وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السياسة الخارجية للإمارات العربية المتحدة، قطر الجديدة؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبو ظبي ،2019

لطالما كانت الإمارات العربية المتحدة، منذ الاستقلال، تابعاً مسالماً للقوة الإقليمية المُهيمنة في الخليج العربي، المملكة العربية السعودية. فقد كانت، على سبيل المثال، واحدة من ثلاث دول في العالم استضافت سفارة لأفغانستان والتي تشغلها حركة طالبان حتى عام 2001 (إلى جانب كل من السعودية وباكستان). إلا أنها مع ذلك، تمتاز عن “الأخ الأكبر” بحفاظها على علاقات اقتصادية قوية مع إيران، على سبيل المثال، فضلاً عن أنها تنأى بنفسها عن المذهب الوهابي الذي يروّج له السعوديون.

وبحلول الربيع العربي، كانت الإمارات العربية المتحدة الحليف الأقرب للمملكة العربية السعودية في قيادتها للثورة العربية المضادة. فقد رأى الإمارتيون أنّ انبثاق الإسلام السياسي والديمقراطية العربية، يشكّل تهديداً مباشراً لوجودهم، وبالتالي قرروا انفاق مليارات الدولارات للحدّ من زخمها. وتدريجياً، تم تحويل الدولة التابعة للسعودية إلى قوة قائمة بحد ذاتها، وعمد جيل الشباب الجديد للقيادة الإمارتية على تأكيد سلطته ورأى مستقبله في الاستقلال عن المملكة العربية السعودية غير المستدامة والآخذة بالهرم. تتضمن صعود الإمارات العربية المتحدة على الساحة الدولية تدخلات سياسية وعسكرية في الخارج، وحملة علاقات عامة واسعة النطاق لتعزيز صورة البلاد.

كانت سياسات الإمارات العربية المتحدة تتعارض مع سياسات جارتها الأقرب، قطر، التي وجدت في ثورات الربيع العربي فرصة للعب دورٍ أكبر في المنطقة. قطر، التي كانت تتحدى الهيمنة السعودية منذ منتصف التسعينيات، استغلت الفرصة التي أتاحتها شعبية الإخوان المسلمين ونصّبت نفسها حامي الحمى لهم، مما منحها موقفاً قوياً. وعلى العكس من ذلك، رأت الإمارات العربية المتحدة في هذا وبتقدّم الإخوان تهديداً لاستقرارها، وبالوقوف إلى جانب المملكة العربية السعودية، اتخذت القرار بمعارضة سياسات قطر. وهكذا، أصبح البلدين عدوين لدودين، ما عدا في اليمن و سوريا، حيث يواجهان نفس العدو.

خوفاً من إيران التي باتت أقوى من أي وقتٍ مضى، واتباعاً للسعودية، ضمت الإمارات العربية المتحدة جيشها إلى قوات درع الجزيرة التي غزت البحرين عام 2001 لإيقاف الانتفاضة الشيعية ضد الحُكام السُنة، التي، من وجهة نظرهم، قد وسعت النفوذ الإيراني. كما لحقت بالسعودية في دعوتها للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد ودعم جماعات المعارضة في حربها ضد النظام السوري المدعوم من قِبل إيران. وفي سوريا، شاركت الإمارات العربية المتحدة في التحالف الدولي عام 2015 بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف “داعش.” في الحقيقة، وعلى الرغم من احتفاظهم بعلاقات اقتصادية قوية مع إيران، إلا أن الإمارتيين يخشون قدراتها السياسية والعسكرية. لذا، فإن محابتها للمملكة العربية السعودية تصرف متزن، وهو السبب الرئيسي لإنشاء مجلس التعاون الخليجي في أوائل الثمانينيات.

كما أنّ الإمارات العربية المتحدة حاضرة بقوة في مصر، القوة الإقليمية المُهيمنة الأخرى التي تشكّل مكانتها الرمزية وجيشها القوي حصناً محتملاً ضد إيران. كما تتم بالمثل مغازلة مصر من قِبل المملكة العربية السعودية و الكويت. فقد كانت الإمارات العربية المتحدة من بين أولى الدول التي اعترفت بانقلاب الجنرال عبدالفتاح السيسي عام 2013، وأغدقت عليه مليارات الدولارات نقداً وقدمت لنظامه الدعم السياسي، فضلاً عن ذلك، تم تشجيع مؤتمر الاستثمار لعام 2015 والذي نظمته مصر في شرم الشيخ من قِبل الإمارات العربية المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإن التدريبات العسكرية بين البلدين أمرٌ شائع، كما أنّ الإمارات العربية المتحدة تدعم بقوة سياسة مصر الخارجية في الوقت الراهن.

