المقدمة
بإلهام من التطورات التي حدثت في تونس ومصر، اختبرت عمان نسخة معتدلة من الربيع العربي. اعتباراً من أواخر شباط/فبراير 2011، تجمع مواطنون عمانيون في ساحات عدة في منطقة صحار للاحتجاج ضد ارتفاع البطالة وتكاليف المعيشة وفساد المسؤولين الحكوميين ومن أجل ظروف عمل وأجور أفضل. وعلى المستوى السياسي طالب المتظاهرون بتوسيع الحقوق المدنية والسياسية وسلطة مجلس الشورى الاستشاري واستقلال القضاء وضمان حرية التعبير.
بشكل عام، كانت المظاهرات، التي نظّمها الشباب العماني بمساعدة وسائل الإعلام الاجتماعية، سلمية؛ وفي البداية تسامحت معها قوات الشرطة والأمن. إلا أنه خلال المظاهرات في صحار، أحرق المتظاهرون أبنية حكومية عدة واشتبكوا مع قوات الأمن الذين استخدموا الغاز المسيل للدموع والطلقات المطاطية والهراوات لتفريقهم. قُتل اثنان من المتظاهرين على الأقل، وجرح العشرات. أثارت هذه الاشتباكات العنيفة المظاهرات والاعتصامات في مدن وبلدات أخرى، مثل صلالة في أقصى الجنوب وصور في الشرق، حيث تجمع المحتجون في الساحات لدعم رفاقهم في صحار. وقد تم قمع الاضطرابات هناك أيضاً.
أدى ارتفاع البطالة بين الشباب العماني إلى الاستياء والإحباط، خاصة في مدينة صحار الساحلية. لم يجلب الميناء البحري الذي تم إنشاؤه حديثاً العمل الجديد المأمول. والوظائف المتوفرة ذات طبيعة تقنية عالية بالنسبة للسكان المحليين غير المهرة وأصبح اعتمادهم على المغتربين. دفع مرسوم للسلطان برفع الحد الأدنى للأجور ببعض الشركات المحلية إلى فصل الموظفين العمانيين واستبدلاهم بعمالة مهاجرة رخيصة، الأمر الذي أثار سخط الكثيرين من الشباب العماني. وهبطت نسبة التعمين في القطاع الخاص من 18,8% عام 2005 إلى 12,2% في آب/أغسطس عام 2012، بينما بقي التوظيف في القطاع العام الخيار المفضّل للمواطنين العمانيين. عام 2012، انخف التوظيف في القطاع الخاص أكثر نتيجة ترك العمانيين وظائفهم بعد إعلان الحكومة خلق آلاف الوظائف في القطاع العام.
وُجّهت تهمة الفساد لموظفين كبار كانوا يراعون مصالحهم الشخصية على المصلحة العامة. وتم تعزيز هذه الاتهامات بقرار مركزي غير خاضع للمساءلة بشأن التورط الشخصي للحكومة والمسؤولين في الأعمال التجارية.
خلال العقود الماضية، أحرزت عمان تقدماً كبيراً في مجال الرعاية الصحية و التعليم و الدخل (انظر تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية 2010)، إلا أن العدالة الاجتماعية والديمقراطية لا تزالان في تراجع. وبقيت القيود الشديدة على النشاط السياسي والمشاركة في الشؤون العامة وحرية التعبير والاجتماع. الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية محظورة، مع غياب انتقاد النظام في وسائل الإعلام. وفق هيومن رايتس ووتش، حاولت السلطات العمانية التضييق على الحركة المؤيدة للإصلاح، وذلك عن طريق اعتقال ناشطين بموجب قوانين تنتهك المعايير الدولية. وينص قانون المطبوعات والنشر، الذي تم تعديله في تشرين الأول/أكتوبر عام 2011، على معاقبة كل من كل من ينشر أو يبث كل ما من شأنه المساس بسلامة الدولة أو أمنها الداخلي والخارجي. المدونين والصحف لانتقادهم الحكومة، وتم اعتقال بعضهم. وتم الحكم مؤخراً على صحفيين بالسجن مدة خمسة أشهر بخصوص مقال يزعم الفساد داخل وزارة العدل.
من خلال البدء بربيعهم العربي الخاص، كسر العمانيون الصمت ووقفوا من أجل دعم إصلاحات سياسية جوهرية. أما بالنسبة للمعارضة غير المنظمة بشكل جيد، فإن خلع رأس الدولة، السلطان قابوس الذي يحكم منذ فترة طويلة، لم يكن هو الهدف.
الإصلاحات
انتخاب لوحة عمانية ، 2016 (Photo by MOHAMMED MAHJOUB / AFP)رداً على الاحتجاجات، اتخذ السلطان قابوس خطوات عدة في آذار/مارس. فقد قام باستبدال ستة وزراء متهمين بالفساد. وازداد الحد الأدنى للأجور والبطالة بشكل كبير. في العامين التاليين، وفرت الحكومة عشرات الآلاف من فرص العمل لرعاياها في القطاع العام المتخم أصلاً. تزايدت الشكوك حول تأثير هذه الخطوات. ومع أن السلطان أقال العديد من وزرائه، احتفظ مسؤولون غيرهم بمناصبهم.
