاقٍ واسع، معصيةً لله. ووفقاً لمركز أبحاث بيو، فإن 95% من المصريين يرفضون المثلية الجنسية.

ويدعم آسر عمار، وهو مهندس مصري في أوائل الأربعينيات من عمره، حملة الشرطة، إذ قال “لا أحب أن تنتشر هذه الأفكار والأيديولوجيات وأنماط الحياة وأن تصبح طبيعية في مصر،” مضيفا أن نشر المثلية “سيطبّع قبول هذه الأفكار التي تعارض المبادىء الدينية والقيم المجتمعية، مما سيؤثر سلباً على الأجيال الجديدة.”

وقد ساعدت التغطية الإعلامية المروجة للأخبار المثيرة لـ”فضائح” المثليين على إثارة المشاعر المعادية للمثليين، والتي تستخدمها الشرطة لصالحها. وقالت داليا عبد الحميد، رئيسة برنامج المساواة بين الجنسين في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لفنك: “يستفيدون من الرفض الاجتماعي [للمثلية الجنسية].” وأضافت “هناك نوع من الهيمنة الأخلاقية [في مصر].”

كما أخبرنا المثلي الذي أجرينا معه مقابلتنا أن الشرطة أيضاً استفادت من الأمر بطريقةٍ أخرى، إذ قال “إن القبض على المثليين وسيلةٌ للشرطة لتعزيز سمعتهم. إنها دعاية جيدة، فهذا يظهر أنهم أكثر رجولية.”

ففي قضية حمام رمسيس، شعر الناس إلى حدٍ ما بأن الشرطة تعدت على خصوصية المتواجدين في الحمام، الذين من المفترض أن يكونوا عراة، مما أدى إلى انتقاد الشرطة ومقدمة البرامج، منى العراقي، على وجه الخصوص. واعتبرت عبد الحميد أن مكان رفع علم قوس قزح “غير خاص” و”إعلانٌ عن الهوية،” مما أدى إلى “ضجة إعلامية ناجحة.”

ووفقاً للمثلي الذي أجرينا معه مقابلتنا، فإن موجة الاعتقالات الأخيرة يمكن تفسيرها باعتبارها فرصةً سانحة، إذ قال “[الحملة على المثليين] ورقة رابحة يمكن الزج بها في أي وقت تريده [الحكومة] لإبعاد أنظار الشعب عن المشاكل الكبيرة مثل ارتفاع التضخم والفشل الأمني،” في إشارةٍ منه إلى الهجمات الإرهابية الأخيرة.

تتفق معه عبد الحميد، إذ قالت “إن الاستراتيجية تنطوي على تشتيت الانتباه عن الأزمات الأخرى.” كما ترى أيضاً أنماطا مماثلة في قضايا أخرى تتضمن قضايا الأخلاق العامة، مثل القيام مؤخراً باعتقال مغنية بسبب فيديو غنائي تتضمن مشاهد جنسية صريحة، وإصدار حكم على مقدمة البرامج التي ناقشت قضية الأم العزباء في برنامجها. وأضافت عبد الحميد “لاحظنا أن [الدولة] تستخدم هذا النوع من القضايا الأخلاقية العامة وكأنها كبيرة وذات أهمية.”

وكثيراً ما ترتبط الأحكام الصادرة في مثل هذه القضايا بالفجور أو التعرض للأخلاق والآداب العامة أو الدعارة، ذلك أن القانون المصري لا يجرم الشذوذ الجنسي صراحةً.

ولربما يتغير هذا قريباً، ففي أعقاب حادثة التلويح بالعلم، اقترح 67 نائباً في البرلمان مشروع قانونٍ يحظر إقامة علاقات جنسية مثلية، وكذلك القيام بالترويج للمثلية الجنسية أو التحريض عليها أو عرض رموز أو شعارات لمجتمع المثليين، أو إنتاجها أو ترويجها أو بيعها أو تسويقها.

وقالت منظمة العفو الدولية فى بيانٍ لها “إذا ما أقر مشروع القانون، فسيفاقم من العزلة الاجتماعية والانتهاكات التي يتعرض لها الأشخاص بسبب ميولهم الجنسية الفعلية أو المتصورة.”

وعلى الرغم من أنّ المثلي الذي قابلناه يعتقد أن العديد من أولئك الذين اعتقلوا مؤخراً سيتم الإفراج عنهم بمجرد أن تختفي حدة التسليط الإعلامي على قضيتهم، إلا أنه غير متفائلٍ بالمستقبل. “بالنظر إلى العالم، نرى أن جميع البلدان تتقدم، أو تحاول التقدم على الأقل، المزيد من المساواة والإنصاف للأقليات. أما هنا، فنحن نتراجع.”

ومع ذلك، أخبرنا أنه يجد بعض العزاء في الأحداث الأخيرة، إذ قال “الأمور تتحرك على الأقل، وعندما تتراجع إلى الخلف، نمتلك فرصةً أكبر بالحصول على اللجوء في الخارج.”