وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سجل حقوق الإنسان في عُمان: ارتفاع وتيرة التضييق والملاحقة بعد أحداث الربيع العربي

اعتصام عماني يعتصم في مسقط في 1 مارس 2011(Photo by MOHAMMED MAHJOUB / AFP)

لا يختلف وضع الحريات وحقوق الإنسان في عُمان كثيراً عن الحال في العالم العربي، فالدول العربية لا تشترك في أمر قدر اشتراكها في التضييق على هامش الحريات ومصادرة الحقوق و ملاحقة الناشطين الحقوقيين والسياسيين.

التقارير الدولية المعنية بتوثيق ومراقبة أوضاع الحريات وحقوق الإنسان حول العالم تُصنف الدول العربية في آخر قائمة الدول التي تحترم الحقوق والحريات. ففي تقرير مؤسسة بيت الحرية Freedom House لوضع الحريات حول العالم للعام 2015 حافظت الدول العربية على وضعها المعتاد في خانة الدول غير الحرة باستثناء تونس التي انتقلت إلى خانة الدول الحرة.

في التقرير ذاته نجد أن الوضع في عُمان لم يشهد أي تحسن على مدى السنوات العشر الماضية حيث استمرت السلطات في ملاحقة نشطاء حقوق الإنسان واعتقالهم وفي التضييق على حرية التعبير.

أما منظمة مراسلون بلاحدود المعنية بالدفاع عن حرية الصحافة حول العام فقد صنفت عُمان في المرتبة 127 ( ضمن 180 دولة) تضمنها تقرير المنظمة للعام 2015 ، وهو التصنيف الذي يضع هذا البلد العربي الخليجي ضمن البلدان التي لا تتمتع فيها الصحافة بأي هامش للحرية.

منظمة العفو الدولية وجهت، في تقريرها السنوي لأوضاع الحريات حول العالم والذي غطى العام 2014/2015 ، انتقادات لسلطنة عُمان تتعلق بقانون الجنسية العماني الجديد الذي صدر في شهر اغسطس/آب 2014 2015 والذي نُظر إليه بوصفه سلاحا جديدا قد تستخدمه الحكومة لمعاقبة معارضيها السياسيين بسحب الجنسية عنهم، حيث نص القانون على أن “تسقط الجنسية العمانية عن المعتنقين لأفكار (مضرة) والمحكومين في قضايا تمس أمن الدولة، كما شمل اجراء السحب الرافضين لتلبية مطالب الحكومة بالتوقف عن العمل لحساب دول اجنبية او العمل لصالح دول معادية”. وكانت الإمارات والكويت والبحرين قد سبقت عُمان في إصدار قوانين مشابهة.

بعيداً عن تقارير المنظمات الدولية، التي طالما نُظر إليها محلياً باعتبارها أدوات غربية لا تراعي خصوصيات الثقافة العربية الإسلامية ولا معايير العمل المحلي، تنتقد منظمات حقوقية عربية ممارسات السلطات العُمانية ضد ما يوصف بانتهكات حقوق الإنسان المستمرة. المنظمة العربية لمعلومات حقوق الإنسان انتقدت اعتقال سلطات الأمن في عُمان ناشط الانترنت حسن البشام بتهم تتعلق بـ”إهانة السلطان” و”النيل من هيبة الدولة”.

مركز الخليج لحقوق الإنسان اتهم في تقرير له سلطات الأمن في عُمان باستهداف حركة حقوق الإنسان في هذا البلد وبصورة منظمة، بهدف تفكيك وإنهاء هذه الحركة، عبر سياسة ممنهجة يتم من خلالها التضييق على نشطاء حقوق الإنسان وملاحقتهم واعتقالهم. في هذا السياق أشار تقرير المركز إلى استدعاء سلطات الأمن للمدافع عن حقوق الإنسان، إسماعيل المقبالي، يوم 23 آب/أغسطس 2015 ومن ثم احتجازه بعيدا عن العالم الخارجي. وفي اليوم ذاته تم اعتقال ناشط حقوق الإنسان العماني، هلال العلوي، بحسب تقرير مركز الخليج لحقوق الإنسان.

اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان

الحكومة العُمانية التي ترفض تقارير المنظمات الدولية والإقلمية المُنتقدة لما يوصف بممارسات مُخلة بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان، تعمل، من جانبها، على تحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان، على المستويين المحلي والخارجي. ففي العام 2008 أصدر السلطان قابوس المرسوم رقم ( 124/ 2008 ) بإنشاء اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان وهي أول هيئة حكومية تُعنى بقضايا حقوق الإنسان في البلاد. تتشكل هذه اللجنة من أربعة عشر عضوا جميعهم يمثلون
هات حكومية باسثناء ثلاثة يمثلون الجمعيات الأهلية، ويتم تعيينهم بموجب مرسوم سلطاني. وبحسب النظام الداخلي وتشكيلة أعضاء اللجنة فإن عملها يتركز أكثر على التعريف بجهود الحكومة في مجال المساواة والعدالة الاجتماعية وحقوق العمال والطفل، وعلى تحسين صورة الحكومة في المحافل الدولية مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لكن هذه اللجنة، وبحكم تكوينها، لن تكون قادرة على الدفاع عن معتقلي الرأي والناشطين الحقوقيين، كما أنها غير مؤهلة للوساطة بين نشطاء حقوق الإنسان العمانيين وبين السلطة لأنها تفتقد للحياد والمصداقية، على الاقل من وجهة نظر نشطاء حقوق الإنسان.

