خالد محمود
على الرغم من أن سيف الإسلام النجل الثاني للعقيد الليبي الراحل معمر القذافي، لا يزال بعيدا عن الأنظار في مكان ما داخل ليبيا. لكنه بطريقة أو بأخرى يواصل ما يمكن اعتباره بعملية جس النبض لاحتمال ترشحه للانتخابات الرئاسية، المشكوك في إمكانية اجرائها، كما هو مقرر في 24 ديسمبر 2021.
لم يظهر سيف الإسلام مطلقا في أي مكان للحديث الى مواطنيه. لكن مساعديه لا زالوا يتحدثون في المقابل عنه وعن اتصالاته المتواترة مع مسؤولين من عدة دول أجنبية من بينها روسيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وأيضا عن عودته المحتملة الى المشهد السياسى في بلده ليبيا، التي خسر فيها فيما سبق النفوذ والسلطة والثروة، الثالوث الذى كان والده القذافى يحتكره قبل الإطاحة به وسقوط نظامه قبل عشر سنوات عام 2011.
أين ومتى وكيف؟ تبقى هذه الأسئلة برسم المجهول، فلا أحد لديه القدرة على تحديد موعد للعودة أو شكلها، والأهم تبريرها.
في نظر البعض وأنا منهم، لكن يكن نجل القذافي الثاني سوى حصان طروادة الذى استغله الغرب للإطاحة بنظام أبيه الحاكم الذى فرض سيطرته على ليبيا على مدى 42 عاما على التوالي.
ومن المؤكد أن أي مراجعة للذات أو نقد موضوعي للتجربة التي انتهت وساهم فيها بشكل كبير، ربما عن دون علم، ستكشف أن لدى سيف الإسلام النجل، ما هو أكثر من عقدة الذنب تجاه مسؤولية ما حدث.
قبل أيام فقط من اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي استغلتها جماعة الاخوان المسلمين بتمويل وتخطيط أمريكي-غربي، كان سيف الإسلام على الهاتف يخبرني بأن يوم 17 فبراير2011, سيمر مثل أي يوم اعتيادي آخر.
قال ضاحكا حينما كنت أسأله عن توقعاته بشأن هذا اليوم” دعنا نتكلم بعد يومين”.
جرى الحوار قبل ساعات قليلة من الكارثة التي لم يكن يدرك سيف الإسلام أنه سيكون جزءا منها وسيدفع ثمنا باهظا لها، ضمن إجمالى الخسائر التي مني بها آل القذافي.
القذافي الصغير، كان يحاول الإيحاء بأن كل شيء تحت السيطرة، ولعله في جانب ما كان محقا، لكنها كانت سيطرة شفهية على الورق فقط، منقطعة الصلة بالواقع.
في الحقيقة كان المشهد الليبي، كما أخبرته، يحمل الكثير من المؤشرات غير الاعتيادية، فالبسطاء العاديين من الشعب باتت لديهم جرأة غير معهودة في نقد النظام وسبه وتوعده.
في السابق، كان حتى أعتى معارضي النظام، يتواصلون سرا لتمرير أخبارهم دون الإشارة الى أنهم مصدرها، فالكل يخشى أن تطاله يد القذافي، سلما أو حربا.
آنذاك، بدا لي نجل القذافي بعيدا عن فهم ما يجري، أو رافضا لتصديقه.
في الحالتين، كان نشاطه الاصلاحي سببا في كل ما حدث لاحقا.
انهارت امبراطورية القذافي وقتل أبيه، وأشقاؤه، المعتصم وسيف العرب، بينما يقبع هانيبال في السجن، وخرج الساعدي الى تركيا بعد إفراج مثير للجدل، وفر الأخ الأكبر محمد مع ما تبقى من العائلة برفقة عائشة والأم الى بلاد المنفى.
المصير الدراماتيكى الذى احتاج فقط فترة زمنية لا تزيد عن ثمانية شهور، منذ اندلاع أحداث فبراير 2011، وحتى إعلان مقتل الأب، جرف في طياته أسرة القذاي ونظام حكمه.
في لحظة واحدة، فقد سيف الإسلام كل شيء، العائلة والنفوذ والمكانة.
فيما سبق كان بمقدروه أن يفاجئني باتصال عبر هاتفه البريطاني الأرقام، من أي مكان في العالم.