كما كان للتحالف بين البلدين تداعياتٍ في ليبيا، حيث تشن الطائرات المقاتلة الإمارتية والمصرية عملياتٍ عسكرية ضد المتطرفين الإسلاميين. ويعتبر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” هدفهم الرئيسي، في حين أنّ قوات الجنرال خليفة حفتر “قواتهم على الأرض،” إذ تتدفق الأسلحة الإماراتية لجيش حفتر، بينما يؤجج النزاع القطري الإماراتي الحرب الأهلية المستمرة في ليبيا، مع دعم الإمارات العربية المتحدة لحفتر ودعم قطر لأعداءه؛ ائتلاف الإسلاميين الحاكم في طرابلس وأجزاء من مصراته.

بالإضافة إلى ذلك، تشارك الإمارات العربية المتحدة بشكلٍ مباشر في الحرب على اليمن، حيث تشن ضربات جوية وعمليات برية متكررة. تدعم الإمارات الرئيس عبد ربه منصور هادي، الرئيس اليمني، الذي بات يحكم منطقة صغيرة من عدن، بعد أن تحالف متمردو الحوثي الشيعة، الذين تخشاهم دول الخليج، مع إيران، واقتحموا مدينة صنعاء. وفي عام 2015، خسر الجيش الإماراتي أرواح 45 جندياً في محافظة مأرب في يومٍ واحد، والتي تعدّ من أكبر الخسائر التي سبق وتعرضت لها في تاريخها (ومع ذلك، وبسبب النظام الديكتاتوري في دولة الإمارات العربية المتحدة، لم يخرج صوتٌ واحد ليندد بمغامرة الإمارات خارج الحدود). وحتى مع ذلك، وتماماً كحال سيد الدمى الماهر، حافظت الإمارات العربية المتحدة على علاقاتها مع رئيس هادي السابق وعدوه الحالي علي عبد الله صالح، المتحالف مع الحوثيين: قد يكون هناك دور مستقبلي للإمارات العربية المتحدة في المفاوضات.

كما أرسلت الإمارات العربية المتحدة قواتها البحرية إلى أرتيريا. فقد عرضت الدولة الإفريقية الفقيرة سابقاً أراضيها وبحارها على إيران، وحتى لتنظيم القاعدة، إلا أنها الآن غيرّت تحالفاتها مع الأطراف، ويعود الفضل في ذلك إلى البترودولار. وسوف يُستخدم الميناء الاريتري من قبل الإماراتيين في الحرب التي يخوضونها في اليمن، جنباً إلى جنب مع أسيادهم السعوديين. كما يُشكل هذا التواجد الإماراتي تحذيراً لأثيوبيا، المنافس اللدود لإرتيريا، التي أثارت غضب مصر، حليف دولة الإمارات العربية المتحدة، بتحكمها في منابع النيل. ومن المثير للاهتمام، أنّ أمير قطر قد زار أرتيريا بعد أسابيع قليلة من إعلان دولة الإمارات.

وفي نوفمبر 2015، سرب مصدر اسرائيلي خبر افتتاح اسرائيل مكتباً لها في أبو ظبي، عاصمة الإمارات العربية المتحدة. في الحقيقة، كان مجرد مكتبٍ صغير داخل مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، الذي انتقل مؤخراً إلى أبو ظبي. ويعتبر هذا أول مكتبٍ اسرائيلي يتم افتتاحه في إحدى دول مجلس التعاون الخليجي منذ التسعينيات، ولا يعتبر بالتأكيد تصرفاً عشوائياً. ويمكن تتبع مثل هذا القرار بالنظر إلى اجتماعين تما بين مسؤولين إماراتيين واسرائيليين على مرأى من الجميع، فضلاً عن وجود أعداء مشتركين بين البلدين؛ إيران، والإخوان المسلمين، وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش.”
تريد دولة الإمارات العربية المتحدة أن يُنظر إليها باعتبارها نموذجاً للحكم في العالم العربي، وأن يتم التعامل معها كلاعب أساسي في المنطقة. وبالتالي، فإنها تحاول الخروج تدريجياً من العباءة السعودية، راسمةً مسارها الخاص. ومع ذلك، تواجه البلاد أعداداً متزايدة من الأعداء في حين تنفق أموالاً طائلة لكسب الحلفاء، وهو رهانٌ محفوف بالمخاطر في منطقة مضطربة وزمن مبهم. وعلى المدى الطويل، فإن ما حققته الإمارات العربية المتحدة قد يقع في دائرة النصر باهظ الثمن.