وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عمال البناء في الإمارات العربية المتحدة

سكن عمّال مهاجرون الإمارات
عمّال مهاجرون من بنغلاديش يتشاركون غرفة في شقة حيث يقطنون مع عمال آخرين في أبو ظبي, أبريل 2014 Photo (Sergey Ponomarev/The New York Times)

إن صورة حقوق الإنسان غير مُرضية إلى حدٍ كبير بالنسبة للمواطنين والمقيمين على حد سواء، إلا أنها سيئة على وجه الخصوص بالنسبة للعمال المهاجرين، الذين يشكلون المكون الديموغرافي الأكبر لدولة الإمارات العربية المتحدة. وفي منتصف عام 2010 (الفترة الأخيرة التي تتوافر عنها البيانات) بلغت نسبة غير المواطنين 88,5 % (8,26 مليون) من سكان دولة الإمارات العربية المتحدة.

تعُج الإمارات العربية المتحدة (وبخاصة دبي وأبو ظبي) بمشاريع البناء الضخمة، بما في ذلك المشاريع البارزة مثل متحف جوجنهايم ومتحف اللوفر، وحرم جامعة نيويورك، وجميعها تقع في جزيرةالسعديات في أبوظبي. كما أن العمل في دبي جارٍ على قدمٍ وساق للإنتهاء من البُنية التحتية لمعرض اكسبو العالمي في عام 2020. ومع ذلك، فإن الصورة التي تحاول الإمارات العربية المتحدة عكسها، كبلد عصري جذب أكثر من 13 مليون زائر دولي عام 2014، تتناقض مع الواقع الذي يعيشه أولئك الذين يبنون نماذجها الرائعة.

وعلى الرغم من الإصلاحات العمالية في السنوات الأخيرة، لا يزال العمال المهاجرون يتعرضون لسوء المعاملة التي تصل إلى حد العمل الاجباري، في حين تتواصل الشكاوى من السكن غير اللائق، وعدم دفع الأجور، والترحيل، وذلك وفقاً لهيومن رايتس ووتش في تقريرها لعام 2015. وبالرغم من إجراء بعض التحسينات (مقارنة مع التقارير السابقة لعامي 2009 و2012)، وجد الباحثون أنّ بعض العمال تعرضوا لحجز جوازات سفرهم، أو عدم تقاضي أجورهم، أو تقضاضيهم لأجور ضئيلة للغاية، مما يجعل من الصعب بالنسبة لهم تسديد رسوم الاستقدام التي يتوجب إلغاؤها في المقام الأول.

وقد تم حظر ممارسة فرض رسوم استقدام للعمال منذ عام 1980، لكن هيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات، وجدت في السنوات الأخيرة اضطرار العمال دفع رسوم استقدام باهظة لوكالات التوظيف في بلادهم أو في دولة الإمارات العربية المتحدة. ومنذ ذلك الوقت، عززت الإمارات العربية المتحدة القوانين التي تتعلق بوكالات التوظيف المحلية، ومع ذلك لا يزال أرباب العمل، وليس العمّال، غير ملزمين بعد بإثبات دفعهم كامل رسوم التوظيف. ويحظر القانون على وكلاء التوظيف فرض أي رسوم على العمّال ويخوّل وزارة العمل إجبار الوكالات رد أي رسوم مدفوعة إلى العامل. ولكن استناداً إلى شهادات العمال في أبوظبي، وجدت هيومن رايتس ووتش أن العمال لا يزالوا يدفعون رسوم استقدام تتراوح ما بين 1500 إلى 3000 دولار.

وقد حددت منظمة العمل الدولية حجب وثائق الهوية، بما في ذلك جوازات السفر، كمؤشر رئيسي على العمل القسري.

محاصرين في الإمارات العربية المتحدة

لطالما كانت مشكلة عدم دفع الأجور من الشكاوى الرئيسية للعمال. ورغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لضمان تسديد الأموال بالطريقة السليمة (الكترونياً)، صرح بعض العمال في أبو ظبي عدم تلقيهم رواتبهم لفترات تصل إلى خمسة أشهر. ويضمن قانون العمل الحد الأدنى لأجور العمال المهرة (5000 درهم أي ما يعادل 1300 دولار)، ولكن تم استثناء عمال البناء ذوي الأجور المنخفضة (والذين يعتبرون في كثير من الأحيان غير مهرة). ويقول العمال أنهم يكافحون من أجل سداد القروض التي اقترضوها في ديارهم ولإطعام أسرهم.