متنقلا بين مختلف البلدان، محاطا بالحراسة والحماية، ومدعوا لعلاقات عمل واستثمار، هي أقرب ما تكون لمحاولة قراءة الطريقة التي يعمل بها النظام الحاكم ومستقبله.
لكنه الآن بات ممنوعا من السفر، مطلوبا للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
ومع كل ما جرى، فقد كان بامكانه أن يستخدم بقايا أثر القذافي الأب في البحث عن طريقة للخلاص.
ما يشيعه مريدو القذافي الابن، أن لديه اتصالات مع روسيا، الحليف السابق لنظام القذافي الأب، وأن قبائل بعينها ترفع صوتها للمطالبة بترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية إذا ما جرت في موعدها، رغم كل الشكوك.
الموقف الروسي ليس بجديد، فلطالما نظرت موسكو إلى سيف الإسلام على أنه أحد الخيارات السياسية المطروحة في مستقبل ليبيا السياسي.
قبل نحو عامين، زار محمد إسماعيل المساعد الشخصي الأبرز لسيف ااسلام ومدير مكتبه السابق العاصمة الروسية، حيث التقى عدة مسؤولين روس ونقل إليهم رسالة من نجل القذافي.
عقب هذه الزيارة، خرج ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي ليتحدث علانية للمرة الأولى عن ضرورة أن يلعب سيف الإسلام دورا في المشهد السياسي الليبي، وليكشف عن أنه (سيف الإسلام) يتواصل بشكل مستمر مع روسيا.
اقترح سيف الإسلام أفكارا لمستقبل سياسي لليبيا، بينما تسعى القوى الغربية والأمم المتحدة لإجراء انتخابات في ليبيا قبل نهاية العام الجاري في محاولة لوضع نهاية للصراع هناك.
لكن يبقى السؤال هل يعتبر سيف الإسلام رقما صعبا في المعادلة الليبية؟ هل يمكنه الفوز بمنصب الرئيس المقبل اذا ما جرت انتخابات نزيهة في البلاد للمرة الأولى في تاريخها؟
السؤال الذي يطرح بدوره تساؤلات أخرى، يشغل الأوساط الدولية والإقليمية أكثر ما يشغل بال الليبيين أنفسهم.
قلت في السابق أنه لو عاد الزمن بسيف الإسلام القذافي مجددا الى الوراء، لأعدم كل من أخرجهم من سجون أبيه.
فهؤلاء المتطرفين، وبشكل خاص العناصر السابقة بجماعة الاخوان المسلمين والجماعة الإسلامية الليبية المقاتل، ممن خرجوا عبر بوابة المراجعات الفكرية التي دشنها نجل القذافي بمباركة أمريكية وغربية، باتوا اليوم هم المسؤولين مباشرة عن كل الفوضى التي لا زالت ليبيا تعانى منها بعد نحو عشر سنوات على سقوط نظام القذافى ومقتله عام 2011.
بضغط أمريكي وتشجيع بريطاني، لعب سيف الإسلام بمهارة دور العراب للمصالحة التي صدقها الكثيرون، وفتح باب السجون المغلقة لاخراج قتلة مارسوا لاحقا وبدم بارد إرهابهم بطول وعرض البلاد.
قلت في السابق أنه ربما حان الوقت لأن يتزوج نجل القذافي رسميا، وأن ينجب أطفالا وأن يحظى بحياة طبيعية مثل البشر.
ربما عاد مجددا إلى هوايته القديمة في التلاعب بالألوان والرسم، وربما عكف على تأليف كتاب يروى فيه مذكراته وسيرته، ويستعرض أسرار سقوط النظام الذي كان يوما أحد مسؤوليه حتى ولو لم يكن يتولى منصبا رسميا فيه.
هذا أفضل بكثير في تقديري المتواضع من الحرص على التواجد الإعلامي ومحاولة تصدر المشهد من جديد واحتلال قائمة أبرز عناوين ونشرات الأخبار والصحف.
في العالم العربي، من فقد السلطة يمكنه العودة إليها عبر تزوير الانتخابات أو بانقلاب عسكري، وهو ما لم يعد بالتأكيد بحوزة سيف القذافي أو في متناول يده.
ملاحظة
الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.