في 27 سبتمبر 2018، تم إطلاق النار على تارة فارس، وهي نجمة عراقية شابة على مواقع التواصل الاجتماعي وعارضة أزياء، في بغداد. كانت تبلغ من العمر 22 ربيعاً فحسب، وهي رابع امرأة تقتل في العراق منذ شهر أغسطس، وسط مخاوف متزايدة تجاه سلامة النساء اللواتي لا يخشين من التعبير عن أنفسهن في المجتمع المحافظ في البلاد.
أطلق مسلحون مجهولون النار على تارة فارس ثلاث مراتٍ في وضح النهار أثناء قيادتها سيارتها برفقة صديقها، الذي هرع بها إلى المستشفى، إلا أنها وصلت بعد فوات الأوان. فقد كانت الشابة، المُقيمة في أربيل، تمضي المزيد من الوقت في العاصمة العراقية من أجل مشوارها المهني. أصبحت تارة ظاهرةً على وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن فازت بلقب ملكة جمال بغداد في عام 2014، ولها أكثر من 2,7 مليون متابع على انستغرام. وفي اليوم السابق لمقتلها، حصلت على لقب أشهر نجوم وسائل التواصل الاجتماعي في العراق.
وقال عمر منير، وهو مصورٌ يعيش في بغداد وصديقٌ لتارة، لصحيفة نيويورك تايمز: “كانت جميلةً ولطيفةً للغاية، إذ أرادت أن تكون سعيدة وأن تعيش حياتها كباقي العالم: دون أي قيودٍ أو كراهية.” وأضاف “لكن هنا في العراق، لا يوجد قبولٌ لحرية الآخرين.” كانت توصف تارة بالحرة والجريئة، فقد كانت تحب الموضة، وقيادة سيارتها المكشوفة والتواصل مع الناس. ومع ذلك، لم تكن صورتها تتناسب مع صورة المرأة العراقية التقليدية المتواضعة، إذ كانت أماً عزباء مطلقة تزوجت في سن السادسة عشرة ولكنها كانت ترتدي التنانير القصيرة وتضع الماكياج في صورها التي نشرتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
في حين قالت نبراس المعموري، رئيسة منتدى الصحفيات العراقيات لصحيفة نيويورك تايمز: “هذا ليس بالأمر الجديد، ولكن أن يصل الأمر إلى مستوى القتل المباشر أمام الناس هو أمرٌ خطير.” وتابعت “ما حدث لتارة فارس كان مقيتاً.” وقعت الجريمة بعد يومين فقط من مقتل الناشطة العراقية في مجال حقوق المرأة سعاد العلي في البصرة أثناء انتظارها في سيارة مع سائقها، الذي يعتقد أنه زوجها، والذي أصيب هو الآخر. كانت تبلغ من العمر 46 عاماً وأم لأربعة أطفال. فقد كانت البصرة في الآونة الأخيرة مسرحاً لمظاهراتٍ حاشدة ضد الفساد وقطع الكهرباء ونقص المياه النظيفة. وعلى الرغم من الخطر – تم إحراق المباني الحكومية والسفارات وقتل 12 شخصاً على الأقل من قبل الأجهزة الأمنية والجماعات المسلحة في سبتمبر – إلا أن العلي كانت واحدةً من النساء الرئيسيات المشاركات في المظاهرات، التي عادةً ما يُهيمن عليها الرجال.
فقد أصدرت المنظمة الحقوقية التي تُعنى بحقوق الإنسان، مركز الخليج لحقوق الإنسان، بياناً قالت فيه: “يدين مركز الخليج لحقوق الإنسان، بأقوى العبارات، حادثة اغتيال الدكتورة سعاد العلي، ويعرب عن قلقه العميق إزاء الوضع الخطير للمتظاهرين السلميين الذين ُينتهك حقهم في حرية التجمع، وكذلك لمدافعي حقوق الإنسان في العراق، بمن فيهم المحامون والصحفيون والمدونون الذين يواصلون عملهم بشجاعة بمواجهة الخطر.”
ولكن في هذه الحالة، قد تكون هذه سلسلةً من جرائم القتل التي تستهدف النساء اللواتي لهنّ وجود قوي في المجال العام، حيث توفيت امرأتان غيرهما في ظروفٍ غامضة في أغسطس أيضاُ. فقد عثر على رفيف الياسري ورشا الحسن، اللتان تعملان في عالم التجميل في العراق، متوفيتين في منازلهما بشكلٍ منفصل، بحسب موقع كردستان 24. الفارق بين الوفاتين أسبوعٌ واحدٌ فقط. وقال حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي بالوكالة، إن الوفيات ليست أحداثاً عشوائية، ووعد بمطاردة المهاجمين. ووفقاً لوزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي، فإن جماعةً متطرفة مسؤولة عن مقتل تارة فارس، على الأقل.
