نشر الصحفي البارز جيمس دورسي على مدونته الشخصية مقالاً سلّط فيه الضوء على أبعاد التحالف الذي تم توقيعه مؤخراً بين جمعية نهضة العلماء والتحالف الإنجيلي العالمي. ويقوم دوسي، وهو باحثٌ بارز في معهد الشرق الأوسط التابع لجامعة سنغافورة الوطنية، بالتعريج في مقالته على التغيرات التي طرأت على العلاقة بين فئتي المثقفين والشباب ورجال الدين، والتغيرات السياسية والدولية وبحث الحكام المسلمين عن قوة ناعمة دينية. ويوضح دورسي في المقال طبيعة التنافس المحموم على تفسير الدين وإنتاج شكل من الإسلام المعتدل يتلاءم مع نمط بعينه من الحكم.
واكتسب التحالف غير المسبوق الذي جمع بين المسلمين والإنجيليين أهمية كبيرة في عالمٍ تتعرض فيه حقوق الإنسان إلى هجمة شرسة، وتكتفي الجماعات الدينية بعقد شراكات سياسية وفكرية، ويُنتقد علماء الدين في بلاد المسلمين بشدة.
وبحسب دورسي، فإن التحالف قد يمثل منبراً لأصوات الشباب في العالم الإسلامي داخل الشرق الأوسط، علماً بأنهم يمثلون الغالبية العظمى من السكان ورفضوا مراراً الأنماط الدينية الشعائرية التي ترعاها الدول. ويضاف إلى ذلك أن هؤلاء لا يثقون بعلماء الدولة.
ويرى صاحب المقالة أن التحالف قد يشكل أيضاً فرصة لتشكيل أرضية مشتركة تجمع بين عناصر يمين الوسط العلماني ويسار الوسط حتى يتسنى لهم بناء قيم دينية مشتركة في بلادٍ تشهد استقطاب شديد بما في ذلك الدول الغربية.
وفي هذا السياق، تواصل دورسي مع مايكل دريسن، الباحث المختص في الشؤون الدولية والعلاقات الدينية. وبرأي دريسن، فإن التحالف الذي جمع مؤخراً بين التحالف الإنجيلي العالمي وجمعية نهضة العلماء الإندونيسية، وهي واحدة من أكبر منظمات المجتمع المدني الإسلامي إن لم تكن أكبرها، يُعد نمطاً من الشراكات بين الجماعات الدينية المختلفة التي تتجاوز أهدافها حماية الأقليات وتمتد إلى تعزيز التماسك الاجتماعي والأخوة.
وفي اجتماع نظمه منتدى الأديان في مجموعة العشرين عبر شبكة الإنترنت، وهي المجموعة التي تضم أكبر اقتصادات العالم، ألقت الباحثة التونسية في الشؤون الإسلامية ناجية الوريمي كلمة بدت فيها وكأنها تتنبأ تشكيل هذا التحالف. وقالت الوريمي إن إصلاح الإسلام يجب أن يبدأ من القاعدة إلى القمة ويجب أن يتشكل داخل المجتمع المدني بدلاً من أن يكون بمبادرة من الحكام المستبدين، فهم يرون فيه وسيلة دعائية لأنفسهم ودولهم، فضلاً عن كونه وسيلة لضمان بقائهم في مناصبهم.
وفسرت الوريمي استحالة تطبيق التعددية المجتمعية في أغلب مناطق الشرق الأوسط لأن معظم الدساتير العربية تنص على ديانة الدولة. وقالت إن “ما نحتاج إليه الآن هو إعادة صياغة المقاربات الأيديولوجية التي تربط الدين بالتشريع. يجب أن نجد قادة يتحلّون بالقدرة على ترك تلك الطرق التقليدية للمشاركة في المجال العام – عبر الأبعاد القانونية والتشريعية – كما يجب التراجع عن تصوّر ’القيم‘ لتوجيه الجهود الأخلاقية”.