في خطاب تشرين الثاني/نوفمبر 2012، أكد السلطان على أن للقطاع العام قدرة استيعاب محدودة، وبالتالي على القطاع الخاص توفير المزيد من فرص العمل في المستقبل. كما شجع العمانيين على البدء مشاريع تجارية خاصة. في سباط/فبراير 2013، أقر مجلس الشورى قانوناً جديداً لرفع الحد الأدنى لأجور العمانيين في القطاع الخاص اعتباراً من تموز/يوليو عام 2013، مما يجعل تعمين القوى العاملة أقل جاذبية لأرباب العمل.
في تشرين الأول/أكتوبر 2011، أصدر السلطان مرسوماً بتعديل المادة 58 من القانون الأساسي، بحيث تجيز لمجلس الشورى الموافقة على القوانين المقترحة من قبل مجلس الوزراء قبل تقديم مسودة نهائية إلى السلطان لاعتمادها. كما تجيز لأعضاء المجلس اقتراح القوانين وإجراء تغييرات في اللوائح الحكومية ومساءلة الوزراء. ومن غير المؤكد ما إذا كانت هذه التعديلات ستعطي المجلس صلاحيات تشريعية (فعلية) أكثر. سلطة المجلس لاستجواب الوزراء يقتصر على ما يسمى ‘وزراء الخدمة’ وتستثني الوزارات الرئيسية التي يترأسها السلطان (الدفاع والمالية والشؤون الخارجية) المتهمة بالفساد على نطاق واسع. وطالب نشطاء بالفصل بين السلطان ومناصب الوزراء، بمن فيهم رئيس الوزراء. وقد رفض السلطان تعيين رئيس وزراء.
على الرغم من عدم اليقين حول سلطات المجلس، إلا أن 76% من العمانيين المؤهلين صوّتوا في الانتخابات على 84 مقعداً في مجلس الشورى في 15 تشرين الأول/أكتوبر. وتم انتخاب ثلاثة مرشحين لعبوا دوراً بارزاً في الاحتجاجات. بالإضافة إلى ذلك، أجرت عمان أولى انتخابات بلدية في كانون الأول/ديسمبر 2012، صوّت خلالها 50,3% من الناخبين العمانيين المؤهلين.
رداً على مطالب المحتجين، تعهدت الحكومة بزيادة الإنفاق الحكومي بأكثر من 25% خلال السنوات الأربع القادمة. وسيتم زيادة ميزانية الدولة من 111,3 مليار دولار إلى 139,7 مليار دولار لتغطية المتطلبات الإضافية لخلق الوظائف وتوفير الضمان الاجتماعي.
أجبرت ثورة عمان السلطات على القبول بتسوية بشأن الشفافية والمساءلة في الحكم. وبالتالي، استجاب السلطان قابوس للاحتجاجات بإصلاحات جوهرية أكثر ما فعله ملوك الخليج الآخرون. والتفسير الوحيد لرده الاستثنائي هو أن كل السلطة متركزة في يد السلطان؛ إضافة إلى أن السلطان غير مقيد بخلافات ضمن العائلة المالكة. إلا أن تجدد الاحتجاجات كان علامة على أن الاصلاحات الاجتماعية والسياسية المحدودة لن تُرضِ العمانيين. واستطاع السلطان تجنب تطور الأزمة، ولكن على حساب استمرار قمع الناشطين والمزيد من القيود على حرية التعبير والاجتماع.
المجتمع الدولي
أوباما مع رئيس الوزراء العمانيمنذ البداية كانت ردة فعل إدارة أوباما على الاحتجاجات محدودة جداً. فقبل كل شيء يعتبر السلطان قابوس حليفاً مخلصاً للولايات المتحدة الأمريكية. رحبت وزارة الخارجية الأمريكية بحماس بالنقلات الأولى نحو الإصلاح، كما أعلن السلطان. وشجعت السلطات العمانية على مواصلة تنفيذ الإصلاحات التي تزيد من الفرص الاقتصادية وتتحرك باتجاه مشاركة سياسية أكبر. ووعد مجلس التعاون الخليجي عمان بعشرة مليارات دولار للسنوات العشر القادمة، كجزء من خطة لدعم عمان (كما البحرين واليمن). تهدف الخطة إلى تحسين الظروف الاقتصادية ومعايير المعيشة، وتوفير السكن وفرص العمل. وهذا التعهد بالدعم هو استجابة نموذجية تجاه الثورة من قبل ملوك الخليج: شراء دعم الناس للوضع الراهن وإسكات المعارضة السياسية.