يوثق تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان في أكتوبر 2019 واقع وصاية الذكور في الأردن التي منحت الرجال السلطة على النساء في مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك النشاط الجنسي والإنجاب. وقد أدى ذلك إلى احتجاز النساء وحتى فصلهن عن أطفالهن. وقد بينت الإصلاحات الأولية إرادةً سياسية لتحسين حماية حقوق المرأة، التي يقول النشطاء إنه يجب ممارستها في الحال.
يشتمل التقرير الذي حمل عنوان “سجن النساء وانتزاع الأطفال: الرقابة الشرطية على الجنس والزواج والحمل في الأردن،” 121 مقابلة مع الضحايا وجماعات المجتمع المدني والمسؤولين، بالإضافة إلى لمحة عامة عن القانون الأردني والسياسات وأحكام المحاكم، التي تقدم لمحة سريعة عن الانتهاكات التي واجهتها النساء.
فالسجن بتهمة الزنا، ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، يُفرض على كلٍ من النساء والرجال. وفي بعض الحالات، ترافق إدارة حماية الأسرة في مديرية الأمن العام، أي الشرطة، المرأة إلى المستشفى لإجراء “فحص العذرية” بناءً على طلب ولي الأمر أو أحد الأقارب.
وفي حالاتٍ أخرى تم احتجاز نساء غير متزوجات وحوامل إلى حين وضع حملهنّ لمنعهنّ من إجراء عملية إجهاض، الذي يعتبر جريمة جنائية في الأردن.
وغالباً ما يتم أخذ أطفال النساء غير المتزوجات، الذين يُشار إليهم عادةً بـ”الأطفال غير الشرعيين،” ليتم وضعهم في دور رعاية تابعة للدولة دون إذن الأم.
كما أن الخوف من الاعتقال وانتزاع أطفالهن دفع ببعض النساء إلى الإنجاب سراً في المنزل. ومع ذلك، لا تزال التحديات الماثلة أمام هؤلاء الأمهات كبيرة، بما في ذلك عدم قدرتهن على تسجيل ولادة أطفالهن أو مواجهة النبذ الاجتماعي.
وتم أيضاً سجن النساء بتهمة “الغياب،” أي تغيب المرأة عن المنزل دون إذن ولي الأمر. بعض هؤلاء الأوصياء الذكور اشتكوا إلى الشرطة، مشتبهين في أن المرأة هربت مع رجل، على الرغم من أن هذا لم يكن صحيحاً في بعض الحالات.
من حيث الأرقام، وجدت منظمة العفو الدولية أدلةً على مئات الحالات. فالنظام قادر على الانتصار لأن الصلاحيات الممنوحة للرجال منصوص عليها في القانون وتدعمها تدابير قسرية من قبل السلطات.
فقد وصفت لورين آرونز، الباحثة الرئيسية في التقرير، لفَنَك الإطار الذي يمكّن سلطة الأوصياء الذكور على النساء. ففي قانون الأحوال الشخصية، على سبيل المثال، تنص إحدى المواد على ضرورة موافقة ولي الأمر على الزواج، مما يسمح للوصي بمنع اختيار المرأة لشريكها مع تحديد من هو الوصي من الذكور: الأب أو الأخ أو العم أو غيره من الأقارب الذكور.
كما أن سلطة الوصي الذكر منصوصٌ عليها في قانون العقوبات، حيث يمكن رفع قضية بتهمة الزنا إذا اشتكى الزوج أو إذا تقدم ولي الأمر بشكوى. وقالت آرونز: “يتمتع الأوصياء الذكور بهذه القدرة على إقامة دعاوى قضائية ضد النساء، لكن لا يوجد ما يعادلها ضد الرجال.”
علاوةً على ذلك، في الدستور الطبي، تحتاج المرأة إلى موافقة ولي أمرها على الإجهاض، إذا كانت صحتها معرضة للخطر من الحمل. توجد أمثلة قانونية أخرى، ولكن في بعض الحالات، تُمارس السلطة من خلال الممارسة وليس السياسة، مما يزيد من القوة الممنوحة للأوصياء الذكور. ويشمل ذلك المحافظين (الحكام الإداريين) الذين يضعون النساء رهن الاحتجاز الإداري لغيابهم، الذي يعدّ إساءة استخدامٍ لقانون منع الجريمة المثير للجدل لعام 1954 الذي يسمح للسلطات باحتجاز الأفراد دون تهمة أو محاكمة ولمدة طويلة من الزمن.
شملت بعض الحالات النساء اللواتي يرغبن في الزواج ولكن لا يمكنهن إيجاد شيخ لإتمام الزواج لأن المرأة ليس لديها وصي ذكر. يستشهد تقرير منظمة العفو الدولية بحالة “علا،” التي دون أوصياء ذكور، حملت بطفلٍ خارج إطار الزواج وعند الولادة، اتصل موظفو المستشفى بالشرطة، حيث اقتيدت إلى سجن الجويدة النسائي في العاصمة عمان، ولم توجه لها أي تهمة ولا تعرف متى سيتم إطلاق سراحها.
إمرأة أخرى تم إلقاء القبض عليها بسبب تغيبها. بعد اصطحابها إلى مركز الشرطة، وبحسب قولها للباحثين “قام ضابطا الشرطة بضربي وطلب أحدهما من الآخر إحضار خرطوم ماء قائلاً ‘خلينا نربيها.‘ اقتادوني إلى مكتب نائب المحافظ [الذي تم التحفظ على موقعه]، الذي قال أني سأذهب إلى سجن جويدة إلى أن يأتي أبي ويكفلني…”
وغالباً ما يكون شرط إطلاق سراح النساء عودتهن إلى المنزل ويحدث هذا فحسب في حال قام أحد أفراد الأسرة من الذكور بتكفيلهنّ.
كما ذكرت رسالة إلى منظمة العفو الدولية من مكتب رئيس الوزراء، بتاريخ 14 أكتوبر 2019، أن هناك 149 امرأة رهن الاعتقال الإداري حالياً، 85 منهن تم احتجازهن لأكثر من عام بسبب الزنا (إلى جانب عدد مماثل من الرجال). كما ذكر التقرير، “لا توجد حالة تم فيها القبض على النساء لتغيبهن عن المنزل دون إذن ولي الأمر، ما لم يقترن ذلك بشكوى تتعلق بارتكاب جريمة أو جنحة.”
غير أن وثائق منظمة العفو الدولية وعمل المحامين الأردنيين أشارت إلى أن الاحتجاز بتهمة الغياب، الذي غالباً ما يكون بناءً على طلب ولي الأمر.
كما أن هناك شكاوى أخرى وردت تحمل في طياتها الكثير من التناقض إذ يتم احتجاز النساء في بعض الأحيان لسلامتهن لأنه يُعتقد أنه في حال امتلك أحد أفراد الأسرة دافعاً كافياً للإبلاغ عن تغيب إحدى إقاربه من الفتيات، يُعتقد أيضاً أنه يمكن أن يلحق الضرر بهنّ. فقد سبق وتم توثيق حالات احتجاز وقائي لنساء في سجن الجويدة في حال كنّ عرضة لخطر جرائم الشرف.
وقالت آرونز: “هذا التبرير لم يكن مقبولاً أبداً،” لأنه وفقاً للقانون الدولي، فإن الاحتجاز الوقائي يمثل انتهاكاً لحقوق الشخص إلا في حالة وجود معايير معينة، على سبيل المثال عندما يوافق الفرد على ذلك.” وأضافت أنه بات من الصعب أكثر فهم ذلك منذ افتتاح دار آمنة لإيواء النساء، حيث يمكن وضع النساء بدلاً من البقاء في السجن رهن الاعتقال الإداري.
وعلى الرغم من الصورة الكئيبة عموماً، أشارت آرون إلى أن دار آمنة هي واحدة من عدد من الخطوات الإيجابية التي تم اتخاذها في أعقاب الدعوة المستمرة من قبل منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك منظمة “مجموعة القانون من أجل حقوق الإنسان” (ميزان)، التي افتتحت المأوى مع وزارة التنمية الاجتماعية في يوليو 2018.
وعلاوةً على ذلك، يعتبر إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات الذي يُتيح للمغتصب التهرب من العقوبة بالزواج من الضحية إصلاحٌ آخر مرحب به.
تعدّ دار آمنة خطوةً متقدمة بعيداً عن السجن، إذ تقدم للنزيلات هناك الرعاية الصحية والسكن والتدريب المهني وغيرها من الخدمات بالإضافة إلى دعم الحلول طويلة الأمد ليتمكنّ من مغادرة المنشأة. كما يُسمح للنساء برعاية أطفالهنّ معهنّ حتى سن السادسة، كما قامت وزارة التنمية الاجتماعية، وفقاً لتقرير منظمة العفو الدولية، بجمع اثنتين من الأمهات في الملجأ مع أطفالهن.
وعلى الرغم من أن تعليمات الملجأ واضحة، إلا أنه وفقاً لآرون لا تحترم هذه التعليمات دوماً. فعلى سبيل المثال، لا يسمح دوماً للنساء بمغادرة الملجأ بالرغم من أن بروتوكول الملجأ ينص على ذلك. كما أنه من غير الواضح ما إذ كانت النساء غير المتزوجات سيتمكن من الاحتفاظ بأطفالهن بمجرد المغادرة.
ومع ذلك، فإن الدلائل على وجود إرادة سياسية أكبر لحماية حقوق المرأة آخذة في الظهور، ففي منتصف سبتمبر 2019، تم إيواء 75 امرأة في دار آمنة، 44 منهن غادرن.
في الوقت الحالي، لا تزال العديد من القوانين تتطلب إصلاحاً، بما في ذلك قانون الأحوال الشخصية، الذي تعتبره الأمم المتحدة تشريعاً شديد التمييز.
وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “يجب على الحكومة الأردنية أن تعالج، على وجه السرعة، هذه الانتهاكات المشينة التي تناضل المنظمات النسائية الوطنية ضدها منذ عقود، بدءاً من الاستخدام المفرط للاحتجاز من قبل الحكام الإداريين (المحافظين) للمحافظات، وصولاً إلى نظام الوصاية التمييزي للذكور الذي يسمح بالقبض على النساء البالغات بسبب مغادرتهن المنزل من دون إذن.”