أسرت قصة إبراهيم الحسين، وهو لاجىء سوري من ذوي الاحتياجات الخاصة ممن شارك كسباحٍ في دورة الالعاب البارالمبية في ريو دي جانيرو في العام الماضي، مخيلة الجمهور في جميع أنحاء العالم. فقد الحسين ساقه اليمنى في انفجار قنبلةٍ في عام 2013، حيث تمكّن من الفرار إلى تركيا ومن ثم إلى اليونان، حيث حصل على اللجوء واستأنف مشواره في عالم السباحة، الذي كان قد توقف بسبب الحرب وإصابته.
ولكن لا يزال العديد من السوريين المعاقين من إصابات الحرب دون رعايةٍ كافية، سواء في سوريا أو في الخارج.
وحسب بعض التقارير، يبلغ عدد السوريين الذين أصيبوا بإعاقاتٍ نتيجة الإصابات الناجمة عن الحرب الأهلية، مئات الآلاف. كما ذكر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وهي جماعة معارضة للنظام، أنه في عام 2014 أصيب 270 ألف سوري بإعاقاتٍ دائمة بسبب النزاع. وقالت هيئة الإغاثة السورية، التي توفر أطرافاً اصطناعية داخل سوريا، أن 30 ألف شخص فقدوا أطرافهم في الحرب.
كما وجدت دراسة أجرتها منظمة الإعاقة الدولية في عام 2014 بين النازحين داخلياً في سوريا أن حوالي نصف أولئك الذين تمت مقابلتهم يعانون من إصاباتٍ جديدة تتعلق بالحرب، منهم 60% أصيبوا بسبب القصف بالقنابل والمدافع. كما قدرت المنظمة أنّ “عشرات الآلاف” من هذه الإصابات في الحرب تتطلب تركيب جبائر لتقويم العظام وأطرافاً اصطناعية وعلاجاً طبيعياً.
ووجدت دراسة منفصلة أجرتها عام 2014 منظمة الإعاقة الدولية والرابطة الدولية لمساعدة المسنين بين اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان، أنّ 30% منهم يحتاجون نوعاً من الرعاية الصحية الجسدية أو النفسية المتخصصة، في حين أن واحد من كل عشرين شخصاً عانى من “إصابة كبيرة،” حيث أن 80% من هؤلاء تعرضوا للإصابة كنتيجةٍ مباشرة للصراع في سوريا.
فقد دُمرت المستشفيات وغيرها من المرافق الطبية داخل سوريا، في كلٍ من حلب وإدلب وأماكن أخرى. كما أغلق ما يُقدر بـ58% من المستشفيات و49% من مراكز الرعاية الصحية الأولية في سوريا أو باتوا يعملون بشكلٍ جزئي منذ يناير 2016، وذلك وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
وغالباً ما تجعل خطوط الصراع الوصول إلى المرافق الصحية المتبقية أمراً صعباً، كما تُمنع منظمات الإغاثة من التنقل بحرية إلى المجتمعات التي هي في أشد الحاجة إليها.
وتُشير منظمة الصحة العالمية أنّ “القيود الصارمة المفروضة على الوصول إلى الرعاية الصحية تؤدي إلى تحول إصابات الكثير من الناس إلى إعاقاتٍ لمدى الحياة، الأمر الذي يمكن منعه إن لم تجري الأمور على هذا النحو.” ففي العديد من الحالات، تعرض المرضى لبترٍ في الأطراف لعدم تمكنهم من الوصول إلى المستشفى في الوقت المناسب.
تركز بعض البرامج داخل سوريا على الأشخاص الذين أصيبوا بإعاقاتٍ بعد تعرضهم لإصاباتٍ في الحرب. توفر منظمة الصحة العالمية وبعض المنظمات الأخرى مثل المشروع الوطني السوري للأطراف الصناعية، أطرافاً اصطناعية للأشخاص الذين يعانون من بترٍ ما، على سبيل المثال. ومع ذلك، وبسبب نفس الظروف التي تحول دون الوصول إلى المرافق الصحية بشكلٍ عام، فإن العديد من المرضى غير قادرين على الاستفادة من هذه البرامج.
كما وجدت منظمة الإعاقة الدولية أنّ “نسبة كبيرة من أولئك المتضررين من الإصابات يفتقرون إلى الرعاية الكافية، بما في ذلك الحصول على الدعم لإعادة التأهيل البدني لتجنب تفاقم الحالة الصحية ذات الصلة بالإصابة، والتخفيف من احتمال تطوير إعاقاتٍ دائمة.”
ففي الأيام الأولى من الحرب، سافر العديد من السوريين ذهاباً وإياباً إلى الدول المجاورة لتلقي العلاج الطبي، أو في بعض الحالات، تم إجلاء المصابين للحصول على الرعاية الطارئة، إلا أنّ هذا أصبح اليوم أكثر صعوبة، ذلك أن تركيا ولبنان والأردن قد أغلقوا حدودهم إلى حدٍ كبير.
