يمكن مقارنة حقوق الإنسان في المغرب، وهي دولة ذات نظام ملكي دستوري، من منظورين، داخلي وخارجي.
في المنظور الأول، قطعت حقوق الإنسان في المغرب شوطاً كبيراً منذ “سنوات الرصاص” في عهد الملك الحسن الثاني في سبعينات وثمنينات القرن العشرين، مما أدى إلى خسائر فادحة في الأرواح وعمليات الخطف والتعذيب وسوء المعاملة والتي تعدّ أسوء مرحلة شهدت إنتهاكاتٍ لحقوق الإنسان في المغرب بعد الإستعمار.
بدأت الدولة الحدّ من قبضتها الحديدية والشروع في الإنفتاح التدريجي في التسعينات، أي قبل “الربيع العربي”. توّج هذا الإنفتاح بدخول الإشتراكيين التاريخي إلى السلطة والذين تأثروا بإنتهكات حقوق الإنسان في العقود الماضية، فضلاً عن تتويج الملك الجديد عام 1999.
وفي أوائل القرن الوحد والعشرين، انتعش المجتمع المدني وانتشرت المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان (على سبيل المثال، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان)، وحقوق المرأة، وحقوق الأمازيغ (البربر)، وحقوق الصحراويين المغاربة، وحقوق الإسلاميين، والتي شكّلت علامة فارقة لبداية القرن الواحد والعشرين. من ناحية أخرى، هدأت المشادات الفكرية الحادة بين العلمانيين والإسلاميين في أوائل التسعينيات. كما سُنت العديد من الإصلاحات عام 2004 مثل قانون الأسرة وحرية التعبير. وتم إنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان الممول من قِبل الحكومة التي واصلت التحقيق في إدعاءات الإختفاء اللاإرادي والقسري. كما بات يزخر بالمساعدات الموصى بها مثل المساعدة المالية، والرعاية الصحية، والتوظيف، والتدريب المهني، فضلاً عن إنشاء المشاريع المجتمعية التي من شأنها توليد الدخل. حسّن هذا المجتمع المدني الحيوي حقوق الإنسان وعزز الثقة بين الشعب والسلطة.
فاجأت الثورات التي اشتعلت عام 2011 في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المغرب وأثرت بشكل كبير على أوضاع حقوق الإنسان، التي انتقلت من تسريع الديمقراطية إلى العودة التدريجية للوضع السابق. وصدر دستور جديد، وفي عام 2012 أستُبدل الإشتراكيون في الحكومة بالإسلاميين، وانحسر السرور الأولي بخيبة أمل كبيرة حيث استبدلت مكاسب حقوق الإنسان بعودة الإحباط وعدم الثقة بين المواطنين والسلطات.
الواقع على الأرضع
وعلى الرغم من الإصلاحات القوية لحقوق الإنسان المنصوص عليها في دستور عام 2011، إلا أنّ الممارسات على أرض الواقع أبعد ما تكون عن تنفيذ التشريعات كما تنتظر العديد من القوانين القمعية المراجعة. وعلاوة على ذلك، فقد ارتكبت انتهاكات مختلفة لحقوق الإنسان على أيدي قوات الأمن، بما في ذلك التفريق الوحشي للمتظاهرين من قبل الشرطة، واستخدام القوة المفرطة في قمع الاحتجاجات السلمية، وسوء المعاملة من قبل الشرطة للمهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. فضلاً عن ذلك، فإن حرية التجمع وحرية التعبير محدودة، وحرية الضمير لا تزال غير موّثقة بشكل واضح، ولا يزال القضاء غير مستقل. ولا بد للسلطات من السيطرة بفعالية أكبر على قوات الأمن وفرض احترام سيادة القانون.
وتظهر التقارير المختلفة أن الاحتجاز السابق للمحاكمة يتجاوزالفترة المسموح بها من قبل القانون، كما تحتاج الأضاع في السجون إلى تحسين.
ولم يتم تطبيق التكافؤ والمساواة بين الجنسين بعد، ولا تزال بعض الممارسات مثل عمالة الأطفال وخاصة في القطاع غير الرسمي، والاتجار بالبشر، والفساد، والإفلات من العقاب سائدة، على الرغم من إحراز بعض التقدم.
وما زالت هناك مشاكل متعددة تتعلق بالتمييز ضد المرأة. إذ تختلف حصة المرأة المسلمة من الميراث، والتي تحددها الشريعة (القانون الإسلامي)، باختلاف الظروف ولكنها أقل من الرجل. وبموجب الشريعة الإسلامية، تحصل الإناث على نصف ما يحصل عليه الذكور. وإذا ما كانت المرأة الطفل الوحيد للعائلة، تحصل المرأة على النصف، في حين يحصل الأقارب على النصف الآخر، بينما يرث الذكر الوحيد التركة بأكملها. ومع هذا، لا يتناول الدستور على وجه التحديد قانون الميراث.
وبالنظر إلى الصورة بشكل أكثر شمولية وبالأخذ بعين الإعتبار الإضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لربما تعتبر المغرب البلد الوحيد التي تنعش الآمال بتطبيق الديمقراطية وحقوق الإنسان. إنّ حقيقة الشروع بالإصلاح في هذه المجالات قبل فترة من إنتفاضة المنطقة يساهم في إحياء الآمال، إلا أنّ الفقر وارتفاع معدلات البطالة، والمخاوف الأمنية التي تلوح بالأفق تزيد من تعقيد هذه المسألة.
على أرض الواقع وعلى مستوى صنع السياسات، لا يزال نهج الدولة في مجال حقوق الإنسان يركز على الأمن. ولا زال الأمر يتطلب المزيد من الجهد على الصعيد الإنساني والإجتماعي والتعليمي. كما تحتاج حقوق الإنسان إلى أن تكون أكثر وضوحاً في الكتب المدرسية والكُتيبات الإرشادية، بالإضافة إلى المنزل. بالإضافة إلى ذلك، يبرز دور المثقفين في هذا السياق أكثر من أي وقتٍ مضى، إذ يمتلكون رؤيا طويلة الأمد قد تساعد في توظيف حقوق الإنسان في السياق الإجتماعي بشكلٍ عام.
ولعل الحاجة الأكثر إلحاحاً هي تنفيذ دستور عام 2011، على الرغم من أن الأخير مهدّ الطريق أمام حقين غاية في الأهمية من حقوق الإنسان، ألا وهما الاعتراف بالمساواة والتكافؤ بين الجنسين (المادة 19) والاعتراف غير المسبوق بالأمازيغية (البربر) كلغة رسمية (المادة 5)، إلا أنهما لم يدخلا حيز التنفيذ بعد.