وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تجاهل فلسطين على مسؤوليتك لكنها ضمن قائمة الاهتمامات الرئيسية للرأي العام العربي

uae israel
مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات مع مسؤول إماراتي قبل صعود الطائرة قبل مغادرة أبوظبي ، الإمارات العربية المتحدة ، 1 سبتمبر ، 2020. Photo: NIR ELIAS / POOL / AFP

نشر الكاتب جيمس دورسي، وهو باحثٌ بارز في كلية راجارتنام للدراسات الدولية بسنغافورة، مقالةً يتناول فيها تداعيات الإعلان عن تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل. ويناقش دورسي في المقالة المنشورة على مدونته استطلاعات رأي أُجريت مؤخراً في السعودية وتشير إلى تواجد فلسطين على قائمة القضايا الرئيسية عند العرب رغم انشغالهم بهموم أوطانهم. ويشير دورسي في المقالة إلى مدى اهتمام المستبدين بالرأي العام وبصورةٍ أكبر مما قد تبدو للعيان، معرّجاً في الوقت نفسه على ردود الأفعال الشعبية المتباينة تجاه تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل.

وتبدأ المقالة بالإشارة إلى إجراء استطلاع رأي قلّما نشهد مثله في المملكة العربية السعودية. ويظهر الاستطلاع اهتمام ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على عكس المتوقع بالرأي العام المحلي في شأن قضايا السياسة الخارجية مثل فلسطين. وتوضح نتائج الاستطلاع أن عدداً كبيراً من السعوديين يتعاطفون مع الاحتجاج كوسيلة للتغيير السياسي.

ومن المحتمل أن يعزّز الاستطلاع الذي أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى عزم ولي العهد على اتخاذ إجراءات تعسفية ضد أي شكل من أشكال النقد أو المعارضة، في وقتٍ تعاني فيه المملكة من التداعيات الاقتصادية لوباء فيروس كورونا ومن الهبوط الحاد في أسعار النفط وانخفاض الطلب عليه.

وتجدر الإشارة إلى تعارض استطلاع معهد واشنطن مع استطلاعات الرأي التي أجراها باحثون آخرون مثل جيمس زغبي، الباحث والناشط العربي الأمريكي ومؤلف كتاب “العقد المضطرب: الرأي العام العربي واضطرابات 2010-2019”.

ويرى دورسي أن إحجام السعودية عن السير على خطا الإمارات في الاعتراف بدولة إسرائيل يوحي بتأثر الزعماء العرب المستبدين في بعض الأحيان بالرأي العام رغم منعهم حرية التعبير والإعلام وقمعهم المعارضة. ولهذا السبب، فإن استطلاعات الرأي غالباً ما تكون إحدى المساحات القليلة التي يتاح فيها للمواطنين التعبير عن آرائهم.

وقال ديفيد بولوك، الباحث المختص في شؤون الشرق الأوسط والمشرف على استطلاعات الرأي في معهد واشنطن: “أعلم أن الحكومة السعودية بقيادة الأمير محمد بن سلمان قد بذلت جهداً كبيراً لإجراء استطلاعات رأي عامة خاصة بها بالفعل… إنهم يهتمون بها… ويدركون ميول الشارع تمام الإدراك. إنهم يتعاملون بجدية كبيرة مع ما يجب أن يفعلوه أو لا يفعلوه… ففي بعض القضايا مثلاً، فإنهم سيتخذون قراراً تنفيذياً ما… أما في هذه القضية، فإنهم سيتجاهلون أمرها، وسيحاولون التودّد في قضية أخرى إلى الشعب بطريقة ما غير متوقعة”.

وكشف أحدث استطلاع لبولوك أن فلسطين تحتل المرتبة الثانية بعد إيران مباشرةً في اهتمامات السياسة الخارجية لدى الشعب السعودي.

وسبق لزغبي إجراء استطلاعٍ آخر للرأي العام الإماراتي والسعودي في عام 2018 أظهر تواجد فلسطين في المرتبة الأولى على مستوى قضايا السياسة الخارجية، وتليها في ذلك إيران. كما كشف المؤشر العربي للعام نفسه أن 80% من السعوديين ينظرون إلى فلسطين على أنها قضية عربية وليست فلسطينية فقط.