كانت كلتا المرأتين تتحدثان بصراحة عن استقلالية النساء وكانتا تدافعان عن معايير الجمال “الغربية.” الدكتورة رفيف الياسري، جراحة تجميل شهيرة حملت لقب “باربي العراق،” كانت تبلغ من العمر 32 عاماً وتتحدث بانتظام عن النساء اللاتي يحصلن على استقلالهن من خلال تغيير مظهرهن، ويزعم أنها توفيت بسبب جرعة زائدة من الأدوية. وبعد مرور أسبوع، عُثِر على رشا الحسن، وهي خبيرة تجميل معروفة، ميتة داخل منزلها، حيث قيدّت وفاتها “لأسباب مشبوهة.”
تتحدث منظمات حقوق المرأة عن الوضع في العراق باعتباره يُشبه مطاردة الساحرات. وقالت زينب صلبي، وهي مواطنة عراقية تقود منظمة “نساء من أجل النساء الدولية” في واشنطن،”النساء يتعرضن للضرب في الشمال والغرب وفي الوسط. في كل مكان. نحن نعيش مطاردةً حديثة للساحرات.” في حين قالت نبراس المعموري، رئيسة منتدى الصحفيات العراقيات، إن استهداف النساء المعروفات في العراق قد “ازداد بشكلٍ كبير.”
وقالت زينب، البالغة من العمر 39 عاماً، لصحيفة الغارديان: “إن العدد الهائل من الرسائل التي قرأتها على وسائل التواصل الاجتماعي جعلتني أشعر بالاشمئزاز.” وتابعت القول “يقولون: إنهم يستحقون ما حصل لهم بسبب تصرفاتهم.” وأضافت أن عمليات القتل الأخيرة للنساء في العراق جعلتها تخاف من الكشف عن اسم عائلتها.” حتى أن حيدر زوير، وهو موظفٌ في التلفزيون العراقي الحكومي، كتب على وسائل التواصل الاجتماعي أن تارة فارس كانت “عاهرة.”
ومن الجدير بالذكر أنه في العراق، لطالما كانت النساء ضحايا صراعاتٍ عديدة. كما أنهن معرضاتٍ بشكلٍ كبير لخطر العنف المنزلي: وفقاً لدراسة أجريت عام 2012 من قبل وزارة التخطيط العراقية، تعاني حوالي 36% من النساء العراقيات المتزوجات من إساءة المعاملة النفسية من أزواجهن، بينما تواجه 23% منهن الإساءة اللفظية، و6% يعانين من العنف الجسدي، و9% هنّ ضحايا للعنف الجنسي. كما أن جرائم الشرف أيضاً جزءٌ من هذا العنف ضد المرأة. وبالإضافة إلى انعدام الأمن في البلاد وعدم الاستقرار السياسي والأزمة الاقتصادية، أدى عدم وجود قوانين لحماية ضحايا العنف المنزلي إلى ارتفاع أرقام العنف المنزلي عن عام 2010. وحالياً، يراجع البرلمان العراقي مشروع قانونٍ لمكافحة العنف المنزلي، الذي تم تقديمه في عام 2015. ولكن من المحتمل أن يكون تمرير القانون أمراً غايةً في الصعوبة، حيث أعرب بعض أعضاء البرلمان عن مخاوفهم من أن مشروع القانون قد يتعارض مع المبادىء الإسلامية.
وعلى الموقع الإخباري Rudaw، كتبت إحدى المدافعات عن حقوق المرأة واسمها زيلمان زي والي: “كانت النساء في العراق ضحايا مؤسسيات للصراعات الدينية الطائفية، والشريعة الإسلامية، والتقاليد الثقافية، وحتى الدستور العراقي. لإنهاء هذا الاتجاه المتنامي والخطير، يجب على الحكومة العراقية تنفيذ تدابير جادة ضد الاستهداف المنتظم للنساء أو مراكز التجميل المعروفة أو الشهيرة باسم الدفاع عن “شرف” بلدٍ أو مدينة أو قبيلة أو عائلة. يجب على النسويات في العراق أن يستيقظن لأن التعاطف لا يكفي. يجب أن يتصرفوا ويتحدثوا علانية بحيث لا تتكرر مثل هذه الفظائع.”
نتائج التحقيق ضرورية حيث من الممكن استهداف المزيد من نساء العراق في الأسابيع المقبلة. وبالرغم من انتشار الخوف، إلا أن النساء العراقيات على استعدادٍ للتحدث ومواجهة التحدي. فعلى سبيل المثال، قالت شيماء قاسم، التي انتخبت ملكة جمال العراق عام 2015، في مقطع فيديو منشور على موقع يوتيوب، إنها تلقت رسالة تقول إنها “ستكون التالية.” ولا تزال تتحلى بالشجاعة لتظهر أمام العامة وتتحدث عن التهديدات ومشاعرها تجاهها.