ويتضمن تقريرٌ صادرٌ عن منظمة دعم لبنان، اللبنانية غير الحكومية، تقارير عن مرضى غالباً ما عبروا الحدود بين سوريا ولبنان للحصول على الرعاية في السنوات الأولى من الصراع. ومنذ أن أغلق لبنان فعلياً حدوده بوجه اللاجئين السوريين في أكتوبر2014، لم يعد هذا الخيار متاحاً.
وحتى وقتٍ قريب، كان يتم إجلاء المصابين السوريين من محافظة ردعا، جنوب البلاد، إلى الأردن للرعاية الجراحية الطارئة ويُنقلون إلى مستشفى تديره منظمة أطباء بلا حدود في مدينة الرمثا، شمال غرب الأردن. ومع ذلك، أغلقت الحكومة الأردنية حدودها مع سوريا في يونيو 2016، في أعقاب هجومٍ إنتحاري على حدودها مع سوريا مما أسفر عن مقتل أربعة جنودٍ أردنيين، وضابط شرطة، وضابط في الدفاع المدني.
واعتباراً من ديسمبر 2016، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود أنّ 70 من الجرحى السوريين على الأقل، منهم 16 طفلاً، منعوا من الدخول إلى الأردن لتلقي العلاج الطبي، وأنّ بعض المرضى الذين منعوا من الدخول لقوا حتفهم.
وفي أعقاب القصف المكثف على شرق حلب في أواخر العام الماضي، تمت أولى عمليات الإجلاء الطبي للجرحى المدنيين المحاصرين في المناطق المحاصرة من المدينة في 15 ديسمبر. ومن بين الـ811 شخصاً الذين تم إجلاؤهم، نُقل حوالي 100 منهم إلى مستشفياتٍ في تركيا للحصول على رعايةٍ طبية متخصصة، ونقل الآخرون إلى مرافق في في المقاطعات الريفية الغربية من حلب وإدلب.
وفي كثيرٍ من الحالات، حالت الإعاقات دون فرار الأشخاص من الصراع. ولكن بالنسبة للاجئين الذين أصيبوا بإعاقاتٍ وتمكنوا من الفرار خارج سوريا، تختلف نوعية الرعاية التي يتلقونها وفقاً لهيكلية نظام الرعاية الصحية في كل بلدٍ مضيف.
ففي معظم الحالات، لم تكن أنظمة الرعاية الصحية في البلدان المضيفة للاجئين السوريين، حتى بالتزامن مع مساعدات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، قادرةً على تلبية احتياجات اللاجئين المصابين بالإعاقات.
توفر المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية الكراسي المتحركة، والأجهزة الاصطناعية والعلاج الطبيعي للاجئين داخل البلدان المضيفة- بما في ذلك لبنان والأردن وتركيا- ولكن لا يدرك جميع الناس، ممن هم بحاجة، أو يستطيعون الوصول إلى هذه الموارد.
فقد أشار تقييمٌ لأوضاع الرعاية الصحية للاجئيين السوريين في لبنان، الذي صدر عن مركز ترشيد السياسات الصحية في الجامعة الأمريكية في بيروت أنّ “العديد من المنظمات تشارك في تقديم مساعدات مالية، وإنسانية ومساعدات غذائية ورعاية صحية للاجئين السوريين، إلا أن هناك ضعف بالتنسيق بينها مما أدى إلى إزدواجية الأنشطة، والتوزيع غير العادل للمساعدات على اللاجئين التي لا تقوم على أساس احتياجات اللاجئين.”
وأشار التقرير أيضاً إلى أن نظام الرعاية الصحية اللبناني المخصخص والمجزأ، كان أقل تجهيزاً للتعامل مع تدفق اللاجئين من أنظمة الرعاية الصحية العامة في كلٍ من تركيا والأردن. ومع ذلك، ترزح أنظمة الرعاية الصحية في تلك البلدان أيضاً تحت ضغوطاتٍ، مما دفع الأردن إلى فرض رسومٍ جديدة على الرعاية الطبية للاجئين في نوفمبر 2014.
وعلى صعيدٍ متصل، تعرض علاج اللاجئين المصابين بإعاقاتٍ في المخيمات في اليونان لإنتقاداتٍ جمة في تقريرٍ صدر مؤخراً عن منظمة هيومن رايتس ووتش. فقد ذكرت إحدى السيدات التي تبلغ من العمر 85 عاماً وتستخدم كرسي متحرك في أحد مخيمات اللاجئين في مدينة سالونيك أنها لم تستحم منذ قرابة الشهر بسبب عدم قدرتها على الدخول إلى المرافق.