بعد ما يقرب من ثلاث سنوات على تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم بعد إطاحته بسلفه، زعيم الإخوان المسلمين، محمد مرسي، في أعقاب إنقلابٍ عسكري في الثالث من يوليو 2013، لا يزال الوضع الأمني في البلاد العربية الأعلى كثافةً سكانية هشاً. وفي حين أن عدد الهجمات الإرهابية قد انخفض بشكلٍ عام في العاصمة القاهرة والمدن الرئيسية الأخرى، وفقاً لأرقام وزارة الداخلية والتصريحات التي أدلى بها السيسي في أبريل 2016، إلا أن الوضع الأمني لا يزال بعيداً كل البعد عن الاستقرار.
التحدي الأكبر الذي يواجه نظام السيسي هو الصراع في شبه جزيرة سيناء، التي كانت ساحة قتالٍ لسنواتٍ عدة. فقد توصل الجيش المصري إلى تفاهماتٍ مع إسرائيل، ليُسمح لأعداد أكبر من القوات المسلحة بالتحرك وحمل الأسلحة من تلك التي تنص عليها اتفاقات كامب ديفيد الموقعة عام 1979. ومنذ يوليو 2015، تقوم الطائرات المقاتلة المصرية وطائرات الأباتشي، كجزءٍ من عملية حق الشهيد والقصاص، بقصف الإرهابيين على أساسٍ يومي تقريباً، بما في ذلك مواقع تنظيم ولاية سيناء المزعوم، التنظيم الذي بايع الدولة الإسلامية في عام 2014.
كانت شمال سيناء منطقة مغلقة إلى حدٍ كبير منذ عام 2013، ولم يكن يُسمح للصحفيين المستقلين بتغطية الأخبار هناك، مما جعل الجيش مصدر المعلومات الوحيد. وفي أغسطس 2015، أصدر السيسي قانون مكافحة الإرهاب الجديد الذي يغرّم الصحافيين غراماتٍ تصل إلى 50,000 دولار في حال أوردوا أي معلوماتٍ تناقض التصريحات الرسمية عن الحوادث المتعلقة بالإرهاب. وفي الوقت نفسه، اشتكى سكان سيناء من الاعتقالات التعسفية في إطار عمليات مكافحة التمرد، كما تم هدم مئات المنازل على طول الحدود مع قطاع غزة دون تعويضٍ مناسب، وأيضاً قُتل العديد من المدنيين “عن طريق الخطأ” في تبادل لإطلاق النار بين الجيش والإرهابيين المشتبه بهم.
وبالرغم من هذه المواجهات الجارية، يواصل الارهابيون المشتبه بهم في سيناء إستهداف نقاط التفتيش ومركبات الجيش والشرطة، حيث يستخدمون عادةً القنابل المزروعة على الطرقات. وبينما تدعي وسائل الإعلام الموالية للحكومة، في كثير من الأحيان، أن
حماس قدمت مساعدات للمجاهدين سيناء، إلا أن الجماعة الإسلامية الفلسطينية نفت هذا الاتهام جملةً وتفصيلاً، فقد زار وفدٌ من حماس مصر في مارس 2016 لتقديم ضمانات بأن هذا التعاون ليس له أي أساسٍ من الصحة.
ومع ذلك، لا يقتصر العنف على سيناء، فقد أعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن إسقاط الطائرة الروسية بعد فترة وجيزة من إقلاعها من شرم الشيخ في 31 أكتوبر 2015، مما أسفر عن مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 224. دفع الحادث المأساوي كلاً من روسيا وبريطانيا إلى تعليق جميع رحلاتهم الجوية إلى المنتجع المصري الشهير، مما وجه ضربة قوية للقطاع السياحي وخسارة الآلاف من فرص العمل.
كما خطف مواطن مصري لوحده طائرة تابعةً لخطوط مصر للطيران في رحلتها القادمة من القاهرة إلى الاسكندرية في 29 مارس 2016، مجبراً الطيار بالتوجه إلى قبرص بعد أن زعم أنه يرتدي حزاماً ناسفاً. وعلى الرغم مما اتضح أنّ الرجل لم تكن لديه أي دوافع عنيفة، إذ كان يريد فقط رؤية طليقته التي كانت تعيش على الجزيرة، إلا أنّ الحادثة أضيفت إلى قائمة المصائب التي يواجهها القطاع السياحي المصري.