وبالعودة إلى الماضي القريب، ضلت سلطنة عُمان بعيدا عن أنظار المنظمات الدولية ومراصد تقاريرها الدورية حتى العام 2005 عندما تناقلت وسائل الإعلام العربية والدولية عملية القبض على جماعة متشددة تضم شخصيات بارزة تستهدف قلب نظام الحكم بالقوة المسلحة وما صاحب تلك العملية من ملاحقات واعتقالات طالت المئات من الاسلاميين، ومحاكمات وُصفت بافتقادها لأبسط معايير المحاكمة العادلة.

غير أن عدم تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في عُمان قبل العام 2005 لا يعني عدم وجود انتهاكات، لكنها كانت تقع على أفراد وبصورة سريعة وعابرة في أغلب الأحيان، فقبل حادثة القبض على الجماعة المتشددة، وفي العام 2004 أصدرت وزارة الإعلام تعليمات بمنع الشاعرين العمانيين محمد الحارثي وعبدالله الريامي من الظهور أو الكتابة في مؤسسات الصحافة والإعلام المحلية وذلك بسبب مشاركتهما في برنامج حواري تلفزيوني بثته قناة العالم الإيرانية الناطقة باللغة العربية وانتقدا فيه السلطة. وبعد العام 2005 توالت التقارير الفاضحة لقيام سلطات الأمن في عُمان باعتقال وسجن العديد من الناشطين والكتاب على خلفية انتقاداتهم ما وصف بالفساد وسوء استخدام السلطة، وكان أبرز عمليات الاعتقال تلك التي طالت أول أمرأة تنتخب لعضوية مجلس الشورى ( البرلمان)، السيدة طيبة المعولي، والتي صدر في حقها حكم بالسجن عاما ونصف العام، الحكم الذي دفع منظمات وناشطين حول العالم إلى إطلاق حملة دولية للإفراج عنها.

غير أن وتيرة التضييق والملاحقات ضد نشطاء حقوق الإنسان بقيت حذرة ولا يُلجأ إليها إلا في حالات قصوى، حتى انفجار الاحتجاجات الشعبية الواسعة في فبراير/شباط 2011، ضمن موجة ما عُرف بثورات الربيع العربي، مع هذه الأحداث وما صاحبها ولحقها من علاقة متوترة بين الشارع والسلطة، صّعدت السلطات الأمنية من وتيرة التضييق والاعتقال ولأسباب مختلفة، مثل الإخلال بالأمن العام، والإضرار بالممتلكات العامة واهانة شخص السلطان، وقد وثّق المرصد العماني لحقوق الإنسان الكثير من هذه الممارسات.

وتيرة التضييق والاعتقالات المتصاعدة منذ العام 2011 قلّصت الفارق بين عُمان وغيرها من الدول العربية، ما جعل سجل عُمان الحقوقي لا يختلف كثيرا عن سجل الدول الأخرى المعروفة بقمعها المباشر للأصوات الناقدة والمختلفة.

لكن ثمت أصوات في عُمان، داخل السلطة وخارجها، ترى أن سجل حقوق الإنسان والحريات في هذا البلد الخليجي ما يزال “نظيفا” مقارنة بسجل دول عربية أخرى، حيث لا يوجد في عُمان، سجناء سياسيون ولا سجناء رأي يقبعون عشرات السنين خلف قضبان السجون. وتدلل هذه الأصوات على موقفها الإيجابي هذا بوجود من أعتُبروا وجوه الحراك الشعبي في 2011 خارج السجن الآن بل وأُعيد معظمهم إلى وظائفهم التي كانوا يشغلونها قبل الأحداث. في السياق ذاته، تعمل اللجنة الوطنية العُمانية لحقوق الإنسان على نشر ثقافة حقوق الإنسان عبر تنظيم سلسلة من الدورات والبرامج التدريبية المتخصصة في المسألة الحقوقية وعبر استيفاد خبراء ومتخصصين من خارج البلاد، بهدف ” توعية المجتمع بحقوقه التي تضمن له الحياة الكريمة، وكذلك توعيته بالحقوق الخاصة المقررة لبعض فئات المجتمع” وفق ما صرح به أمين عام اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان “عبيد الشقصي” لصحيفة عُمان.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles