وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

جنوب لبنان: صراع الطّلّاب لإستكمال العام الدّراسيّ في خضمّ الاعتداء الإسرائيليّ

إن وضع الطّلّاب في جنوب لبنان مثير للقلق لأنه قد يؤدي على إمكانيّة التّفاوت الاجتماعيّ وعزل المنطقة أكثر فأكثر.

جنوب لبنان صراع الطّلّاب
صورة مأخوذة من قرية عيترون بجنوب لبنان تظهر الدخان يتصاعد في الأفق بالقرب من الحدود مع إسرائيل. وكالة فرانس برس

دانا حوراني

تطمح آية قاروط، البالغة من العمر 18 عامًا، أن تصبح صيدلانيّة، ولم يبقَ أمامها إلّا إنهاء عامها الدّراسيّ الثّانويّ الأخير قبل الالتحاق بإحدى الجامعات ومتابعة التّخصّص الّذي ترغب به.

غير أنّ الطّريق إلى تحقيق طموحاتها قد انقطع فجأة.

تعيش عائلة قاروط في قرية ميس الجبل اللّبنانيّة الواقعة على الحدود بين لبنان وإسرائيل. ولقد ترك الجيش الإسرائيليّ مجتمعها منكوبًا، بعد أن دمّر العديد من المنازل والأعمال التّجاريّة، وسبّب الضّرر لبناها التّحتيّة، وسمّم حقولها الزّراعيّة بقنابل الفسفور الأبيض.

حثّ ذلك عائلة آية على النّزوح إلى قرية شقرا، الّتي تبعد قليلًا عن الحدود. أمّا مدرستها، ومثلها الكثير في جنوب لبنان، فلجأت إلى التّعليم عن بُعد، بخاصّة في البلدات الحدوديّة والقرى المهدّدة بالقصف أو الواقعة عند نقاط قصف محوريّة. وبحسب تقرير من اليونسيف، أغلقت 58 مدرسة ومراكز تعليم أبوابها نتيجة للعنف، وذلك أثّر على أكثر من 20000 طالب.

سبّب ذلك مشاكل عديدة للطّلّاب، بخاصّةٍ من نزحت عائلاتهم وخسروا مصدر دخلهم الثّابت. كما أصبح الاتّصال بالإنترنت، وخدمة الواي فاي، والبيانات المتنقّلة، وحتّى الحواسيب المحمولة والهواتف الذّكيّة، من النّفقات الإضافيّة الّتي تعجز الكثير من العائلات عن تحمّلها.

وبحسب آية، لم تحمِ الدّولة حقوق الطّلّاب في جنوب لبنان وتصُنها بشكلٍ مناسبٍ، جاعلة بذلك صراعهم أقسى.

قالت آية لفنك: “نحن لسنا في حالة طبيعيّة، بل بوضع خارج عن الطّبيعة يحتاج إلى حلول فوريّة واستثنائيّة.”

في العاشر من تشرين الأوّل، قرّر وزير التّربية والتّعليم في الحكومة اللّبنانيّة لتصريف الأعمال، عبّاس حلبي، إغلاق المدارس القريبة من الحدود الجنوبيّة لأسباب أمنيّة. فبدأت وزارة التّربية والتّعليم والتّعليم العالي بخطّة تعليميّة طارئة تُدعى “التّعليم المرن”، وتتضمّن فتح 10 مدارس و10 مراكز تدريب.

إلّا أنّ مع اقتراب نهاية السّنة والامتحانات النّهائيّة، بدأت آية تفقد الأمل في ردّ مناسب بخصوص سنتها الأخيرة في المدرسة.

عام من الخوف والقلق

حمل هذا العام تغيرات جمة في حياة آية، ففيما كانت تدرس بسهولة وسلام في بيتها خلال انتشار جائحة كوفيد-19 عام 2020، بعد إغلاق المدارس ونقل الدّروس عبر شبكة الإنترنت، إلّا أنّ هذه المرّة ليست في منزلها والقلق يجتاحها في كل أوجه حياتها.

