وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السلاح وأسعار الوقود ملف يطغى على ملف حقوق الإنسان في لقاء السيسي وماكرون

لقاء السيسي وماكرون
الرئيس الفرنسي ماكرون يصافح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (إلى اليمين) لدى وصوله إلى قصر الإليزيه في باريس في 22 يوليو / تموز 2022. لودوفيك مارين / وكالة الصحافة الفرنسية

جاستن صالحاني

في يوليو الماضي، زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي باريس سعيًا إلى توطيد العلاقات الأمنية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وقد انتقد النشطاء الحقوقيون اللقاء الذي همّش فيه ماكرون ملف حقوق الإنسان والحريات في المنطقة لصالح صفقات السلاح وتوفير وقود أحفوري بأسعار معقولة.

وحاول الإليزيه احتواء انتقادات المدافعين عن حقوق الإنسان وذكر في بيانه: “كجزء من حوار الثقة بين فرنسا ومصر، تطرق الرئيسان إلى مسألة حقوق الإنسان”.

وبينما كان الرئيسان يتجاذبان أطراف الحديث في قصر الإليزيه في باريس، كانت سجون مصر تعج بنحو 60 ألف معتقل سياسي. ومن بين هؤلاء الكاتب والناشط المصري البريطاني علاء عبد الفتاح الذي أضرب عن الطعام منذ أبريل.

ونشرت أخته منى سيف تغريدة على تويتر قالت فيها: “ما زلنا لا نملك دليلًا يثبت أن علاء على قيد الحياة، ولا نعرف شيئًا عن صحته النفسية والجسدية. علاء يعيش في صندوق أسود هو سجن السيسي. لا نعرف ماذا يمكننا أن نفعل”.

وحين تولى ماكرون منصبه لأول مرة عام 2017، أعلن عن اهتمامه بأن يكون ملف حقوق الإنسان من محددات السياسة الخارجية. ولكنه سرعان ما وطد علاقاته بمختلف أنواع الحكام المستبدين في العالم العربي.

وفي ديسمبر 2020، منح ماكرون السّيسي وسام جوقة الشرف ، وهو أرفع وسام فرنسي، ما أثار انتقادات منظمات حقوق الإنسان والمدافعين عن الديمقراطية.

ولم يهتم ماكرون كثيرًا بما يعانيه النشطاء السياسيون والمعتقلون ظلمًا. ومن بين هؤلاء رامي شعث الناشط المصري الفلسطيني الذي تنازل عن جنسيته المصرية مؤخرًا حتى تطلق السلطات المصرية سراحه ليلحق بزوجته في فرنسا.

كما التقى ماكرون محمد بن زايد حاكم الإمارات في يوليو الماضي. واعتُبرت الإمارات دولة “غير حرة” وفقًا لتصنيف منظمة فريدوم هاوس حيثُ أتى تصنيفها مُتدنيًا نسبة  لحفظ الحقوق السياسية والحريات المدنية. وتحاول الإمارات استعمال قوتها الناعمة لتروّج لنظامها باعتباره نظامًا ليبراليًا متسامحًا، في الوقت الذي يخضع فيه الكثير من الحقوق، بما في ذلك حرية التعبير، لرقابة صارمة، وتتعرض لانتهاكات عدة من النظام مثل الاحتجاز التعسفي والترحيل. لكن ذلك لم يؤثر على إتمام صفقة أسلحة بقيمة 18 مليار دولار بين فرنسا والإمارات في ديسمبر الماضي أو منح محمد بن زايد وسام جوقة الشرف أيضًا.

أمّا لبنان الذي يُعد بلدًا “حرًا جزئيًا” وفقًا لتصنيف فريدوم هاوس، فلا يعاني حالة القمع والاضطهاد التي تشهدها مصر أو الإمارات. لكن ماكرون ما يزال يتعاون مع الطبقة السياسية الفاسدة التي أدخلت البلاد في واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية منذ منتصف القرن التاسع عشر، بدلًا من التعاون مع رموز الإصلاح والثورة. ويبدو أن ماكرون لا يهتم بدعم التغيير الذي يطمح إليه الشعب، بل يسعى إلى الحفاظ على استقرار زائف أو استمرار الوضع الراهن على الأقل، حتى لو كان مآل الوضع الراهن مميتًا  بالنسبة لكثيرمن اللبنانيين.

وليس ماكرون استثناءً بين قادة الغرب الذين يقوضون نضال الناس في سبيل الكرامة والحرية في الشرق الأوسط. فنظيره الأمريكي جو بايدن زار إسرائيل والسعودية في جولته في الشرق الأوسط التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة. وبينما زعم بايدن أن جولته تركز على الأمن الإقليمي، اتضح أن لخطته أهدافًا أخرى.

وفي إسرائيل، قال بايدن إنه صهيوني دون اكتراث لمعاناة الشعب الفلسطيني في ظل نظام الفصل العنصري. وقد التقى بايدن شخصيات في السلطة الفلسطينية، والتي يراها العديد من الفلسطينيين فاسدة لا يُرجى  منها شيء، في محاولة لتحسين العلاقات، بعد ما حدث في عهد ترامب. لكن بايدن دعا إلى إجراء تحقيق نزيه في مقتل الصحفية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة.

وفي السعودية، التقى بايدن محمد بن سلمان وتصافحا “بقبضة اليد” في أول لقاء يجمع بينهما. وكان بايدن قد صرح سابقًا، مثل ماكرون، بأنه سيركز على ملف حقوق الإنسان ويجعل المملكة دولة منبوذة. وقال البيت الأبيض إن حديث بايدن مع محمد بن سلمان تطرق إلى ملف حقوق الإنسان بما في ذلك مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي كان يقيم في الولايات المتحدة.

ومع ذلك، شنّت إسرائيل هجمات عسكرية على غزة بعد ساعات من مغادرة بايدن.

وعلى صعيد آخر، تستعد مدينة شرم الشيخ لاستضافة مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP27) في سبتمبر المقبل. واختيار مصر لاستضافة هذا المؤتمر لا يبشر بخير لمستقبل المناخ والحرية في المنطقة، فهي دولة استبدادية لها علاقات قوية مع الأنظمة القمعية الأخرى المنتجة الوقود الأحفوري.

من المؤسف أن صفقات السلاح وأسعار الطاقة سوف تتسبب في تنازل قادة الغرب عن القيم التي يدّعون التمسك بها. وتفسير ذلك يرجع إلى المواطنين أنفسهم، فهم ينشغلون بالقوة الشرائية وأسعار الوقود على حساب حقوق الشعوب التي تعاني القمع تحت حكم الأنظمة الاستبدادية في بلاد مثل مصر والسعودية والإمارات.

فتلك الشعوب المقهورة رهينة الوقود الأحفوري، ولن تنتهي معاناتها طالما بقيت أوروبا والولايات المتحدة يعتمدان على الغاز والنفط  ويسعيان إليهما بأسعار معقولة من الأنظمة الاستبدادية.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء الكاتب الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.