وفي مساهمتها ضمن تقريرٍ نشره مؤخراً المعهد الإيطالي لدراسات السياسة الدولية ومؤسسة أديان ومقرها بيروت عن الأخوّة الإنسانية والمواطنة الشاملة، أشارت الوريمي إلى سلسلة من البيانات المتسامحة بين الأديان التي صدرت في العقد الماضي عن مختلف علماء الدين العرب من المسلمين وغيرهم بالإضافة إلى المثقفين العلمانيين والسياسيين.
ويرى دورسي أنّ هذه البيانات لا تعدو عن كونها محاولة من السلطات الدينية الإسلامية والحكام المستبدين لقمع تطلعات الشباب، بالتزامن مع تصدير أنفسهم باعتبارهم أصوات معتدلة عن طريق التأكيد على حرية الأديان وتعدديتها والمواطنة الشاملة بغض النظر عن المعتقد الديني.
وشملت هذه البيانات، على سبيل المثال، بيان الأزهر عام 2012 عن الحريات الأساسية، وهو أقدم مؤسسة للتعليم الإسلامي في العالم ومقره القاهرة وقد تأثر منذ فترة بالدعم السعودي والإماراتي. يضاف إلى ذلك إعلان مراكش عام 2016 الذي دعا إلى اجتهادات فقهية تكرّس مفهوم المواطنة الشاملة، ووثيقة الأخوّة الإنسانية التي وقعها البابا فرانسيس والشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر في الإمارات عام 2019.
وبحسب الوريمي، فإن بيان الأزهر الصادر في عام 2012 جاء في أعقاب الثورات الشعبية التي أطاحت في عام 2011 بقادة تونس ومصر وليبيا واليمن. وأدت المناورات السعودية والإماراتية إلى الالتفاف على مكتسبات الثورات في كل هذه البلدان باستثناء تونس.
بيد أن هذه المناورات في رأي الوريمي لم تقض على “الوعي الجديد الذي تشكل بين جميع المكونات التي شاركت في الثورات، علمانيين وليبراليين ومسيحيين ومسلمين وغيرهم، فقد أدرك هؤلاء جميعاً أن الاستقطابات والعلاقات الإقصائية التي سادت وقتها كانت السبب الرئيسي في تشتيت القوى التي كانت قادرة على إحداث تغيير إيجابي والخروج بالمجتمع العربي من أزمته”. وترى الوريمي أنّ هذا الوعي ما زال حاضراً اليوم بين الشباب، بل هو سبب في تغيّر موقفهم من التدين.
هذا الوعي الجديد بحسب الوريمي هو أحد العوامل التي تمنع المستبدين من تشكيل نمط معتدل من الإسلام يخدم احتياجات التغير الاجتماعي والتنوع الاقتصادي ولكن دون السماح بحريات ديمقراطية، ويُظهر المستبدين باعتبارهم معتدلين دينياً في إطار الترويج لبلادهم وتعزيز بحثهم عن قوة ناعمة.
وتسند بعض الأبحاث واستطلاعات الرأي مفهوم “الوعي الجديد”، إذ توضح النتائج دائماً أن الفجوة بين تطلعات الشباب الدينية وتفسيرات الإسلام المفروضة من الدولة في اتساع مطرد. وتشير الاستطلاعات والأبحاث إلى أن الشباب باتوا متشككين أكثر فأكثر في السلطتين الدينية والدنيوية. وأنهم يطمحون إلى تجارب دينية تتسم بطابع روحاني وفرداني.
ونتيجة لذلك، فإن هدف الشراكة بين جمعية نهضة العلماء مع التحالف الإنجيلي العالمي وهو المتمثل في إحداث تغيير في العالمين الإسلامي والغربي تعززه حقيقة تأسّس التغيير الجوهري من أسفل إلى أعلى مرتكزاً على القانون الديني والشرائع المختلفة. في المقابل، فإن الإصلاح الديني الذي يقوده المتنافسون على القوة الناعمة مثل السعودية والإمارات وقطر ومصر يأتي من أعلى إلى أسفل عن طريق إصدار القوانين مثلاً.
