وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السجن أداة سياسية: قضية علاء عبد الفتاح نقطة في بحر

قضية علاء عبد الفتاح
الناشط والمدون المصري علاء عبد الفتاح يجرى مقابلة في منزله بالقاهرة. خالد دسوقي / وكالة الصحافة الفرنسية

جاستن صالحاني

أعلن الناشط والكاتب المصري علاء عبد الفتاح إضرابه عن الطّعام في الأول من أبريل الماضي احتجاجًا على ظروف احتجازه. وعلاء عبد الفتاح من أبرز الناشطين والمدونين المؤيدين للديمقراطية، الذين اكتسبوا شهرة كبيرة في وسائل الإعلام إبان المظاهرات الحاشدة في يناير 2011 في ميدان التحرير التي أطاحت بنظام حسني مبارك بعد حكمه للبلاد نحو 30 عامًا. ومنذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سُدة الحكم عام 2014، صار علاء رهن الاعتقال أو الاحتجاز.

وبينما كان علاء في السجن في ديسمبر 2021، أصدرت محكمة جنح أمن الدولة العليا  حكم طوارئ في حقه وذلك بالسجن خمس سنوات بتهمة “نشر أخبار كاذبة“. وقد شنّ النشطاء الحقوقيون هجومًا كبيرًا في انتقاد هذا الحكم بعدما اعتبرت المحكمة تغريدة نشرها علاء دليلًا لإدانته.

وقد استعمل نظام السيسي السجن وسيلةً سياسية لعقاب آلاف المعارضين.

وقال فيليب لوثر، مدير البحوث وكسب التأييد للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية في تقرير صادر عن المنظمة عام 2021 بشأن الظروف القاسية التي يتعرض لها السجناء، إن “سلطات السجون تستهدف بعض السجناء بعينهم لمعاقبتهم على معارضتهم المفترضة للحكومة أو انتقادهم لها”.

وتستهدف السلطات المصرية المعارضين السياسيين بطرقٍ تعسفية، بتهمٍ على سبيل “نشر أخبار كاذبة” أو “الانضمام لجماعات إرهابية”. وقد بلغ عدد المعتقلين السياسيين في مصر منذ عام 2013 نحو 65 ألف معتقل، وذلك وفقًا لتقرير صادر عن المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP) في يوليو 2021. لكن السلطات المصرية ترفض الكشف عن الأرقام الرسمية. وبمجرد دخولهم السجن، يقاسي المعتقلون – الذين غالبا ما يكونون من الشباب المثقف – ظروفًا قاسيةً تصل إلى درجة التعذيب، وذلك وفقًا لمنظمات حقوق الإنسان.

ولا يقتصر استهداف النظام على المعارضين السياسيين فحسب، إذ استهدفت السلطات المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي بما في ذلك عشرات النساء منذ عام 2020 ذلك بتهمة “الاعتداء على قيم الأسرة المصرية”. وبالإضافة إلى تهمة “الإتجار بالبشر”، إذ صدر حكم بالسجن ثلاث سنوات ضد حنين حسام وست سنوات لمودة الأدهم. وفي أبريل الماضي، اعتقلت السلطات ثلاثة رجالٍ عُرفوا باسم “ظرفاء الغلابة” بعد نشرهم مقاطع مصّورة ساخرة على تيك توك وانتقادهم لارتفاع تكاليف الحياة وأسعار المواد الأساسية، وقد أدى اعتقالهم إلى موجة ِغضبٍ عارمةٍ على وسائل التواصل الاجتماعي.

ورغم ارتفاع عدد السجون في عهد السيسي بنسبة أكبر من 33%، فإنها تكتظ بالمعتقلين حتى إن السلطات قد اضطُرت إلى وضعهم مع معتقلين من تنظيم الدولة الإسلامية وجماعات متطرفة أخرى، فقًا لما ذكره تقرير المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية. وتفيد بعض المزاعم بأن سجناء تنظيم الدولة الإسلامية يستغلون السجون في تجنيد أعضاء جدد. كما أن التركيز الأكبر لسلطات السجون فينصبُّ على المعارضين السياسيين حتى إن اهتمامها بمعتقلي الإخوان المسلمين أكبر من الجماعات المتطرفة الأخرى مثل تنظيم الدولة.

وقال لوثر: “مسؤولو السجون يبدون استخفافًا كبيرًا بأرواح وسلامة السجناء المكدَّسين في السجون المصرية المكتظَّة، ويتجاهلون احتياجاتهم الصحية إلى حدٍّ كبير”. وأضاف: “ويلقون على عاتق أهالي السجناء أعباء جمّة كإمدادهم بالأدوية والطعام والمال اللازم لشراء الأساسيات مثل الصابون وغيرها، ولا يكتفون بذلك فحسب بل يتسببون في معاناة إضافية لهؤلاء السجناء بحرمانهم من تلقي العلاج الطبي الكافي أو من نقلهم إلى المستشفيات في وقت مناسب”.

وقال رامي شعث، المعتقل السياسي المصري الفلسطيني الذي أُطلق سراحه في يناير بشرط التخلي عن جنسيته المصرية، لفرانس 24 إن الظروف المعيشية في السجون المصرية جعلت السجناء “يتعفنون في الجحيم”.