وفي 19 مايو 2016، اختفت رحلة أخرى تابعة لمصر للطيران كانت متجهةً من باريس إلى القاهرة وعثر على حطامها في البحر الأبيض المتوسط، دون أي ناجين من بين ركابها وأفراد طاقمها الـ66. وفي حين أن الرحلة أقلعت من فرنسا، بدد احتمالية أن عملا إرهابياً وراء الحادثة المأساوية أي أمل بأن قطاع السياحة في مصر سيتعافى في أي وقتٍ قريب.
كما سبب اختفاء طالب الدكتوراة الإيطالي، جوليو ريجيني، في 25 يناير 2016، واكتشاف جثته بعد تعرضه لتعذيبٍ وحشي بعد تسعة أيامٍ على اختفائه، إحراجاً آخر كبير بالنسبة للمسؤولين الأمنيين المصريين. بل أكثر من ذلك بالنظر إلى أن رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، كان أحد أوائل المسؤولين الأوروبيين تأييداً للسيسي كشريك استراتيجي. فقد تجنبت معظم الدول الغربية إلى حدٍ كبير الرئيس المصري، واصفةً الإطاحة بمرسي بـ”الانقلاب العسكري.”
ومما أدى إلى تفاقم الوضع أكثر فأكثر، تضارب روايات المسؤولين الأمنيين في محاولةٍ لتفسير اختفاء ريجيني وموته.
كما سلطت وسائل الإعلام الموالية للحكومة الضوء على شهادة زور من قبل أحد شهود العيان المزعومين، الذي ادعى انه رأى ريجيني يتجادل مع أحد زملائه الايطاليين قرب القنصلية الايطالية في وسط القاهرة. رفضت النيابة المصرية في وقتٍ لاحق شهادته وذكرت أنه سيتم توجيه اتهامات ضد الشاهد.
وصرحت وزارة الداخلية المصرية أن الشرطة تمكنت من التعرف على خمسة من المشتبه بهم الذين يُزعم تورطهم بمقتل ريجيني، وأنهم قاموا بتشكيل عصابة انتحلت صفة رجال أمن من أجل سرقة الأجانب، حيث قُتل جميع المشتبه بهم الخمسة في تبادل لاطلاق النار مع الشرطة. ومع ذلك، رفضت الحكومة الإيطالية تصديق الرواية المصرية. وبعد توجه وفد من النيابة العامة المصرية والمسؤولين الأمنيين إلى إيطاليا في مطلع أبريل 2016 لتقديم نتائج التحقيق، اتهمت الحكومة الإيطالية نظيرتها المصرية بحجب معلومات هامة، واستدعت سفيرها من القاهرة لمناقشة القضية.
وبدلاً من السعي إلى تقديم تفسيرات واضحة حول مقتل الطالب الإيطالي، لام السيسي وسائل التواصل الاجتماعي ونشطاء المعارضة المصريين. وقال السيسي في خطاب ألقاه في 13 أبريل 2016 أن هؤلاء النشطاء، الذين يدعون أن مسؤولين أمنيين مصريين شاركوا في التعذيب وغيرها من الممارسات اللا إنسانية الأخرى على مدى السنوات الثلاث الماضية، كانوا السبب الرئيسي وراء شك إيطاليا بأن الأمن المصري وراء مقتل ريجيني. كما ذكّر بأنّ الحفاظ على الأمن يُمثل أولوية أكبر من حقوق الإنسان، مستشهداً بتفكك العديد من الدول العربية المجاورة مثل سوريا وليبيا والعراق واليمن.
وبعد تنامي المعارضة الداخلية بسبب أسلوبه أحادي الجانب في صنع القرار وقيادته، اختار السيسي اعتقال المعارضين واضعاً المزيد من القيود على حرية الصحافة. ولا يوجد سجلٌ رسمي لعدد السجناء المعتقلين لأسباب سياسية، إلا أن منظمة هيومن رايتس ووتش نقلت عن مصادر أن الرقم وصل إلى 40,000 بين مايو 2015 ومايو 2016. وقالت مصادر حكومية أنه اعتقل ما يقرب من نصف هذا العدد، أي 22,000، في عام 2014، حيث قال مدحت الزاهد، القائم بأعمال رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، في مقابلة مع Fanack، أن “[السيسي] يُفاقم الوضع سوءاً،” وأضاف “نحن ندرك جميعاً أن مصر تواجه العديد من المخاطر، فضلاً عن الوضع الإقليمي
المتفجر. لكن اعتقال المعارضين وقمع الحريات الأساسية سيخلق المزيد من المشاكل فحسب، ولن يساعد في تحسين الوضع الأمني.”