وقد كانت هذه النقطة محل تركيز عندما اتخذ قادة جمعية نهضة العلماء خطواتها الأولى تجاه إصلاح الفقه في 2019 باستبدال لفظة الكافر بمفهوم المواطن للتأكيد على أن المسلمين وغير المسلمين متساوون أمام القانون.
وينوي قادة جمعية نهضة العلماء معالجة مفاهيم أخرى عفا عنها الزمن مثل الذميّ أو أهل الكتاب والعبودية والردة والإلحاد، وهي المفاهيم التي يظل لها أثر في حياة الناس حتى وإن لم يلتفت إليها المسلمون في حياتهم اليومية.
ويرى دورسي أن فرصة تحالف جمعية نهضة العلماء يعزّزها ويعقدّها في آن واحد دعم الحكام المستبدين المسلمين عمداً أو عن غير قصد لنزعات الإسلاموفوبيا بطرق شتى من خلال انتهاكهم المستمر لحقوق الإنسان في بلادهم، ودعمهم سياسات تؤجج التصورات السلبية عن الإسلام والمسلمين في عدة بقاع من العالم.
وتشمل هذه السياسات طمس الخطوط الفاصلة بين الإسلام السياسي والتدين في بلاد مثل فرنسا والنمسا، وإذعان الحكام المسلمين المستبدين بل إقرارهم أحياناً قمع المسلمين في مقاطعة شينجيانغ شمال غربي الصين.
ورغم التزام جمعية نهضة العلماء الواضح بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والتسامح، فإن عليها، بحسب ما يراه دورسي، أن تميّز نفسها عن الحكام المستبدين وتصارعهم على القوة الناعمة عندما يتعلق الأمر بالرفض المشترك للإسلام السياسي وسياسات الهوية. وبكلماتٍ أخرى، ستكون الطريقة التي تتصرف بها الجمعية مع مسألة الإسلاموفوبيا محك اختبار لها ولتحالفها مع الإنجيليين.
وقد يؤدي هذا التمييز إلى دعم قدرة التحالف حتى يصبح قادراً على توحيد مختلف العناصر من يمين الوسط ويسار الوسط ليلتقوا على أساس دعم الأديان المشترك لحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية والتسامح.
وتتضح أهمية التحالف في المجالين السياسي والديني لأنّ دورها لا يقتصر على مواجهة التعصب الديني فحسب بل مواجهة اليمين المتطرف كذلك، وهو ما يضفي بعداً جيوسياسياً لمستقبل التحالف.
وفي ألمانيا مثلاً، حيث توغل المتطرفون القوميون إلى القوات المسلحة والأمن رغم الانتكاسات الانتخابية الأخيرة لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني، بدأ الاهتمام يزداد بأهمية إنشاء مركز ديني وسياسي قوامه الجمع بين المصالح والقيم المشتركة.
وسجلت أجهزة الأمن هناك أكثر من 1400 حالة يشتبه في أنها حالات تطرف يميني بين الجنود ورجال الشرطة ورجال المخابرات في السنوات الماضية. كما حلّت وزارة الدفاع الألمانية العام الماضي فرقة كاملة من القوات الخاصة بعد العثور على متفجرات ومدفع رشاش ودعاية نازية تخص أحد العسكريين.
ويرى دورسي أن الأهمية الجيوسياسية لمثل هذه التطورات في ألمانيا تزداد بالنظر إلى أن بعض القوميين المتطرفين الألمان وجماعات اليمين المتطرف قد تكون على علاقة بالقوميين المتطرفين الروس أو روسيا نفسها.
وتجدر الإشارة إلى تحقيق ألمانيا في الوقت الراهن مع مسؤول في المكتب الاتحادي لحماية الدستور، وهي الوكالة الاستخبارية المحلية في ألمانيا، بتهمة المساعدة في التخطيط لاغتيال منشق شيشاني في إطار حملة بكل أرجاء أوروبا لاستهداف معارضي رمضان قديروف رئيس جمهورية الشيشان الروسية وحليف الرئيس بوتين وصاحب العلاقات الوثيقة مع المستبدين في الشرق الأوسط.
ملاحظة
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.
ملاحظة
تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://mideastsoccer.blogspot.com/ في 18 يوليو 2021