فضلاً عن ذلك، فإن العمال في دولة الإمارات العربية المتحدة محاصرون بما يُسمى نظام الكفالة، الذي يربط الموظف إلى صاحب عمل واحد (الكفيل)، ويحظر على الموظف تغيير صاحب العمل أو مغادرة البلاد دون موافقة الكفيل. وفي يناير 2011، عدلت الحكومة القانون الذي يُنظم نظام الكفالة، حيث بات يُسمح للموظف تغيير أصحاب العمل دون أي عقوبة، ولكن بالرغم من أننا في منتصف عام 2015 إلا أن نظام الكفالة نفسه لا يزال قائماً. يُعتبر هذا أحد المشاكل الرئيسية التي يواجهها العمال لأنها تعتمد اعتماداً كلياً على أهواء أصاحب العمل.

من جهةٍ أخرى، تتناقض المرافق السكنية للعمال بشكلٍ صارخ مع المباني الفاخرة التي يبنيها هؤلاء العمال في الإمارات العربية المتحدة. وغالباً ما يعيش عمال البناء المهاجرين في معسكرات عُمالية على مشارف أبو ظبي أو دبي، معزولين عن بقية المجتمع. وفي كثير من الأحيان تكون هذه المساكن دون المستوى المطلوب حيث تتكون من غرف ضيقة تحتوي على أسِّرة بطابقين والقليل من المرافق الأخرى. وخلال زيارة لأحد مساكن العمال في وسط أبو ظبي، وجد الباحثون 27 رجلاً يعيشون في غرفتين. ويتشارك العمال الذين قالوا أنهم يقومون بأعمال الطلاء في موقع جامعة نيويورك بمرحاضين، ويضطرون إلى غسل ملابسهم فيه أيضاً، فضلاً عن تخزينهم الأدوات والمواد اللازمة لأشغالهم، بما في ذلك الطلاء، في غرفهم.

كما يعاني العّمال من صعوبة الوصول إلى النظام القضائي في حال كانت لديهم أي شكاوى، ويرزحون تحت ضغوطات شديدة من قِبل أرباب عملهم للحفاظ على صمتهم حيث يتم تهديدهم بعدم دفع الأجور أو إلغاء تأشيراتهم. وفي حال تقديمهم أي شكوى أو في حال قرروا تنظيم أي إضراب، فإنهم يواجهون خطر الاعتقال أو الاحتجاز أو في أسوأ الأحوال، الترحيل. وتم ترحيل مائتي عامل من شركة بي كاي جلف، ممن يقومون بمشاريع بناء في جزيرة السعديات، بعد تنظيمهم في أكتوبر 2013 إضراباً احتجاجاً على الأجور المنخفضة. وفي مارس 2015، نظم عدة مئات من العمال إضراباً وسط دبي للمطالبة بزيادة الأجور مقابل العمل على تطوير فاونتن فيوز، وكما يُقال لم يكن هناك أي اعتقالات. قانون العمل في دولة الإمارات لا يضمن حقوق العمال في تنظيم الاضرابات أو التفاوض الجماعي، لذلك تعتبر الاضرابات غير قانونية.

على الرغم من التدابير التي اتخذتها السلطات والمعايير الجديدة التي وضعتها المنظمات المعنية (جامعة نيويورك، متحف اللوفر، متحف جوجنهايم)، فإن الشكاوى المذكورة أعلاه تشير إلى أن القواعد لا تطبق على نحو كاف.

وقد بدأت الأمم المتحدة التحقيق في إساءة معاملة العمال المهاجرين بعد شكوى من قبل الاتحاد الدولي للنقابات (ITUC) بأن المهاجرين يقومون بأعمال البناء والعمل المنزلي في ظل ظروف العمل القسري.

ويتم استثناء العاملين في المنازل من قانون العمل ولديهم حماية أقل من غيرهم من المهاجرين، كما وردت تقاريرعديدة عن سوء المعاملة من قبل أرباب العمل.