من المتوقع أن تجري ليبيا إنتخاباتٍ رئاسية وتشريعية بنهاية عام 2018، على الرغم من التحذيرات من عدم استقرار البلاد قط لإرسال الناخبين إلى صناديق الاقتراع. وتتمثل أكبر عقبةٍ في أن البلاد لا تزال تحت حكم الميليشيات، مما يعني أنه لا ضماناتٍ باحترام الفصائل المتنافسة لنتائج الانتخابات.
ففي غرب البلاد، لا تمتلك الحكومة المعترف بها دولياً، حكومة الوفاق الوطني، سوى سيطرةً شكلية على المدن والبلدات، أما في الشرق، فيحكم الجنرال خليفة حفتر وجيشه، الجيش الوطني الليبي، المنطقة بقبضةٍ من حديد. ومع ذلك، وبينما يدعم حفتر الإنتخابات، إلا أنه هدد بكل وضوح أنه سيعمل على استعادة البلاد بالقوة إن لم تعجبه النتائج.
بيد أن العديد من البلدان تؤيد إجراء الانتخابات لتأمين مصالحها على المدى القصير. وقال دبلوماسي غربي لهيئة الإذاهة البريطانية (بي بي سي) إن فرنسا واحدةٌ من الدول التي تضغط بشدة لإرسال الليبيين إلى صناديق الاقتراع. إذ قال “هناك وعيٌ بمدى خطورة عقد الانتخابات في وقت قريب.” وأضاف “ولكن علينا مواصلة العمل من أجل التوصل إلى حل.”
كما يؤيد غسان سلامة، مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، إجراء الإنتخابات إلا أنه يؤكد على ضرورة تلبية مجموعة من الشروط أولاً. وتتضمن خارطة الطريق التي ذكرها تخفيض عدد أعضاء المجلس الرئاسي المؤلف من تسعة أشخاص، والذي يرأس حكومة الوفاق الوطني إلى ثلاثة. ويريد بعدها عقد مؤتمرٍ وطني قبل التحضير لاستفتاءٍ على الدستور المقترح الجديد. كما أكد أن استكمال كل خطوة أمرٌ ضروري قبل اجراء الانتخابات.
من جانبه، كتب طارق المجريسي، وهو محللٌ ليبي وزميلٌ زائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في مقالٍ له في مؤسسة كارنيغي للسلام أن النخب السياسية تعوق خارطة طريق غسان سلامه لتحقيق مكاسب شخصية. بل إن مجلس النواب، الذي من المفترض أن يكون بمثابة الهيئة التشريعية لحكومة الوفاق الوطني، لم يسنّ قانوناً انتخابياً لتمهيد الطريق لإجراء استفتاءٍ دستوري. ويرجع ذلك إلى حدٍ كبير إلى أن عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، يخشى أن أي انتخاباتٍ تُعقد في ظل ليبيا دستورية ،سيحدّ من سلطاته.
إلا أن معظم الليبيين يؤكدون أن تبني دستور جديد أمرا لا بد منه قبل إجراء الانتخابات. وبهذه الطريقة، يمكن لليبيا، على الأقل، أن تمتلك خطةً قانونية لإعادة بناء المؤسسات الضعيفة. كما تشدد ليلى المغربي، وهي صحفية وكاتبة ليبية، على ضرورة نزع السلاح من الميليشيات لضمان عدم إغراق البلد في حالة من الاضطراب بعد التصويت على مستوى البلاد.
وقالت لفَنَك في هذا الصدد “تقف الميليشيات دوماً ضد الاستقرار.” وتابعت القول “لتشهد ليبيا انتقالاً سلمياً للسلطة، يتوجب علينا نزع سلاح الميليشيات وإنشاء جيش. عندها فقط يمكن للسلطات فرض نتيجة الانتخابات.”
تتفق هيومن رايتس ووتش مع ذلك. ففي بيانٍ صدر في 21 مارس 2018، حثت المجموعة الحقوقية ليبيا على عدم التعجل في إجراء الانتخابات.
وقال إريك غولدستين، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “لا يمكن لليبيا اليوم الابتعاد أكثر عن احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان، ناهيك عن الشروط المقبولة لإجراء انتخابات حرة. على السلطات أن تكون قادرة على ضمان حرية التجمع، تكوين الجمعيات، والتعبير لأي شخص يُشارك في الانتخابات.”
