مع استمرار التزام الجيش الجزائري بالانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 12 ديسمبر 2019، تواجه الاحتجاجات وحركات المعارضة في جميع أنحاء العاصمة الجزائر تواجداً أمنياً متزايداً، وفي بعض الحالات، التعرض للاعتقال.
فالجزائريون الذين يعتريهم الغضب بسبب سنواتٍ من الفساد السياسي وسوء الإدارة التي تسببت في عجز كبيرٍ في الميزانية وارتفاع نسب البطالة، يواصلون الاحتجاجات منذ فبراير 2019، إذ طالبوا في البداية باستقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد 20 عاماً في السلطة، وهو ما حصل بالفعل في 2 أبريل.
تولى عبد القادر بن صالح، رئيس الغرفة العليا في مجلس الأمة، مهام رئاسة الجمهورية مؤقتاً، بيد أنه تم تأجيل الانتخابات المقرر إجراؤها في يوليو من قبل المجلس الدستوري بسبب عدم وجود مرشحين صالحين.
وبالرغم من شنّ حملةٍ لمكافحة الفساد بعد ذلك، إلا أن الجيش، الذي كان على مدى سنواتٍ أقوى لاعبٍ سياسي، دعم إجراء إنتخاباتٍ في سبتمبر.
يُعارض المتظاهرون الإنتخابات، إذ يقولون أنها بعيدة كل البعد عن الإنتخابات الحرة والنزيهة طالما أن هناك العديد من مؤسسات بوتفليقة في السلطة.
ومع ذلك، تشير بعض التقارير إلى انخفاض أعداد المشاركين في التجمعات، من مئات الآلاف في الربيع إلى عشرات الآلاف الآن. كما يلاحظ المحللون أن الضغوط لا تزال قائمة، حيث تجري العديد من الاحتجاجات في أيام مختلفة، وليس في أيام الجمع كالمعتاد.
وفي السابق كان يتم مراقبة الاحتجاجات عن كثب بشكل متواصل، حيث تنشر السلطات تواجداً أكبر للشرطة في الشوارع وتكون متيقظة بشكلٍ خاص حول التجمعات التي تعقد في الأيام الأخرى غير الجمعة.
رافق استراتيجية الاحتواء هذه احتجاز كبار المسؤولين وشخصيات معارضة بارزة مثل كريم طابو. فقد ألقي القبض على مؤسس حزب الاتحاد الاجتماعي الديمقراطي للمرة الثانية بعد أقل من 24 ساعة من توجيه الاتهام له بـ”إضعاف معنويات الجيش” في 12 سبتمبر.
وقعت اعتقالات أخرى لشخصيات رفيعة المستوى في يونيو عندما قُبض على لخضر بورقعة، المحارب المخضرم في حرب الاستقلال ضد فرنسا الذي يبلغ من العمر 90 عاماً، في منزله بعد أن قال في اجتماع عام إن الجيش عبارة عن مجموعة من “الميليشيات.” وقد يُحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة “إضعاف معنويات الجيش”.
في 19 أغسطس، قُبض على أحمد بن شمسي من منظمة هيومن رايتس ووتش، الذي كان يراقب المظاهرات، وتم ترحيله في نهاية المطاف، بينما في 27 أغسطس، حظرت السلطات المحلية حول مدينة بجاية الساحلية اجتماعاتٍ للجمعية الوطنية للشباب (راج)، وهي مجموعة ديمقراطية تنظم الاحتجاجات، دون تفسير. تم اعتقال 20 ناشطاً كانوا يخططون لحضور اجتماع راج في 5 سبتمبر وتم إطلاق سراحهم بعد ثلاث ساعات، مما حال دون عقد الاجتماع.
كما وصلت اليد العليا للمراقبة الأمنية الجزائرية إلى مصر أيضاً، حيث اعتقلت الشرطة المصرية موفق سردوك البالغ من العمر 40 عاماً خارج ملعب في القاهرة حيث كان الفريق الجزائري لكرة القدم يلعب في كأس الأمم الأفريقية. كان سيردوك يحمل لافتة تعرض عبارة “ليرحلوا جميعاً،” وهو شعار شعبي للحركة الجزائرية الحالية المناهضة للحكومة.
وبحسب ما ورد، فقد ألقي القبض على سردوك، الذي احتُجز لمدة يومين ثم طُرد من مصر، من قبل الشرطة الجزائرية لدى وصوله إلى الجزائر. حُكم عليه بالسجن لمدة عام بسبب “عرضه علانية ورقة يمكن أن تضر بالمصلحة الوطنية،” بموجب المادة 96 من قانون العقوبات، العقوبة التي يقوم على استئنافها.
كما تعرض السكان الأمازيغ الجزائريون، الذين لعبوا دوراً رئيسياً في الاحتجاجات، لاعتقالاتٍ جماعية، عادةً بسبب التلويح بعلم البربر. فقد وثقت هيومن رايتس ووتش اعتقال 40 محتجاً بتهمة “الإضرار بسلامة الأراضي الوطنية،” وهي تهمة تنطوي على عقوبة تصل إلى عشر سنوات.
