بوصفها “أضخم اكتتاب عام أولي في العالم،” سيبدأ طرح أسهم أرامكو للتداول في 11 ديسمبر. فقد باعت شركة النفط الحكومية العملاقة 25,6 مليار دولار من الأسهم بسعر 8,53 دولارات للسهم الواحد، وهو أعلى نطاق سعري سوقته الشركة، حيث بلغت قيمة طلبات الاكتتاب 119 مليار دولار. تقدم حوالي 4,9 مليون مستثمر فردي، أي ما يقرب من 15% من سكان المملكة، بطلب للحصول على الأسهم. وعليه، باعت المملكة العربية السعودية 1,5% فقط من رأس مال الشركة في الاكتتاب العام.
وقبل أرامكو، شهدت المملكة العربية السعودية أكبر اكتتابٍ عام لأسهم البنك الأهلي التجاري في عام 2013، والذي سعى لجمع 6 مليارات دولار. وعليه، توقع وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان أن تتجاوز قيمة أرامكو قريباً 2 تريليون دولار من التقييم المستهدف من قبل أخيه غير الشقيق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (المشار إليه أيضاً باسم مبس)، بعد أن أعلنت المملكة عن خفض الإنتاج لدعم أسعار النفط.
من جهتهم، قال المستشارون الماليون للاكتتاب العام أن الشريحة المؤسسية للاكتتاب العام المزمع من أرامكو تجاوزت ثلاثة أضعافٍ تقريباً، حيث تم تلقي طلبات بقيمة 50,4 مليار دولار. ووفقاً لإلين والد، رئيسة شركة ترانزفيرسال للاستشارات، “تشهد معظم الاكتتابات العامة اقبالاً شديداً. يمكن للمساهمين [الحكومة السعودية] أن يقرروا توفير المزيد من الأسهم لتلبية الطلب في حال أرادوا ذلك.”
وعلى صعيدٍ متصل، أظهرت دراسة أجرتها شركة بيرنشتاين وشملت 31 من مديري الأصول ممن يمتلكون أصولاً بقيمة 3,8 تريليون دولار، أن معظمهم يعتقدون أن أرامكو مبالغ بتقدير قيمتها بأكثر من الثلث. تعد الدراسة بمثابة دليل إضافي على أن الاهتمام بأسهم أرامكو بين المستثمرين الدوليين من غير المرجح أن يكون كبيراً بسبب كثرة الشكوك، بما في ذلك درجة الشفافية التي اعتاد عليها المستثمرون الدوليون. قد يكون هذا الافتقار إلى الشفافية نتيجة لهجوم 14 سبتمبر على منشآت إنتاج النفط الرئيسية في المملكة العربية السعودية، مما أجبر المملكة على تسريع طرح عطاءاتها على إنتاج النفط.
وبحسب شركة بيرنشتاين، “ففي حين أن هذا لا يعني أن الاكتتاب العام سيكون فاشلاً، إلا أنه يعني أن مكاسب الأسهم ستعتمد بدرجة كبيرة على سعر النفط. في الواقع، إن نقص الأموال الخارجية التي أثارتها عملية الاكتتاب، بالإضافة إلى الضغط لجعل الخصخصة عامل نجاحٍ للمساهمين السعوديين المحليين، أسبابٌ إضافية أخرى أن المملكة العربية السعودية ستحتاج لأسعار نفطٍ أعلى.” وخلصت الدراسة إلى أن أرامكو “أضاعت فرصة بعدم تسعير أسهم الاكتتاب العام عند حد جذاب للمستثمرين من المؤسسات.” في الواقع، تعتزم أرامكو الاعتماد بشكل كبير على الأثرياء السعوديين، الذين تم الضغط على الكثير منهم للاستثمار، لإنجاز الصفقة. كما خففت المصارف السعودية قوانين الإقراض للسماح للمواطنين بشراء المزيد من الأسهم.
تعتمد المملكة العربية السعودية على مصدر الإيرادات هذا لتحقيق رؤية محمد بن سلمان، “رؤية 2030.” يتمثل الهدف الرئيسي من هذه الخطة الاقتصادية الطموحة بتقليل اعتماد البلاد على النفط من خلال إدخال محفظة اقتصادية أكثر تنوعاً، كما تنطوي على زيادة حصة الصادرات غير النفطية من 16% إلى 50% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، بالإضافة إلى إضفاء الطابع المحلي على قطاعات الطاقة المتجددة والمعدات الصناعية، وتعزيز السياحة وتنمية القطاع الخاص.
تعتبر أرامكو جزءاً أساسياً من هذه الخطة، كما أوضحت والد لفَنَك، وعلى حد تعبيرها، “تسعى المملكة العربية السعودية إلى تحويل أرامكو إلى قيمة نقدية. ليس الهدف أن تذهب الأموال المولدة من البيع إلى الشركة بل إلى الحكومة السعودية. يزعم السعوديون أنهم يريدون استخدام الأموال لإجراء استثماراتٍ تهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي، لكن من غير الواضح كيف يعتزمون القيام بذلك. فهذه الأموال تحت تصرف الحكومة.”
وقبل أسبوعٍ من الاكتتاب العام، شاركت المملكة العربية السعودية بمؤتمر أوبك في فيينا، إذ عقدت صفقة مع روسيا وحلفاء آخرين منتجين للنفط لتعميق تخفيضات إنتاج النفط في الربع الأول من عام 2020، بهدف معالجة زيادة العرض ودعم الأسعار. وافقت المجموعة المكونة من أكثر من 20 منتجٍ للنفط على إضافة 500 ألف برميل يومياً إلى تخفيضات الإمدادات الحالية لتصل إلى 1,7 مليون برميل يومياً، التي تمثل 1,7% من المعروض العالمي.
وقال وزير الطاقة عبد العزيز بن سلمان إن التخفيضات الفعلية قد تصل إلى 2,1 مليون برميل يومياً، إذ إن السعودية ستواصل خفضاً يفوق حصتها. ووفقاً لما ذكرته الد، لا ينبغي أن يؤثر هذا القرار على الاكتتاب العام الأولي لشركة أرامكو، ذلك أن أسعار النفط لم ترتفع بشكلٍ كبير.
وفيما يبدو على أرض الواقع تاريخاً يُعيد نفسه، يظهر أن المملكة العربية السعودية، مرةً أخرى، تتحرك نحو تحقيق أهدافها الوطنية، دون أي أعباءٍ ودون المساس بها، مانحةً الأولوية للاستثمارات المحلية لمنع السياسة الخارجية وانعدام الأمن العالمي من التأثير على تقدمها.