عبّرت عن قلقها قائلة: “كيف يمكنك التّركيز عند سماع القذائف تضرب؟ الخوف موجود دائمًا، ولا تدري متى قد تتلقّى خبر وفاة فرد من العائلة أو الأصدقاء.”

تشدّد على أنّ زملاءها في الصّفّ يشاركونها التّجربة نفسها. فبعضهم يجد صعوبة في الاتّصال بخدمة الواي فاي أو البيانات المتنقّلة لحضور الحصص الدّراسيّة، والبعض الآخر يواجه يأسًا حادًّا أو داء القلق المعمّم، منشغلين بهما عن هذا العام المحوريّ.

في لبنان، يُختَتم العامين التّاسع والثّاني عشر (الصفّ الأخير من المرحلة الثّانويّة) بامتحان الدّولة الرّسميّ، الموحّد بين المدارس سامحًا للطّلّاب بالانتقال إلى المرحلة التّالية من التّعليم، وهي في وضع آية المرحلة الجامعيّة. في 2020، أثناء بداية الجائحة، ألغيت امتحانات الصفّ الثّاني عشر، ومُنح الطّلّاب إفادات. أمّا في الأعوام الّتي تلت ذلك، فأُجريت الإمتحانات.

في أواخر شهر نيسان، أعلن حلبي إلغاء امتحانات الصّفّ التّاسع دون إصدار أيّ قرار في ما يخصّ طلّاب الصّفّ الثّاني عشر، وآية تجد ذلك غير عادل.

وتساءلت: “أين ستجري الامتحانات؟ أيّ مدارس؟ أليس من الخطر إجراء امتحانات في المدارس في المناطق الجنوبيّة حيث القصف يستمر دون توقفٍ؟” مسلّطة الضّوء على عجز بعض الطّلّاب عن الوصول إلى قاعات الامتحانات المعيّنة بسبب النّزوح أو الصّعوبات الماليّة الّتي تؤثّر على قدرتهم على تأمين المواصلات.

تشير أيضًا إلى عدم استفادة الطّلّاب من هذا العام الدّراسيّ نتيجة تعقيدات عديدة: الاتّصال المتقطّع بالإنترنت في لبنان يشكّل تحدّيًا للطّلّاب تتضاعف حدّيّته حين يفقد المعلّمون اتّصالهم بالإنترنت ويضطرّون إلى تأجيل الحصص الدّراسيّة. إضافة إلى ذلك، غالبًا ما هو من المستحيل التّركيز في خضمّ جوّ من العنف المستمرّ عند الحدود.

وأضافت: “يتوقّعون منّا أيضًا الذّهاب إلى المكتبات لطباعة الموادّ الدّراسيّة بأنفسنا، وذلك يستهلك وقتًا كبيرًا ومالًا وفيرًا.”

منذ الانهيار الاقتصاديّ عام 2019، وحالة المؤسّسات العامّة اللّبنانيّة إلى تدهور مستمرٍ، مغرقة الشّعب في الفقر ومؤثّرة بشدّة على المدارس الرّسميّة الخاصّة بالدّولة. أعلن عمّال القطاع العامّ، بمن فيهم المعلّمون، الإضراب ردًّا على الانخفاض الكبير لقيمة رواتبهم نتيجة تراجع قيمة العملة اللّبنانيّة بنسبة 98 في المئة مقابل الدّولار الأميركيّ. أدّى نقص التّمويل الخاصّ بالنّظام التّعليميّ إلى إغلاق العديد من المؤسّسات التّربويّة على امتداد السّنوات الثّلاثة الأخيرة، فتفاقم عدد الطّلّاب الّذين اقتلعوا من نظام التّعليم الرّسميّ، وفي بعض الأحيان، أجبروا على العمل.

بالنّسبة إلى آية، شكّلت السّنوات الّتي تلت جائحة كوفيد-19 ضربة قاضية لجودة التّعليم.

وقالت: “لم نتعلّم شيئًا” مشدّدة على أنّ هذا العام، بشكل خاصّ، كان الأصعب، إذ بدت لها العقبات لا متناهية والحلول ضئيلة.

