وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لبنان والأردن : حدودٌ مغلقة في وجه اللاجئين السوريين

Syrian refugees Kafar Kahel Lebanon
ملجأ مؤقت وجده اللاجئون السوريون في لبنان (Photo World Bank)

أغلقت لبنان حدودها أمام اللاجئين الفارين من براثن الحرب الأهلية في سوريا، بعد أن أثقل كاهلها بتدفق أكثر من مليون ونصف نازح منذ بداية الأزمة في مارس 2011.

أعلنت لبنان رسمياً عدم استقبالها اللاجئين السوريين منذ أكتوبر 2014، باستثناء بعض الحالات الإنسانية. وبالتالي، يلجأ بعض اللاجئين إلى دفع الرشاوى لمسؤولي نقاط العبور، في حين يدخل آخرون عبر الحدود التي يسهل اختراقها.

فرضت القيود على طول الشريط الحدود الشمالي بين لبنان وسوريا في أغسطس الماضي، ومن ثم شملت في سبتمبر معبر المصنع، الحدود الرسمية للبلاد مع سوريا من الجهة الشرقية.

ومنذ إعلان ذلك القرار، لم يسبق أن اعتمد لبنان قط سياسة إغلاق الحدود في وجه العائلات السورية التي تطلب اللجوء، ولكن مع دخول الصراع السوري عامه الرابع، لم يعد بمقدور لبنان تحمّل هذه الأعداد المهولة من تلقاء نفسه.

يستضيف لبنان حالياً أكثر من 1,1 مليون لاجىء سوري، وفقاً لمفوضية شؤون اللاجئين (UNHCR)، وفي حين تُشير التقديرات غير الرسمية إلى أنّ الأعداد تقارب 1,8 مليون لاجىء، ترزح البلاد التي يبلغ تعدادها السكاني 4 ملايين نسمة فقط تحت ضغوطات كبيرة.

وضع هذا التدفق البنية التحتية المنهكة للبلاد في دائرة الاختبار، فضلاً عن خلقه توترات سياسية وأمنية. وفي أغسطس المنصرم، عبرت الجماعات المسلحة السورية، ومن بينها تنظيم “داعش” المتطرف وجبهة النصرة، إلى بلدة عرسال على الحدود اللبنانية الشرقية، مما أدى إلى اندلاع اشتبكات مع عناصر الجيش اللبناني أسفر عنها عشرات القتلى. احتجز المتطرفون أثناء انسحابهم من المنطقة نحو 30 من عناصر القوى الأمنية اللبنانية كرهائن، حيث تم منذ ذلك الحين إعدام أربعة أفرادٍ منهم. تسبب هذه الأزمة المستمرة المزيد من الضغوطات المتمثلة في خلافات بين بعض المواطنين اللبنانيين واللاجئين السورين، الذين يتهمون بدعم تنظيم “داعش” والنصرة.

حثت المفوضية العليا للاجئين، بشكلٍ منتظم، المجتمع الدولي مدّ يد العون قدر المستطاع إلى لبنان لمواجهة تدفق اللاجئين. كما دعت المفوضية الدول الأخرى فتح أبوابها أمام السوريين الفارين من الصراع في بلادهم لتخفيف العبء عن لبنان وغيرها من الدول المجاورة.

ومنذ مارس 2011، فر أكثر من ثلاثة ملايين سوري من بلادهم، حيث التجأ غالبيتهم إلى كلٍ من لبنان والأردن وتركيا والعراق.

يُعتبر لبنان أحدّ أصغر البلدان من حيث المساحة في المنطقة، ويتحمل العبء الأكبر لهذه الأزمة الإنسانية، إذ يُعادل عدد اللاجئين السوريين المُقيمين في لبنان حوالي 30% من السكان المحليين.

بلغ إجمالي الخسائر 17,1 مليار دولار

زادت الأعداد المتفاوتة من اللاجئين السوريين، بشكلٍ كبير، الضعوطات على البنية التحتية والقدرات المحلية المحدودة للبلاد وعلى الاقتصاد ككل. ووفقاً لمعهد التمويل الدولي (IIF)، من المتوقع أنّ ينمو الاقتصاد اللبناني بنسبة 1,5% عام 2014، مقارنةً بمعدلات النمو بنسبة 0,9% عام 2013، و1,6% عام 2012. وعلى سبيل المقارنة، بلغ متوسط معدلات النمو في لبنان حوالي 8% في الفترة بين عامي 2007-2010، أي قبل بدء الأزمة السورية.

واليوم، تبقى التوقعات الاقتصادية عرضة لشكوك كبيرة، طالما استمر الاقتتال في سوريا والاضطرابات السياسية في المنطقة. توقع معهد التمويل الدولي الخسائر في الناتج الكلي للاقتصاد بما قيمته 1,7 مليار دولار أمريكي بين عامي 2011 و2014، الذي عادل ما نسبته 8,9% من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي للبلاد خلال تلك الفترة.

