نشر موقع “Open democracy” مقالة تتناول العديد من التطورات التي تدل على إمكانية ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” من جديد. ويقوم صاحب المقالة بول روجرز، أستاذ قسم دراسات السلام في جامعة برادفورد، باستعراض ثلاثة تطورات أساسية في هذا المجال ابتداءً من إنشاء قاعدة في أفغانستان، ومروراً بعودة نفوذ التنظيم في غرب إفريقيا، ووصولاً إلى عودة التنظيم للظهور مؤخراً في العراق وسوريا. وينتقد روجرز في مقالته تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الانتصار على التنظيم، ناهيك عن انتقاده للطريقة الفاشلة التي يتعامل من خلالها الغرب مع مثل هذا النوع من الأزمات، خاصةً وأن هذه الطريقة تتمحور حول اللجوء لاستخدام القوة العسكرية لحل هذه الأزمة.
وسبق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الإعلان عن هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” في بدايات العام الماضي، إذ شدّد على انتصار الولايات المتحدة في الحرب والقضاء على دولة “الخلافة”. ويرى روجرز أن هذه الرؤية كانت سابقة لأوانها على أقل تقدير، وهو ما ثبت بالفعل في الوقت الراهن. وتظهر ثلاثة تطورات منفصلة على الأقل تشير إلى أن تنظيم “الدولة الإسلامية” في طريقه إلى إعادة تشكيل نفسه وتنويع أنماط وجوده.
ويتمثل أحد هذه التطورات التي جرت على مدار العام الماضي في إنشاء التنظيم لقاعدةٍ راسخةٍ ودائمة في إحدى المناطق الجبلية الواقعة شرق أفغانستان. وبحسب ما يشير إليه الكاتب في مقالٍ سبق له نشره على موقع “Open Democracy”، فإن هذه الخطوة ساعدت التنظيم على التمتع بقاعدة آمنة لأعضائه ويمكن استخدامها التخطيط للهجمات الخارجية.
ونفذّت القيادة المحلية للتنظيم بعضاً من أفظع التفجيرات الإرهابية في أحد أحياء كابول التي كان من المفترض أن تكون آمنة. وأحدث مثال على ذلك هو تفجيرٌ وقع في حفل زفاف مطلع الشهر الماضي غرب المدينة، وذلك في منطقةٍ تضم أعضاء من أقلية شيعة الهزارة التي يعتبرها التنظيم طائفةً مرتدة. ويقع هذا الموقع بالقرب من قصر دار الأمان الذي كان من المقرر احتفال الرئيس أشرف غاني فيه بالعيد الوطني بعد يومين من الحادث. ولم يكن القصر بعيداً عن مكان انفجار قنبلةٍ أخرى مطلع الشهر الماضي، حيث أسفر هذا التفجير عن مقتل 14 شخصاً وإصابة 145 بجروح، وذلك في هجومٍ استهدف أحد مقار الشرطة.
ويرى التنظيم في الوقت الراهن أن الفرصة باتت مواتية لتوسيع قاعدته في أفغانستان، نظراً لإصرار ترامب على عقد اتفاق مع طالبان، وإعلان النصر، وسحب الآلاف من القوات قبل إعادة انتخابه. كما يرى التنظيم في ذلك فرصةً لإزاحة العديد من الجماعات العسكرية المتشددة التابعة لطالبان، والبدء في رسم صورة للتنظيم باعتباره المعارضة الأفغانية “الحقيقية” فيما سيأتي عقب انتهاء المرحلة الأمريكية.
أما التطور الثاني الذي يدل على عودة التنظيم حسبما يرى الكاتب فهو سيطرته على بعض المناطق غرب إفريقيا، لا سيما شمال شرق نيجيريا، ناهيك عن امتداد نفوذه إلى العديد من المناطق الأخرى الموجودة في منطقة الساحل. ويحظى تنظيم “الدولة الإسلامية” بعلاقاتٍ مع الجماعات العسكرية الجهادية الموجودة في شمال إفريقيا واليمن والصومال وحتى في الفلبين، إلا أنّ منطقة غرب إفريقيا تعتبر حالياً المنطقة الأساسية لما يشهده هذا التنظيم من عمليات توسّع، وإلى الحد الذي يسمح بتأسيس تأسيس دولة “خلافة” صغيرة.
وجاء الردّ الغربي بدعم القوات المحلية والانخراط المباشر باستخدام الطائرات المسيرة والقوات الخاصة. وتأتي الولايات المتحدة وفرنسا على رأس هذا النوع من الأعمال، إلا أن ذلك لا ينفي ضلوع دولٍ أخرى فيها كبريطانيا. أما التطور الثالث على مستوى عودة التنظيم فيتمثل في المستجدات الأخيرة التي يشهدها كلٌّ من العراق وسوريا، وهذا التطوّر قد يكون الأكثر أهمية.
ويُعتبر هذا التطور مفاجئاً بالفعل نظراً إلى شدّة حرب “الظل” الجوية التي تم شنّها على تنظيم الدولة بين عام 2014 وأوائل عام 2018، خاصةً وأن هذه الحرب أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من أتباع التنظيم. وقد تكون لدينا دلائل ملموسة على اختفاء تنظيم “الدولة الإسلامية” من العراق وسوريا، إلا أن التنظيم ما يزال قادراً على شن هجماتٍ محلية وإن كانت ضعيفة. وتشير التقارير الصادرة مؤخراً عن الولايات المتحدة والأمم المتحدة أن البلدين يشهدان حالياً الكثير من التغييرات.