تفاوت في المعاناة

على الرّغم من التّأثير الكبير للحرب على الجنوبيّين، تعتقد آية أنّ التّحدّيات لم تكن موزّعة بإنصاف، فالعديد من العائلات تمكّنت من إرسال أولادها إلى مدارس بديلة، وفسّرت أنّ “المدارس الخاصّة مجهّزة للدّروس عبر الإنترنت بشكلٍ أفضل من المدارس الرّسميّة.”

آلاء رمّال، البالغة من العمر 19 عامًا، والمتحدّرة أصلًا من بلدة عديسة المتأثّرة بشدّة بالحرب، نزحت إلى القماطيّة في جبل لبنان قضاء عاليه منذ بداية الاشتباكات. وكونها طالبة في الجامعة اللّبنانيّة الدّوليّة فرع النّبطيّة، عجزت عن حضور حصصها الدّراسيّة شخصيًّا.

قالت آلاء لفنك: “عرضت الجامعة حصصًا دراسيّة عبر الإنترنت مرّة واحدة فقط وفشلت في توفير الحلول”، مضيفة أنّها اضطرّت إلى الدّراسة بمفردها في المنزل مع مساعدة بعض الزّملاء أحيانًا.

خسرت آلاء أكثر من شهر من الحصص الدّراسيّة قبل أن ترتّب أمر انتقالها إلى فرع بيروت لإكمال الفصل الدّراسيّ الخريفيّ. لكنّها لم تتمكّن من الالتحاق بالفصل الدّراسيّ الرّبيعيّ بسبب الأعباء المادّيّة الإضافيّة النّاتجة عن نزوحها.

وقالت: “تعاملت مع الموضوع كفترة استراحة من الإجهاد والقلق النّاتج عن أخبار الحرب الحديثة ومخاوفي المستمرّة. لم يكن أمامي خيارًا آخر.”

وعلى الرّغم من خسارة عائلتها لبعض الأصدقاء المقرّبين، تقول أنّهم ما زالوا متفائلين، “هدفنا العودة إلى منازلنا وقرانا، على الرّغم من الصّعوبات الجمّة في إعادة بناء حياتنا في وسط كلّ هذا الدّمار.”.

أضافت أنّ حزب اللّه كان يؤمّن المساعدات الماليّة للتّخفيف من حدّة الضّغوطات في هذا المجال. إلّا أنّ آية تسلّط الضّوء على غياب الدّعم للطّلّاب بخاصّة من قبل وزارة التّربية والتّعليم.

وقالت: “منذ حوالى ثلاثة أشهر مضت، اتّصلت بي الوزارة ووعدت بإعطاء الطّلّاب دفعة لمرّة واحدة بقيمة 20$ لكلّ طالب، لكنّها لم تنفّذ وعدها.”

أعلن وزير الاتّصالات أيضًا في أوائل أيّار أنّ طلّاب جنوب لبنان سيحصلون على 20 جيغابايت من البيانات المتنقّلة المجّانيّة، لكنّ هذا الوعد أيضًا لم ينفَّذ.

تأمل آية أن تلغي الوزارة الامتحانات الرّسميّة أو تسهّلها بعض الشيء، وتقترح منح طلّاب الجنوب دخولًا مجّانيًّا إلى منصّة “شاطر“، وهي مساحة تعليميّة مبتكرة عبر الإنترنت، أطلقتها الوزارة لدعم التّعلّم.

لا يمكن لآية ولا لآلاء التّخطيط لمستقبلهما التّعلّميّ، إذ غلبه قلقهما حيال سلامتهما، وأمن منزليهما، وسرّاء محبّينهما. تخاف آية من ألّا يتمّ قبولها في الجامعات الّتي تقدّم المستوى التّعليميّ الّذي ترغب فيه، فيما تجد آلاء صعوبة كبيرة في تصوّر مستقبلها في علوم الحاسوب في خضمّ الاضطرابات المستمرّة النّاتجة عن تطوّر الحرب.

الطّلّاب في الخطوط الأماميّة

شهدت الأسابيع الماضية موجة من الاجتماعات الطّلابيّة المؤيّدة لفلسطين في الجامعات على صعيد البلد، تطالب بالشّفافيّة الماليّة وتدعو إلى تجريد المؤسّسات ذات الصّلة بإسرائيل من استثماراتها.