لطالما كان المشهد الإعلامي للبلاد يذخر بالتحديات، فقد شهدت الاحتجاجات الحالية قيوداً مماثلة لتلك القيود المفروضة أثناء حكم بوتفليقة. فقد قالت لجنة حماية الصحفيين إن الرقابة على المراسلات قد بدأت منذ أن بدأت الاحتجاجات في تسليط الضوء على حالة المراسل المستقل سفيان مراكشي، الذي كان يغطي الاحتجاجات واعتُقل في 22 سبتمبر بسبب عمله دون ترخيص وتهربه من السلطات الجمركية أثناء استيراد معدات البث. في حال أدين، قد يواجه عقوبة السجن لمدة تتراوح بين سنتين وسبع سنوات.
وقال منسق برنامج لجنة حماية الصحفيين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، شريف منصور، “حبس سفيان مراكشي وتوجيه تهمٍ إليه يؤكد أن السلطات الجزائرية ماضية في مواصلة عرقلة التغطيات الإعلامية للأحداث الجارية بالجزائر.”
كما تم إيقاف صحفيين آخرين عن العمل بسبب تغطيتهم للاحتجاجات بينما تم طرد المراسلين الأجانب. أصبح موقع “كل شيء عن الجزائر” (TSA)، وهو موقع إخباري مستقل غطى الاحتجاجات على نطاق واسع، غير متاحٍ منذ شهر يونيو ما لم يتم الدخول إليه من خلال الاتصال بشبكة خاصة افتراضية.
ووصف مدير موقع كل شيء عن الجزائر، حامد غماشي، ذلك بأنه “حجب تعسفي أمرت به السلطات،” وقال: “حاولنا الاتصال بالحكومة للحصول على توضيحات، لكنهم رفضوا الإجابة على أسئلتنا. هذا الحظر يشكل تهديداً خطيراً لبقائنا كموقع مستقل على الإنترنت.”
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت بيانات الشبكة من مرصد الإنترنت NetBlocks أن الوصول إلى الإنترنت قد تم تقييده في مناطق الجزائر اعتباراً من 14 سبتمبر، مما أثر على المظاهرات. كما تم حظر موقع يوتيوب في أغسطس من قبل شركة اتصالات الجزائر الحكومية وغيرها من مزودي خدمة الإنترنت، وفقاً للمنظمة.
وفي أواخر سبتمبر، أجرى مارك أوين جونز، الأستاذ المساعد في جامعة حمد بن خليفة في قطر، تدريباً قصيراً غير رسمي على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث حلل حوالي 20 ألف تغريدة من 5,769 حساباً، ويبدو أنه وجد دليلاً واضحاً على “حملة التضليل.”
فقد أشار إلى أن التأييد لوسمين(هاشتاغ) # ماتهدرش_باسمي (ليس باسمي) – ينتقد أولئك الذين يقاطعون الانتخابات – و# الجزائر_تنتخب، تم تضخيمه بحسابات مشبوهة، ويقدر إن “8% من تلك التغريدات لتشجيع الجزائريين على المشاركة في الانتخابات ربما يكونون من الذباب الإلكتروني و/أو المتصيدين على الإنترنت.”
من جهتها، قالت إميلي هوثورن، محللة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز ستراتفور الأميركي للأبحاث الأمنية والإستراتيجية، “المعركة الآن هي معرفة ما إذا كان بإمكان الحكومة إقناع الناس بالمشاركة في تلك الانتخابات.” وأضافت “إذا لم يكن لديك عدد كاف من الأشخاص الذين يظهرون عند صناديق الاقتراع، وإذا كان لديك رؤساء بلديات ومحافظون، وإذا كان لديك قادة محليون لا يشاركون في لوجستيات الانتخابات، فسيكون ذلك ضار فعلياً بجهود الحكومة الإنتقالية لعقد هذه الانتخابات في الوقت المحدد.”
وأضافت أن التكتيكات من المحتمل أن تتحول من المعارضة إلى مقاطعة الانتخابات.
ومن بين المرشحين المحتملين في تصويت ديسمبر، علي بن فليس وعبد المجيد طبون، رئيس الوزراء السابق في عهد بوتفليقة.
وقالت هوثورن إنه أصبح من الواضح أن الجيش يرغب في تسريع العملية الانتخابية من أجل استقرار البلاد. ومع ذلك، هناك إجماعٌ ضئيل بين أصحاب المصلحة حول قائمة المرشحين للرئاسة، ويمكن أن تتقاطع نسبة المشاركة التقليدية المنخفضة للناخبين مع مقاطعة الإنتخابات لتقويض النتائج. ومع ذلك، فإن التصويت سيكون المؤشر النهائي للرأي العام.
ربما أخفقت الإطاحة ببوتفليقة في إيجاد حلٍ سحري للديمقراطية الجزائرية، لكن الرد القوي من جانب السلطات يعني أن حركات الاحتجاج قد لا تنجح في فرض فترة راحة كاملة من الحرس القديم.
وفي الوقت نفسه، فإن عدم وجود مرشحين للرئاسة أو بدائل قابلة للتطبيق للوضع الراهن يخلق الظروف نفسها التي كادت أن تشهد ترشح بوتفليقة لولاية خامسة.