كان السكان الأصليين في الجزائر، البربر (الذين يطُلقون على أنفسهم أيضاً اسم الأمازيغ)، جزءاً لا يتجزأ من الماضي الثوري للبلاد ويواصلون لعب دورٍ محوري في الاضطرابات السياسية المستمرة التي تهز البلاد.
فقد قامت السلطات بقمع المتظاهرين الذين كانوا يلوحون بعلم البربر الأصفر والأزرق والأخضر خلال سلسلةٍ من الاحتجاجات في الجزائر العاصمة منذ فبراير 2019، بعد أن أعلن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ترشحه لولايةٍ خامسة. تنحى بوتفليقة منذ ذلك الحين.
وفي أغسطس، أصدرت المحكمة حكماً بالسجن لمدة عشر سنوات على أحد المتظاهرين لمشاركته في الاحتجاجات إلى جانب غرامة قدرها 1600 دولار.
فقد أمر قائد الجيش وحليف بوتفليقة أحمد قايد صالح، الذي أصبح قائدًا فعلياً للدولة في شمال افريقيا، بشن حملة القمع التي شهدت اعتقال 41 متظاهراً في يوليو وحده، حيث كان جميعهم إما يلوحون بعلم البربر أثناء التجمعات أو كان العلم بحوزتهم.
وعليه، دعت منظمة العفو الدولية السلطات إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن المحتجين، ووصفت الاعتقالات بـ”العبثية.” كما اتُهم المعتقلون بـ”الإضرار بسلامة” البلاد.
وفي هذا الصدد، قالت المنظمة الدولية أن إطلاق سراح المعتقلين اختبارٌ حقيقي لإصلاح حقوق الإنسان في الجزائر. وفي الوقت نفسه، تعرضت السلطات لانتقاداتٍ لاستمرارها في فرض رقابة صارمة على المتظاهرين، الذين تشمل مطالبهم تنحية الشخصيات البارزة المرتبطة بالنخبة الفاسدة التي تحكم البلاد منذ الاستقلال في عام 1962.
حصلت حملة القمع على الرغم من حصول الأمازيغ على اعترافٍ أكبر في السنوات الأخيرة، بما في ذلك في الدستور. فقد اعترف تعديل الدستور لعام 2016 بالتمازيغت، اللغة البربرية، باعتبارها اللغة الرسمية الثانية للجزائر بعد العربية، واعترف بـ”الأمازيغية” كجزء من الهوية الوطنية. وفي عام 2018، تم اعتبار السنة الأمازيغية عطلةً رسمية.
يأتي الاعتراف الثقافي بعد سنواتٍ من الكفاح لاستعادة التنوع الثقافي الذي تم محوه من قبل النظام العسكري القديم، الذي تبنى اللغة العربية والإسلام كهويةٍ وطنية موحدة في وجه الحكم الاستعماري الفرنسي. تم تعزيز هذه الهوية في ظل حكم جبهة التحرير الوطني.
كانت جبهة التحرير الوطني الحزب السياسي الدستوري الوحيد في الجزائر حتى عام 1989، وكان النضال من أجل ديمقراطية أكبر ينحدر من الأمازيغ الذين يشكلون غالبية السكان. أصبحت رمزيتهم واحدةً من الرموز التي يمكن من خلالها تحقيق جزائر أكثر عدلاً.
حصلت اللحظة الأكثر بروزاً في هذه المعركة خلال ما يشار إليه الآن باسم ربيع البربر، الذي اندلع في 10 مارس 1980 بعد أن ألغت الحكومة مؤتمراً في جامعة تيزي وزو مع شاعر القبائل مولود معمري. تعتبر منطقة القبائل منطقةً ناطقة باللغة البربرية ومصدراً للنشاط الأمازيغي. آنذاك، كان السبب الذي تم بموجبه تبرير إلغاء الفعالية هو إمكانية أن يسبب اضطراباتٍ في البلاد. ومع ذلك، اعتبر القرار بمثابة قمعٍ من جانب الدولة، ورد الطلاب وأعضاء هيئة التدريس من خلال التحصن داخل الجامعة في حين نمت الاحتجاجات إلى مسيرة كبيرة قوامها 200 شخص في تيزي وزو، العاصمة الإقليمية، وفي اليوم التالي، ارتفع العدد في نهاية المطاف إلى الآلاف.
تصاعدت التوترات عندما اقتحمت الشرطة الجامعة، وظهرت تقارير عن أعمال عنف ضد المتظاهرين.
دخل ربيع البربر مرحلةً جديدة في عام 2001، خلال الاستعدادات لذكرى ربيع البربر في 20 أبريل. قبل ذلك بيومين، في 18 أبريل، قُتل الطالب ماسينيسا قرماح البالغ من العمر 18 عاماً أثناء احتجازه من قِبل الشرطة في تيزي وزو، مما أثار أعمال شغب انتشرت في جميع أنحاء البلاد وانتهت بفقدان 123 محتجاً حياتهم.