Emirati-Israeli agreement
متظاهرون فلسطينيون يحرقون صور ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ، خلال مظاهرة ضد الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي ، في رام الله ، 15 أغسطس 2020. Photo:ABBAS MOMANI / AFP

وبحسب ما ذكره بولوك في إحدى المقابلات، فإن المسؤولين السعوديين “يعتقدون بضرورة توخي بعض الحذر (فيما يتعلق بفلسطين). ويرغب هؤلاء المسؤولين بالتحرك شيئاً فشيئاً نحو التطبيع على الأقل فيما يتعلق بوجود إسرائيل أو مناقشته وإمكانية السلام، لكنهم لا يؤمنوا باستعداد الجمهور للتقبّل الكامل لمثل هذه الأفكار أو أي شيء من هذا القبيل”.

وكانت السعودية قد صرّحت الأسبوع الماضي أنها لن تضفي الطابع الرسمي على علاقاتها مع إسرائيل إلا بعد تبنّي إسرائيل لمبادرة السلام العربية لعام 2002 والتي تدعو إلى حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وقالت الإمارات إن خطوتها تهدف في جزء منها إلى منع ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة خلال حرب 1967، وهو ما كان من شأنه أن يجعل مبادرة السلام العربية غير قابلة للتطبيق.

ويرى زغبي أن السبب الكامن وراء انخفاض حدة الموقف الشعبي تجاه العلاقات مع إسرائيل يكمن في انتشار الشكوك المتعلقة بإمكانية التوصّل لسلامٍ إسرائيلي فلسطيني.

وحذّر زغبي قائلاً: “لكنّ لا ينبغي المبالغة في هذه النقطة، إذ يبدو من استطلاعنا أن هذا التحوّل قد يكون ناتجاً عن الإحباط والتعب من رؤية الفلسطينيين كضحايا حرب، واحتمال أن يجلب التطبيع بعض الفوائد ويمنح العرب نفوذاً للضغط على إسرائيل حتى تقدم تنازلات للفلسطينيين”.

وشهد الخليج انقساماً في ردود الفعل عقب الإعلان عن تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، وتنوعت المواقف في البلدان التي تتمتع بدرجة أكبر من حرية التعبير والتجمع.

فبعض الأصوات في الإمارات والسعودية باركت الخطوة الإماراتية، علماً بأن هاتين الدولتين تخضع وسائل الإعلام فيهما لسيطرة مُحكمة ولا توجد فيهما تجمعات سياسية مرخّصة قانوناً.

في المقابل، خرجت انتقادات من المجموعات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية والجمعيات المهنية في الكويت والبحرين، وكثيرٌ منها على علاقة بحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) المناهضة لإسرائيل.

وشدد بيان لأكثر من نصف أعضاء مجلس النواب الكويتي على انعدام إمكانية القيام بأي تطبيع دون وجود حل للقضية الفلسطينية.

وسعى مفتي عمان أحمد بن حمد الخليلي إلى تثبيط التطلعات العُمانية المحتملة للسير على خطا الإمارات بإعلانه عن أن تحرير الأراضي المحتلة “واجبٌ مقدس”.

وأبرز الاستطلاع السعودي أهمية الرأي العام في منطقة الخليج عبر ما أبداه المستطلَعين من رد فعل على الفكرة القائلة “إنه لأمر جيد أننا لا نرى مظاهرات كبيرة في الشوارع هنا كما هو الحال في بعض البلدان الأخرى”، في إشارة إلى الثورات الشعبية التي اندلعت على امتداد العقد الماضي لتطيح بزعماء دول من وزن تونس ومصر وليبيا واليمن والجزائر والسودان.

وانقسمت آراء العينة المختارة في الاستطلاع بالتساوي، إذ وافق 48% على الفكرة المذكورة أعلاه، في الوقت الذي اعترض عليها 48%.

ويرجح جميس دورسي عدم خروج السعوديين إلى الشوارع لعرض مظالمهم، فهم لا يميلوا للاحتجاج بهذه الطريقة وشأنهم في ذلك شأن غالبية شعوب الخليج. لكن الاستطلاع يظهر إمكانية تعاطفهم مع مثل الاحتجاجات في حال وقوعها.

وتنتهي المقالة بالإشارة إلى ما ذكره زغبي حول هذا الموضوع: “العرب يعرفون جيداً ما يريدون. فهم يريدون تأمين احتياجاتهم الأساسية من عمل وتعليم ورعاية صحية، ويريدون حكماً رشيداً وحماية لحقوقهم الشخصية. ورغم تركيزهم على هموم أوطانهم، إلا أنهم في الوقت نفسه ما زالوا يهتمون بما يتعرض له العرب الآخرون من معاناة وسلب لحقوقهم المشروعة، سواءً أكان ذلك في فلسطين أو سوريا أو العراق أو اليمن”.