كما تتجلى الضغوطات على المستوى المالي. ومن المتوقع أن يصل العجز مستوى مرتفع تاريخي بقيمة خمسة مليار دولار بنهاية عام 2014، مقارنةً بعجز عام 2011 البالغ 2,2 مليار دولار. يعدّ هذا العجز نتيجة التكاليف الإضافية التي تكبدتها الدولة بإيواء اللاجئين السوريين.

في قطاع التعليم على سبيل المثال، تم تسجل 100,000 طالب سوري، مقارنة بـ350,000 طالب لبناني. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ النظام الرعاية صحية مشبع ويتكبد تكاليف إضافية. ولم تعد المستشفيات في لبنان، لا سيما غرف الطوارىء، تمتلك القدرة على التعامل مع العدد المتزايد من المرضى، فضلاً عن تزايد حالات شلل الأطفال ومرض الزهري بين اللاجئين السوريين، ومثالاً على ذلك، بلغت تكلفة علاج المرضى السوريين في مستشفى رفيق الحريري الحكومي وحده، ستة ملايين دولار على مدى السنوات الثلاث الماضية.

اضطهاد مزدوج

لم يلقى القرار الرسمي الذي اتخذته الحكومة اللبنانية ترحيباً من قبل السوريين، وبخاصة الذين يدعمون حركة التمرد ضد النظام السوري. وفي تعقيب الائتلاف الوطني السوري على قرار الإغلاق، أكدّ تفهمه لقرار الحكومة، إلا أنه يخشى، بالنظر إلى الوضع الديموغرافي والقدرات اللبنانية المحدودة، وجود اعتبارات أخرى خفية وراء كواليس مثل هذا القرار، كالاتهامات التي طالت السوريين بدعمهم “داعش” وغيرها من الجماعات الإرهابية. اعتبر الائتلاف الوطني السوري هذا اضطهاداً مزدوجاً للسوريين، ذلك أنه “اتهام غير صحيح” ولأن السوريين سيُمنعون، بموجب هذه التهمة الباطلة، من التماس اللجوء في بلد مجاور، وهو حق يكفله القانون الدولي.

إغلاق الأردن أيضاً الحدود في وجه اللاجئين

Zaatari
صورة جوية لمخيم الزعتري في الأردن (Photo US Department of State)

لا تُلقي أزمة اللاجئين السوريين بظلالها فقط على لبنان، بل قررت السلطات الأردنية أيضاً إغلاق حدود البلاد أمام اللاجئين الجدد، بالرغم من عدم الإعلان رسمياً عن هذا القرار كما حصل في بيروت. وأشار الملك عبدالله الثاني، ملك الأردن، إلى أنّ تدفق اللاجئين السوريين شكل ضغطاً على الموارد المحدودة لبلاده. ومع ذلك، انخفض عدد اللاجئين الذين دخلوا الأردن من سوريا من 2,000 لاجىء تقريباً في اليوم منتصف عام 2013، إلى بضع مئات في اليوم حتى بداية أكتوبر 2014، إلى أنّ انقطع تماماً. ويتواصل دخول الجرحى والنساء والأطفال إلى الأردن، إلا أنّ أعداد أولئك الذين يدخلون البلاد تخضع لتقييم الأمن في الميدان. ووفقاً للسلطات الأردنية، فإن البلاد التي تستضيف أكثر من 1,5 مليون لاجىء سوري (أو 620,000 وفقاً لتقديرات المفوضية العليا للاجئين)، منهكة واستفذت كامل قدراتها على مساعدة اللاجئين.

يحتاج الأردن لخمسة مليار دولار، وفقاً للخطة الوطنية لـ2014-2016، لمعالجة الآثار المترتبة على تدفق اللاجئين السوريين. كما تأثر النظام التعليمي الأردني تأثراً شديداً بسبب انضمام أكثر من 140,000 طالب سوري إلى المقاعد الدراسية، حيث باتت المدارس تعاني من الاكتظاظ مما دفع وزارة التعليم إلى تشغيل المدارس على فترتين صباحية ومسائية.

ومنذ بداية الأزمة، ازداد عدد اللاجئين السوريين الذين يسعون للحصول على خدمات صحية بنسبة 25%، في حين ارتفعت نسبة إجراء العمليات الطبية في المستشفيات الحكومية الأردنية إلى 600%.

وعلى الرغم من أنّ الآثار الاقتصادية غالباً ما يُشار إليها باعتبارها المحرك الرئيسي وراء القرار الذي اتخذه الأردن، يعتقد البعض أنه يرجع إلى أسباب سياسية وأمنية. في الواقع، يُشارك الأردن في الغارات الجوية التي شنها التحالف الدولي ضد “داعش”، ويعتقد محللون أنّ التهديدات بزعزعة أمن المملكة من قِبل “داعش” وجماعات إسلامية أخرى، دفعت الحكومة إلى تشديد الرقابة على الحدود.