في أوائل أيّارتجمّع المئات من الطّلّاب في حرم العديد من الجامعات في لبنان، حاملين العلم الفلسطينيّ بفخر ومعبّرين عن مطالبهم.

تلت هذه الاحتجاجات مظاهرات عالميّة أكبر حصلت في الأسبوع الّذي سبقها، حيث ثابر الطّلّاب وسط العنف والقمع. هذه الموجة العالميّة من الاحتجاجات الطّلّابيّة لمناصرة فلسطين تؤكّد على الدّعوة إلى إنهاء الإبادة الجماعيّة الّتي شنّتها إسرائيل على غزّة ودامت سبعة أشهر.

اكتسبت هذه التّحرّكات زخمًا كبيرًا، بخاصّة في حرم الجامعات الأميركيّة، حيث قُبض على أكثر من 2000 شخص -في تاريخ كتابة هذا المقال-لمشاركتهم في المظاهرات. وتحديدًا، شهدت المخيّمات الاحتجاجيّة في جامعة كولومبيا، وهارفرد، وكاليفورنيا، ولوس أنجلس، وغيرها، تدخّلات ملحوظة للشّرطة. ففي جامعة كولومبيا وحدها قبضت، الشّرطة على 282 شخصًا هدّدهم المدراء بالتّعطيل المؤقّت.

تاليا قطّورة، رئيسة النّادي العلماني في الجامعة الأميركيّة في بيروت (AUB)، وإحدى المنظّمين المحلّيّين للاحتجاجات قالت لفنك إنّ مطالب المحتجّين تتضمّن الشّفافيّة الماليّة في ما يتعلّق باستثمارات الجامعة الأميركيّة في بيروت ومقاطعة مؤسّسة هيوليت باكارد الّتي توفّر التّكنولوجيا والخدمات للجيش الإسرائيليّ.

قالت قطّورة: “ما زلنا ننتظر ردًّا من الإدارة”، وأفادت بأنّهم سيلجأون إلى التّصعيد إذا ظلت الإدارة غير مستجيبة.

وأكملت: “سنواجه الإدارة مباشرة ونأمل أن نلهم الجامعات الأخرى بأن تحذو حذونا. إنّه واجبنا كطلّاب مناصرة فلسطين ونرفض إسكاتنا فيما تحصل الإبادة جليّة.”

شدّدت قطّورة على مسؤوليّة الطّلّاب ذوي الامتيازات، بخاصّة الّذين يعيشون في مناطق آمنة مثل بيروت، الانخراط في الخطاب السّياسيّ والتّوعية حول الفظائع المستمرّة، بخاصّة في جنوب لبنان إذ لا تعيره وسائل الإعلام اهتمامًا كافيًا.

وأضافت: “ليست الجامعات أماكن للتّعلّم فقط، إنّما فسحات للتّعبير الثّقافيّ والاجتماعيّ والسّياسيّ، وللنّموّ والتّوعية. ففيها تتشكّل الأجيال الّتي ستترك أثرًا في المجتمع.”

ثمّ سلّطت الضّوء على احتمال توسّع هذه التّحرّكات إلى خارج الحرم الجامعيّ حاشدة مجتمعًا أوسع لدعم فلسطين.

تشعر قطّورة بالقلق حيال وضع الطّلّاب في جنوب لبنان، منبّهة إلى إمكانيّة أن يؤدّي ذلك إلى تفاقم التّفاوت الاجتماعيّ وعزل المنطقة أكثر فأكثر. عُرف جنوب لبنان تحت الحكم العثمانيّ بـ”جبل عامل” وتميّز بالفقر، والعزلة، والعدوان من الدّولة العثمانيّة والدّول المحلّيّة المجاورة.

ونبّهت أخيرًا إلى أنّ: “التّاريخ قد يعيد نفسه ومستقبل الطّلّاب وفرصهم في الحياة لا تزال على المحكّ. ويتوجب علينا اتّخاذ الإجراءات.”