وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

خسارة تنظيم الدولة الإسلامية للأراضي لا يعني زواله

وسائل تنظيم الدولة الإسلامية للبقاء على قيد الحياة بعد خسارة أراضيه

Extremesim- detained Islamic State fighters in Syria
أعضاء من تنظيم الدولة الإسلامية بعد أن تم احتجازهم من قبل هيئة تحرير الشام في إدلب، سوريا، 9 يوليو 2017. Photo AP

أعلن العراق في 10 يوليو 2017، انتصاره على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في الموصل، بعد هجومٍ امتد لعشرة أشهر قاده تحالفٌ يضم 100 ألف وحدة من وحدات الحكومة العراقية، ومقاتلي البيشمركة الكردية والميليشيات الشيعية بدعم جوهري، جوي وبري، من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. وفي 17 يوليو 2017، تعرضت الرقة في سوريا لقصفٍ عنيف من القوات التي تدعمها الولايات المتحدة، وفي 29 يوليو 2017، وصل الجيش السوري وحلفاؤه إلى مدينة السخنة، آخر مدينة يحتلها داعش بين تدمر ومدينة دير الزور المحاصرة.

فقد كانت هذه آخر ضربةٍ للجماعة الجهادية التي خسرت جميع أراضيها في ليبيا. ومع ذلك، فإن الجماعة لا تحتاج فعلاً إلى هذه الأراضي للبقاء على قيد الحياة. وكما قال الصحافي سيمون تيسدال في عمودٍ كتبه لصحيفة الجارديان، “إن الأخبار السارة من الموصل لا تشير إلى نهاية الدولة الإسلامية،” مضيفاً “قد يخسر الجهاديون قواعدهم الإقليمية، إلا أن أيديولوجياتهم المنحرفة لم تهزم، وستواصل الجماعة نشر أفكارها المحرضة على الكراهية عبر الإنترنت، ومن المرجح أن يواصل مقاتلوها شن حملة متمردة. والآن، بات من المرجح أن يكون لديهم دوافع إضافية لنقل المعركة إلى أرض “العدو،” وهذا يعني احتمال تزايد الهجمات على الأراضي الأوروبية في المستقبل.”

ففي أواخر يوليو 2017، أصدر الإنتربول قائمةً تضم أسماء 173 من الجهاديين في تنظيم داعش الذين يمكنهم تنفيذ هجمات ٍفي أوروبا. ومع ذلك، فإن أوروبا ليست الهدف الوحيد، حيث أعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجوم المميت على مقاتلين سوريين قرب الرقة في 2 يوليو 2017، والهجوم بسيارةٍ مفخخة في كابول، أفغانستان قبل ثلاثة أيام.

وقال مراسل شبيغل، كريستوف رويتر، في مقابلة مع Fanack أنه من المهم أن نتذكر أن داعش وجدت قبل وجود زعيمها أبو بكر البغدادي، الذي أعلن الخلافة في عام 2014، وكان بمقدورها السيطرة على الموصل بتروٍّ، على سبيل المثال من خلال المافيات أو السلوك المشابه لعصابات الإجرام، مما يجبر الشرطة على الطاعة باستخدام الرشوة والتهديدات. وأضاف “يستطيعون اليوم القيام بأمرٍ مماثل، التواري عن الأنظار وانتظار الفرصة المناسبة. إلا أنهم يحتاجون إلى مشغلين من الأشخاص المتعلمين والمدربين تدريباً جيداً، وقيادة متماسكة لتجنب قتال العصابات. ولا يمكنهم العمل في العلن كما فعلوا في عاميّ 2013 و2014. إلا أننا نعلم أنهم يتمتعون بالقدرة منذ حوالي عام 2010 على التحول من جماعةٍ تنتزع الأراضي إلى جماعةٍ تحافظ على شبكةٍ سرية تظهر مرةً أخرى. فقد كان بإمكانهم الإنتظار لمثل هذه الفرصة لإعادة الظهور، ربما بشكلٍ مختلف، ولربما أقل تديناً على سبيل المثال، إلا أننا لا نعرف إذا ما كان هناك أي قائدٍ على قيد الحياة قادر على أن يحل محل القائد السابق. فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، كانوا يعملون في العلن، ولا يمكننا الحكم على المستقبل استناداً إلى هذا فحسب، متجاهلين مراحلهم الناجحة جداً كحركةٍ سرية.”

وفي نهاية يونيو 2017، قدّر مسؤولون عراقيون أن حوالي 7 آلاف من المقاتلين التابعين لداعش لا يزالون في العراق. وفي تحليلٍ لصحيفة الجارديان، كتب رانج علاء الدين “لا يزال التنظيم الجهادي يُسيطر على مناطق استراتيجية هامة، وإن كانت أصغر، في مناطق مثل الحويجة وتلعفر، وسيواصل التمتع بالبنية التحتية التي ستسمح له بمواصلة شن هجمات إرهابية في البلاد. وليكون تحرير الموصل ذو أهمية، سيتعين على الحكومة العراقية الآن مواجهة التحدي الأكثر صعوبة على المدى الطويل والمتمثل في مواجهة الجماعات المسلحة من خلال إعادة إعمار البلاد والتوفيق بين مجتمعاتها وفصائلها السياسية.”

وفي ليبيا أيضاً، أضاف رويتر، “لا أحد يُسيطر على الجنوب لذا يمكن أن يتواجد تنظيم داعش في أي مكان، ينتظر ويختبىء. هذا ليس تعريفنا للنصر.”

وفي سوريا، باستثناء الرقة، التي يدافع عنها داعش بقناصة على درجة عالية من المهارة والكمائن المتعددة، فمن الضروري أن نأخذ بعين الاعتبار مكاناً مهماً، ألا وهو وادي الفرات، سيما ما بين دير الزور والبوكمال، كما يقول رويتر. ويتابع “يمتاز الوادي باكتظاظه وقربه من الصحراء، حيث يمكن لمقاتلي [داعش] الاختباء في كلا المنطقتين إذا ما امتلك وسائل النقل اللازمة، مع وصول قوات التحالف عن طريق البر. وسيكون من الصعب الاستيلاء على هذه المنطقة، خاصة أنها تقع بين مناطق نفوذٍ لروسيا والنظام من جهة، وبين حزب العمال الكردستاني والأمريكيين من جهةٍ أخرى. فعندما تتصل الصحراء بأرضٍ خصبة ومكتظة بالسكان، تصعب السيطرة عليها.”

وبالنسبة للصحفي، فإن السبيل الوحيد لتخليص سوريا من داعش بشكلٍ دائم هو المصالحة الوطنية. ويقول بهذا الشأن “هناك تجزؤ مستمر في سوريا، مع انخراط العديد من الجهات الفاعلة، والقوى والأجندات، والتي سوف تسمح دائماً لـ[داعش] بالإختباء والتصرف كلما أمكن ذلك، وخاصة في المناطق المتنازع عليها. وفيما يخص الأسد، فقد كان داعش عدواً مفيداً جداً لإعادة تأهيل منصبه على الصعيد الدولي، إلا أنه اليوم ضعيفٌ جداً لاستعادة البلاد بأكملها.”

أمرٌ واحدٌ مؤكد: يمتلك تنظيم داعش الوقت والفرصة الملائمة للاختباء، والإنتظام من جديد ولربما إعادة تشكيل التنظيم، الذي لم يعد يعتمد على السيطرة الإقليمية ولكن على استراتيجيةٍ جديدة، غير معروفة حتى الآن.