تسبب رفع علم المثليين (علم قوس قزح) لبرهةٍ قصيرة في حفلٍ لموسيقى الروك في إحدى ضواحي القاهرة الغنية في 22 سبتمبر 2017 بصدمةٍ في المجتمع المصري وسط مخاوف من مؤامرةٍ غربية لنشر المثلية في البلاد. فقد كان الحفل لفرقة مشروع ليلي، وهي فرقة روك لبنانية تسعى إلى تحدي المحرمات الاجتماعية في المجتمعات العربية، والمعروفة بكون مغنيها الرئيسي مثلي الجنس.
فقد أعقب العرض العلني النادر الداعم لحقوق المثليين دعواتٍ في وسائل الإعلام للحكومة والسلطات الدينية لإنقاذ المجتمع الذي يقبع على شفا هاويةٍ أخلاقية خطيرة من خلال سنّ قانونٍ ضد المثلية أو التذرع بالدين لإدانة الشواذ، وهو مصطلحٌ احتقاري يُستخدم لوصف المثليين في مصر وغيرها من المجتمعات الناطقة باللغة العربية.
فمن جهته، لا يحظر قانون العقوبات المصري، صراحةً، العلاقات بين المثليين جنسياً، إلا أنه يتم توجيه تهم لأولئك المشتبه بإقامتهم مثل هذه العلاقات بموجب قانونٍ يحظر “الفجور” و”السلوك غير الأخلاقي.” وكحال الجماعات المسيحية المحافظة في أوروبا الغربية وأمريكا، يعتبر الإسلام والكنيسة المسيحية القبطية العلاقات مثلية الجنس مرضاً قابلاً للشفاء في أحسن الأحوال، أو فاحشةً في أسوأ الأحوال.
برفع العلم في الحفل، ويجري استجوابهما بشأن تفضيلاتهما الجنسية. وفي الأسابيع التي تلت ذلك، بلغ عدد الذين ألقي القبض عليهم للاشتباه بكونهم مثليي الجنس 33 شخصاً.
وعليه، احتجزت الشرطة اثنين من المتهمين فقد تم اعتقال البعض منهم بمداهماتٍ عشوائية من مقهى في وسط القاهرة، الذين عاملتهم الشرطة بخشونة قبل اعتقالهم. وكما هو الحال في الحملات السابقة، من المتوقع أن يخضعوا لفحوصاتٍ شرجية لتحديد ما إذا مارسوا الجنس المثليّ أم لا- وهي ممارسة شائعة تم إدانتها بشكلٍ صارم من قبل منظمة العفو الدولية ومجموعات حقوقية أخرى في جميع أنحاء العالم.
وقالت نجية بونيم، مدير الحملات في شمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية لرويترز أنّ “الفحوص الشرجية القسرية بغيضة… تمتلك السلطات المصرية سجلاً مروعاً لاستخدام الاختبارات الجسدية التي تصل إلى حد التعذيب ضد المحتجزين لديها. ويجب وقف جميع الخطط لتنفيذ مثل هذه التجارب على هؤلاء الرجال على الفور.”
وبمجرد انتشار أخبار الحادثة على الملأ، أصبحت وسائل الإعلام المصرية تتبارى فيما بينها للإعراب عن سخطها واشمئزازها. ووصف أحد مضيفي البرامج الحوارية المشهورين والمعروف بعلاقاته الوثيقة بالشرطة الأمر بقضية أمنٍ وطني، ذلك أنه ادعى أن دعوة فرقةٍ معروفةٍ بتأييدها للمثلية جزءٌ من مؤامرةٍ لتقويض الدولة والمجتمع المصري.
وفي برنامجٍ حواريّ آخر، يحمل عنوان “صح النوم،” تم استجواب شابٍ – يجلس خلف ستارٍ لإخفاء هويته كمثليّ سابق أعلن “توبته”- من قِبل ضيوف الحلقة في محاولةٍ لكشف مؤامرة المنظمات الأجنبية التي تدعم المثليين في مصر. تحوّل البرنامج إلى حرب صراخٍ بين المضيف وضيوفه الذين كانوا يتبارون فيما بينهم للتعبير عن غضبهم واشمئزازهم من المثلية الجنسية ومخاطرها، مطالبين الحكومة باجتثاث هذه المصيبة.
بل حتى أن صحيفة الشروق المعتدلة واكبت وسائل الإعلام المروجة للأخبار المثيرة. فقد كتب المحرر عماد الدين حسين مقاله اليومي بعنوان “كيف نتعامل مع مشكلة المثليين؟” إذ قال “إن ما حدث [في الحفل] كارثي بكل المقاييس، ويكشف عن استفحال ظاهرة المثليين جنسياً أو الشذوذ وينبغى مواجهتها بصورة حادة.” بيد أنه حذر من سجن المشتبه بهم لأن ذلك لن يحل المشكلة، وكما يقول ” إن المثلي، أو بتعبير أدق «الشاذ»، شخصٌ مريضٌ نفسياً ومنحرف سلوكياً وينبغي علاجه حتى يعود إنساناً طبيعياً.” وقال إن المثلية الجنسية وباءٌ أكثر انتشاراً في الخارج منه في مصر بسبب منظومة القيم الدينية الرادعة في البلاد، وحث الآباء والمدارس على مراقبة ما يشاهده الأطفال على الإنترنت لدرء الخطر.
وبالإضافة إلى ذلك، أصدرت الهيئة الجديدة التي حلت محل وزارة الإعلام سيئة السمعة قراراً بحظر الترويج لشعارات المثليين أو نشرها، مشددةً على أن “المثلية مرض وعار يحسن التستر عليه لا الترويج لإشاعته؛ وذلك إلى أن يتم علاجه والتخلص من عاره… وأن الترويج لهذه الشعارات هو إفساد للمجتمع ينبغي أن يلقى القائم به جزاءه.”
وقد سلط النقاد الضوء على هذا التناقض بين رد الفعل الجنوني على مسألةٍ تعدّ من الخصوصيات وانعدام الغضب تجاه القضايا العامة الخطيرة مثل الفقر المدقع أو الفساد المتفشي، أو التعذيب أو اساءة استعمال السلطة، على الرغم من أن جميع هذه العلل غير قانونية ولا تمت للإسلام بصلة.
حقيقة الأمر هي أن مصر أصبحت أكثر تعصباً سياسياً، واجتماعياً، وثقافياً منذ ثورة عام 2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك وفشلت في إنتاج نظامٍ سياسي أكثر ديمقراطية. فعلى سبيل المثال، يقضي روائي شاب، في الوقت الحالي، عقوبته خلف القضبان بتهمة “الإساءة للآداب العامة،” لوصفه الصريح لعلاقةٍ مثلية جنسية في روايته.
وعلاوة على ذلك، أصبحت الثقافة المحافظة في مصر أكثر تحفظاً في ظل الفكر الإسلامي الذي تسرب إلى جميع طبقات المجتمع، وهو اتجاهٌ تفاقم بسبب تأثير الاسلام الوهابي (السعودي) في جميع أنحاء المنطقة. ومع ذلك، لربما كان هناك بصيص أملٍ صغير لمجتمع المثليين في الشرق الأوسط، فبدلاً من مصطلح “الشواذ” الاحتقاري، بات اليوم مصطلح المثليين، الأكثر تحرراً من القيم، أكثر انتشاراً، حتى في الإعلام العدائي.