وبالرغم من اعتبارها لحظةً مظلمة في التاريخ، إلا أن ربيع البربر عزز إرثاً دائماً لهوية البربر وشهد ظهور منظمات مثل التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وهو حزب سياسي وقاعدة القوة الرئيسية في منطقة القبائل، والذي ساعد في تحقيق المطالب الرئيسية للبربر.
كما تم تشكيل مجموعات أخرى ذات طموحات بعيدة المدى، لا سيما الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل، التي تسعى إلى الاستقلال الثقافي عن الجزائر.
وبحسب ما قاله لنا في فَنَك، يوغرطة، أحد سكان منطقة القبائل والذي يبلغ من العمر 26 عاماً ويستخدم اسم Jeybroxer على تويتر، فإنه يُعارض تقسم البلاد، إذ قال “إذا فكرنا بهذه الطريقة، فإن الشاوية بحاجة أيضاً إلى رئيس، وهذا هو حال الطوارق، والشينوي، والشلحية، والريف… فهم جميعاً السكان الأصليون في شمال افريقيا أيضاً.” كما يعتقد أن صالح يهاجم العلم البربري من أجل زرع الانقسام بين العرب والأمازيغ.
في حين قالت إميلي هاوثورن، محللة شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز ستراتفور لتبادل المعلومات الجيوسياسية الواقع في أمريكا: “الوضع الجزائري في الوقت الحالي يمثل تحدياً كبيراً للحكومة، ذلك أنها تتمتع بقدرةٍ على اتخاذ إجراءاتٍ صارمة ومنع الناس من الخروج إلى الشوارع بطريقة أكبر.” وأضافت “لكنهم متحفظون للغاية فيما يتعلق باستخدام القوة والسلطة التي يمتلكونها، لأنهم لا يريدون أن يتحول الوضع إلى عنفٍ أكبر وإشعال نزاعٍ أكبر وبالتالي التعرض لمأزقٍ أكبر.”
وقالت هاوثورن إن الحملة على الحركات الأصغر ما هي إلا استراتيجية لتقسيم ودحر حركة الاحتجاج بأكملها. علاوةٍ على ذلك، لاحظت أنه بينما تدرك الحكومة، بما في ذلك الجيش، أن المطالبة الأمازيغية بالحقوق الثقافية قضيةٌ حساسة، فهي مسألة لا يهتم بها جميع الجزائريون على قدم المساواة.
في الوقت نفسه، لم يُبدِ صالح أي رغبةٍ في التواصل مع المحتجين أو خفض عدد قوات الأمن المنتشرة لمراقبة الحركة المدنية.
بدلاً من ذلك، دفع باتجاه إجراء انتخابات رئاسية في أسرع وقتٍ ممكن في ظل الحكومة الحالية، من أجل ترسيخ الوضع الراهن، وفقاً لهاوثورن.
ومع ذلك، يرى الكثير من الجزائريين أن صالح مجرد بوتفليقة آخر، ولا يزال الجيش والحكومة أنفسهم منقسمين بشأن التنازلات التي يتعين تقديمها، بما في ذلك إطلاق سراح السجناء، فضلاً عن مستقبل البلاد السياسي.
في الوقت الراهن، يرفض صالح رفع الحظر عن التلويح علناً بعلم البربر، معتبراً أنه تهديد للوحدة الوطنية.
وفي هذا الصدد، أوضحت هاوثورن إن “العلم الجزائري مرادفٌ للجيش وللثورة ضد الفرنسيين،” مضيفةً أن أي علمٍ آخر يعتبر إهانة لروح الثورة وكل ما قاتل الجيش من أجله. وتابعت القول، “الجيش الجزائري هو القوة السياسية المهيمنة في الجزائر. وهو أمرٌ لا نتوقع في ستراتفور أن يتغير.”
ولربما سيثبتون أنها على خطأ، ذلك أنه في ظل تنامي الحركات التي تسعى إلى إنشاء نظامٍ سياسي جديد، حتى وإن كان ذلك في الوقت الذي يحاول فيه الجيش بسط هيمنته. فقد أعلن النظام المؤقت في 15 سبتمبر 2019 أنه حدد موعداً للانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر.
مع اكتساب الحركة المؤيدة للديمقراطية زخماً، تضمنت الهتافات خلال الاحتجاجات الأسبوعية “نرفض أن يقودنا قايد صالح” و”سئمنا من الجنرالات.”
وسط هذا الغموض السياسي، أمرٌ واحدٌ واضح: مهما كانت نتيجة انتخابات ديسمبر، فإن الأمازيغ سيلعبون دوراً محورياً في الواقع السياسي الجديد للجزائر.