موارد تنظيم الدولة
لم يتمكن الغرب على سبيل المثال من قطع إمدادات التنظيم المادية. ويبدو أن التنظيم ما زال يتمتع بالقدرة على الوصول إلى حوالي 400 مليون دولار أمريكي، ويجري ذلك إما عن طريق مواقع آمنة في العراق وسوريا، أو في البلاد المجاورة. ويقوم التنظيم بجمع المال في شمال العراق عن طريق تهديد المزارعين بحرق محاصيلهم، كما أن له استثماراتٍ في أسواقٍ متنوعة وتتراوح بين مبيعات السيارات، وتربية الأسماك، وإنتاج القنب.
وما تزال هناك مناطق يبدي لها التنظيم قيمةً كبيرة ولا تخضع لسيطرة الحكومة المحلية في شرق سوريا وشمال العراق، لا سيما المناطق ذات الفائدة النوعية التي تقع في المناطق الحدودية بين المناطق الكردية من العراق وتلك التي تسيطر عليها الحكومة المركزية. وتعمل وحداتٌ صغيرة من التنظيم على نطاقٍ واسع في العراق تحديداً. ومنذ بداية هذا العام حتى نهاية شهر يونيو، وقع 139 هجوماً أسفرت عن مقتل 274 شخصاً في محافظات نينوى، وصلاح الدين، وكركوك، وديالى والأنبار بالعراق. واستهدفت العديد من الهجمات قوات الأمن المحلية وقواعدها، علماً بأن معظم القتلى كانوا من المدنيين.
وعلى الرغم من كل ما قاله ترامب من كلام حول الانتصار، فإن الجميع على قناعة بأن تنظيم “الدولة الإسلامية” لا يفتقر إلى الجنود. ففي الأشهر الأولى من توسع التنظيم بين عامي 2013 و2014، قدّرت مصادر أمريكية قوة التنظيم بما يتراوح بين 20 ألف إلى 30 ألف مقاتل، علماً بأن المصادر الكردية كانت على قناعة بأن هذه التقديرات أقل من الواقع بكثير. وعلى خلفية تقدير قيادة العمليات الخاصة الأمريكية لعدد الإصابات التي وقعت في صفوف التنظيم خلال حرب السنوات الأربعة الأخيرة بحوالي 60 ألف مقاتل، فإن التقييم الكردي يبدو الآن أكثر دقة. إلا أن النقطة الأساسية تمكن حالياً في تقدير مصادر الحكومة الأمريكية لقوة التنظيم في العراق وسوريا بنحو 18 ألف مقاتل، وذلك على الرغم من أن معظم هؤلاء المقاتلين يقبعون في خلايا نائمة.
ساحة تجنيد
يطرح روجرز هنا السؤال التالي: “ما مدى قوّة عودة التنظيم؟”، ليجيب بالقول: “سيكون الفيصل في ذلك هو قدرة التنظيم على التجنيد، وهو ما يفعله مع عشرات الآلاف من المقيمين في مخيمات النازحين، لا سيما في سوريا”.
وأحد أكبر مراكز التجنيد تلك هو مجمع سكني ناءٍ في بلدة الهول شمال شرق سوريا حيث اجتمع هناك ما يزيد عن أكثر من 70 ألف شخصاً أغلبهم من الأطفال واليافعين. وتعكف منظمة الصليب الأحمر على تقديم بعض المساعدة مع عددٍ من المنظمات غير الحكومية الأخرى، إلا أن القوات الكردية السورية التي تدير المجمع لا يمكنها تقديم ما يحتاج له الناس من مساعدة أو أمن. وبحسب ما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز” عن مصادر أمريكية، فإن “الهول تتحول إلى بؤرة أيديولوجية داعشية، وأرض خصبة للإرهابيين”.
وهنا لا بد من إضافة هذا الأمر إلى مستقبل حوالي 10 آلاف مقاتل من مقاتلي التنظيم الذين يقبعون في سجون مؤقتة ومنفصلة. كما يجب أن نذكر التأثير الواسع لهذا الأمر على عائلات وأصدقاء حوالي 60 ألف مقاتل قُتلوا في الحرب الجوية للتحالف، وهو ما قد يتبعه شعور بالغضب والرغبة في الانتقام في كل أرجاء المنطقة.
ويختم روجرز مقالته بالتالي: “بعد مرور ما يزيد عن عام على “انتصار” ترامب، بات من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن الحركة في حالة تحوّلٍ بمعدلٍ أسرع بكثير مما كان متوقعاً، حتى وإن سعى الرئيس الأمريكي في الوقت ذاته إلى سحب القوات من أفغانستان والعراق وسوريا. قد يربح الرئيس على المدى القصير بعض المزايا السياسية، وقد يساعد ذلك حتى في إعادة انتخابه، لكننا في الواقع نعيش في حالة هدوءٍ نسبي ضمن صراعٍ طويل للغاية، حتى لو بقي القادة الغربيون على قناعة بأن القوة العسكرية هي الإجابة الصحيحة على هذه الإشكالية رغم الفشل المستمر في مواجهتها منذ 19 سنة”.