تمت حماية غولدشتاين بعد أن قام انتحاريون بتفجير أنفسهم في المكتب الرئيسي للجنة الانتخابية الليبية في طرابلس في 1 مايو، مما أسفر عن مقتل 12 شخصاً، حيث أعلن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” الذي لا يزال له وجودٌ في جنوب ليبيا، مسؤوليته عن التفجير.
وقع الهجوم بعد يومين فقط من اجتماع المجموعة الرباعية الدولية المعنية بالشأن الليبي- وهي مجموعة تضم جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة – في العاصمة المصرية القاهرة، للإعلان عن أن المناخ في ليبيا بات مناسباً لإجراء الانتخابات.
ومع ذلك، تشكك جميع الأطراف المهتمة بالحرب الأهلية في ليبيا في هذا التقييم. ففي المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي، لا يتمتع الناس حتى بحرية الإعلان عن نيتهم الترشح دون تعرضهم للإنتقام. ففي 4 يناير، قتل مسلحون مجهولون صلاح القطراني، وهو مسؤولٌ في قطاع التعليم، خارج منزله في إحدى ضواحي بنغازي، حيث وقع الاغتيال بعد أيامٍ من إعلان القطراني عن خطته لخوض الانتخابات البرلمانية.
بل إن ضمان الحرية أمرٌ بعيد المنال في أماكن أخرى في البلاد. تجلى ذلك بوضوح بعد اغتيال محمد الشتيوي، عميد بلدية مدينة مصراتة، غرب البلاد، في 18 ديسمبر 2017. وتعتبر مصراتة، التي تواكب الجماعات المسلحة فيها شكلياً حكومة الوفاق الوطني، واحدةً من أكثر المدن أمناً في البلاد.
كما قال سالم هاشم إسماعيل، وهو عضوٌ في مجلس النواب، إن ميليشياتٍ مختلفة تحاول تخريب خارطة الطريق إلى الانتخابات عن طريق اغتيال شخصياتٍ بارزة، مثلما فعلت في عام 2014. في ذلك الوقت، شهدت ليبيا موجة من الاغتيالات السياسية التي أدت إلى كارثة انتخابية في 25 يونيو. فقد حدثت أكبر عمليات القتل في يوم الانتخابات عندما اقتحم مسلحون منزل سلوى بوغاغي، وهي محامية بارزة في مجال حقوق الإنسان، وأطلقوا النار عليها لتشجيعها الليبيين على التصويت.
وقالت زهراء لانغي، إحدى مؤسسي منبر المرأة الليبية من أجل السلام، لمجلة زينيت الألمانية، إنها تحدثت مع بوغاغي عبر الهاتف قبل مقتلها بدقائق. وقالت إنها اتصلت ببوغاغي مباشرةً بعد نشرها صورة لها على الفيسبوك وهي تدلي بصوتها في بنغازي.
وقالت لانغي عن حوارهما “كانت [بوغاغي] مدركةً للمخاطر. فقد قالت لي، لا تقلقي يا زهراء، سأحزم أمتعتي وأسافر غداً.” وأضافت “إلا أني شعرت بخطبٍ ما. قلت لها، [سلوى]، كوني حذرة، قد تفعل [الميليشيات] أمراً جنونياً.”
ومع سعي العديد من أصحاب المصلحة إلى إجراء الانتخابات مرةً أخرى، قالت لانغي لموقع المونيتور الإخباري إن ليبيا قد تشهد دورة عنفٍ أسوأ من عام 2014. كما شددت على أن ليبيا بحاجة إلى الانخراط في عملية بناء الدولة قبل إرسال المواطنين إلى صناديق الاقتراع. ومن وجهة نظرها، لن يتحقق الاستقرار ما لم يتم حل النزاعات المحلية وتوحيد المؤسسات المجزأة. وقالت إنه بمجرد أن يحدث ذلك، يمكن أن تفكر الدولة في تبني دستورٍ جديد والإعداد لانتخابات حرة ونزيهة.
“إذا ما أجرت ليبيا انتخابات في نهاية عام 2018، فإنّ [ليبيا] ستكرر ارتكاب خطأ مروّع.” وأضافت “أنا متأكدة من أن الانتخابات لن تؤدي إلى انتقالٍ سلمي للسلطة.”