وقد تُوفي مئات السجناء منذ عام 2013 بعد حرمانهم من الرعاية الطبية اللازمة وفقًا لما رصدته جماعات حقوقية مصرية. ويرى خبراء أن السلطات المصرية لا يمكنها التذرع بالجهل لتبرير هذه الظروف.

وأضاف لوثر: “هذا التقصير الفادح في أداء الواجب من جانب مسؤولي السجون يحدثُ بعلمِ محققي النيابة، وأحيانًا بتواطؤ منهم، وذلك في غياب أي إشراف مستقل”.

ولم يكترث نظام السيسي لهذه الأوضاع، بل اعتبرها محض معلومات وشائعات مضللة. وقد أنكرت وزارة الداخلية المصرية إضراب علاء عبد الفتاح عن الطعام، وادّعت امتلاكها فيديو يثبث مزاعمها. ومع ذلك ترفض الداخلية إطلاع عائلة علاء أو محاميه على الدليل المزعوم.

ورغم كل ذلك، دأب الرئيس عبد الفتاح السيسي على التنصل من مسؤوليته عما يحدث. فقد ألقى السيسي في يناير الماضي اللّوم على جماعات حقوق الإنسان وهجومها على مصر وتزييفها الحقائق على حد زعمه. كما تبرّا من المسؤولية بإلقاء اللّوم على القضاء. لكن تقرير المعهد الألماني ينفي مزاعمه مؤكدًا أن “السلطة القضائية في مصر لا تحظى بأي استقلال على عكس ما يردده النظام”.

لم تمرّ مصر في تاريخها الحديث بحقبة أسوء من التي تعيشها الآن. ومع ذلك، دبّ بريق أمل في نفوس بعض النشطاء على خلفية عدد من التطورات التي حدثت مؤخرًا. فقد أطلق نظام السيسي للمرة الأولى سراح 41 معتقلًا سياسيًا في أبريل الماضي محاولًا جذب المعارضين إلى حوار وطني. وعادة ما يُطلق سراح المعتقلين في عيد الفطر ثم في عيد تحرير سيناء، لكن هذه هي المرة الأولى التي يُدرج فيها المعتلقون السياسيون في هذا الإفراج.

ويرى بعض النشطاء أن الخطوة المذكورة هي أول بادرة حسن نية من السيسي على مدار تسع سنوات، بالإضافة إلى استجابته لعقد حوار وطني للمرة الأولى.

وقد اعلنت السلطات المصرية في الشهور الأخير عن استراتيجية لحقوق الإنسان وعينت مجلسًا قوميًا لحقوق الإنسان ورفعت حالة الطوارئ السارية منذ 2017، وذلك وفقًا لما أفادته به تقارير صحفية. ورغم هذه التنازلات والإفراج عن المعتقلين السياسيين، يرى الكثير من المتابعين للشأن المصري أن هذه الاستراتيجية تهدف لتهدئة الغرب بشأن انتهاكات حقوق الإنسان.

وفي حديثه إلى رويترز، قال الناشط جمال عيد الذي يجري التحقيق معه على ذمة قضايا متعلقة بالتمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية، إن “الإجراءات محض خطوات شكلية، وهدفها الاستهلاك الإعلامي ولا تسعى إلى تحسين حقوق الإنسان في مصر”.

وكانت إدارة بايدن قد أعلنت تقديم 170 مليون دولار في صورة مساعدات عسكرية إلى مصر، لكنها علّقت 130 مليون دولار أخرى بسبب فشل الحكومة المصرية في معالجة ملف حقوق الإنسان. وبالتأكيد لم تقدّم القوى الغربية شيئًا يُذكر من أجل محاسبة السيسي.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد انتقد أوضاع حقوق الإنسان في مصر في بداية ولايته، ثم تراجع عن ذلك وقال إن مبيعات الأسلحة إلى مصر لن تكون مشروطة بحقوق الإنسان. ومن المقرر أن تستضيف مصر مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP27) في شرم الشيخ نهاية هذا العام. كما أخفقت المملكة المتحدة في اتخاذ خطوات جدية رغم حيازة علاء عبد الفتاح الجنسية البريطانية.

وتواصل السلطات المصرية منع السفارة البريطانية من زيارة علاء. وقد طالب عدد من أعضاء البرلمان البريطاني وزيرة الخارجية ليز تراس بالسعي في الإفراج عنه، ولكن لم يتغير أي شيء حتى الآن. وقد جرت آخر مكالمة بين رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والسيسي في أواخر مارس الماضي قبل أيام قليلة من إضراب علاء عن الطعام.

وقد قالت ليلى سويف والدة علاء لبي بي سي: “مسؤولية حياة ابني الآن تقع على عاتق بوريس جونسون وليز تراس”.

وفي السياق ذاته، وقّع أكثر من ألف من المشاهير بينهم ممثلون مثل جودي دينش، كاري موليغان، بيل ناي، مارك روفالو، وريز أحمد، وأوليفيا كولمان، على عريضة تحث تراس ونظيرها الأمريكي أنطوني بلنكين على استغلال “قوتهما الدبلوماسية” من أجل إطلاق سراح علاء.

وفي مايو الماضي، طالب نواب بريطانيون وسياسيون آخرون حكومة المملكة المتحدة بالتدخل في قضية علاء.

وفي هذا الأسبوع، أعلنت أخته منى سيف إضرابها عن الطعام تضامنًا مع أخيها.

ولا يعلم أحد إلى الآن إذا ما كانت هذه النداءات ستسفر عن جديد.