خلال السنة الأخيرة من إدارة أوباما، كثرت التكهنات بأن البيت الأبيض سيأخذ زمام مبادرةٍ جريئة أخيرة لإعادة إحياء عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين؛ عمليةٌ أصبحت في طور الثبات بعد محاولةٍ طويلة، ولكن فاشلة، من قِبل وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، عام 2014.
جاءت هذه المبادرة في الأيام الأخيرة من عام 2016. وفي 23 ديسمبر، اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار، بعيد المدى، رقم (2334) الذي يُدين، من بين جملةٍ من الأمور، النشاط الاستيطاني الإسرائيلي باعتباره انتهاكاً للقانون الدولي. ففي مناسباتٍ سابقة، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد مثل هذه القرارات، بحجة أنها “محادثاتٌ أحادية الجانب” أو “معوقة” للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ولكن ليس هذه المرة، فقد امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت، مما جعل اعتماد القرار ممكناً. ومن الآن فصاعداً، ستكون نقطة مرجعية هامة في أي تسويةٍ سلمية بين الدولتين.
ويؤكد مجلس الأمن الدولي في إحدى المقاطع، الأكثر إثارةً للدهشة، بأنه “لن يعترف بأي تغييراتٍ في خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967 بما في ذلك ما يتعلق بالقدس،” وهو ما يكرر صياغة استخدمها مجلس الأمن لأول مرة في قرارٍ صدر في عام 1980. وكما لاحظ العديد من المراقبين، فإن هذا المقطع نزع القناع شبه الطبيعي والحقائق المنجزة التي فرضتها إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، وخلق الحقائق على الأرض ببناء المزيد من المستوطنات. باختصار: يوضح القرار رقم (2334) توافق الآراء الدولي حول نتائج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ويعرب مجلس الأمن الدولي صراحةً عن رغبته في إنشاء دولتين ديمقراطيتين، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنباً إلى جنب داخل حدود آمنة ومعترف بها.
ولكن القرار نفسه لا يوفر أي آلية للوصول إلى هذه النتيجة السياسية المرجوة. في الواقع، يرسخ الاحتلال الإسرائيلي نفسه أكثر فأكثر كل يوم. وعلاوة على ذلك، فإن الأحزاب السياسية الإسرائيلية المتحالفة مع حركة الإستيطان هي جزءٌ من الحكومة الإسرائيلية الحالية وتعرقل فعلياً أي محاولةٍ لوقف بناء المستوطنات. وبغض النظر عن إدارة ترامب الأكثر تعاطفاً، ما فتئت هذه الأحزاب تضغط من أجل ضم معاليه أدوميم، وهي واحدة من أقرب المستوطنات إلى القدس في الضفة الغربية المحتلة وموطن لنحو 50 ألف مستوطن إسرائيلي. قد يبدو الأمر مسألةً تقنية ومجرد نشاطٍ آخر من الأنشطة الكثيرة المتصلة بالاستيطان التي تقوم بها إسرائيل، إلا أن هذا الضم على وجه الخصوص، الذي سيعتبر أول ضمٍ رسمي لمستوطنة، سيشكل ضربةً قاضية لأي آفاق بإقامة دولةٍ فلسطينية.
فعلى سبيل المثال، قرية عناتا؛ وهي قرية فلسطينية في القدس في الركن الشمالي الشرقي من المدينة، هي جزءٌ من الضفة الغربية والقدس الشرقية احتلتها إسرائيل في عام 1967. إلى الجنوب من القرية، يوجد منظرٌ خلاب، وإلى الشمال يوجد آخر صفٍ من المنازل التي كان من المقرر أن يدمرها الجيش الإسرائيلي على أساس أنها بنيت بشكلٍ غير قانوني، بينما يقع إلى يمين عناتا جبل الزيتون وبرج مستشفى أوغستا فكتوريا. وفي الوادي أدناه، يمكن رؤية الجدار الذي يبلغ ارتفاعه 10 أمتار والذي يفصل القدس عن الضفة الغربية الفلسطينية المحيطة والطريق السريع الذي يربط القدس بغور الأردن. وعلى تلةٍ مباشرة، يقع مركزٌ للاستجواب والاحتجاز تديره المخابرات الإسرائيلية. وإلى اليسار، معاليه أدوميم ويقع خلفها وادي الأردن، الذي يشكل الحدود الطبيعية بين الضفة الغربية والأردن. جميع الأراضي بين القدس والمستوطنة، وفقاً لإسرائيل، جزءٌ من المستوطنة، التي تغطي مساحة بطول 12 كيلومتر والتي تعرف باسم “أي 1.” ومنذ أن بدأت الحكومة الإسرائيلية بتعميم خططها في عام 2009 لبناء منازل إضافية في “أي 1،” واجهت هذه الخطط معارضةً قوية من كلٍ من الولايات المتحدة وأوروبا؛ لسببٍ وجيه. فإذا ما بدأت إسرائيل في البناء في المنطقة “أي 1،” سيفقد الفلسطينيون ممرهم البري الوحيد الذي يربط الجزء الشمالي من الضفة الغربية بالجزء الجنوبي والقدس. بل إن ضم “أي 1” من شأنه أن يقسّم الضفة الغربية، على نحوٍ فعال، إلى جزءٍ شمالي وجنوبي، مفصولين بأراضٍ تخضع لرقابةٍ مشددة ومحصنة، والتي أصبحت رسمياً أراضٍ إسرائيلية، لا يستخدمها سوى المستوطنون الإسرائيليون.
إن الخطوط العريضة للحل الدبلوماسي الذي يريده المجتمع الدولي واضحة، وقد قبلتها السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، فإن السلطة السياسية للسلطة الفلسطينية تُقوَّض، بشكلٍ خطير، بسبب الانقسامات الداخلية بين حركة حماس الإسلامية، التي تحكم قطاع غزة، والسلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة فتح بقيادة محمود عباس، الذي يحكم الضفة الغربية.
وعليه، فإن الوضع الحالي غير قابلٍ للاستدامة، كما أشار مجلس الأمن الدولي وقلة من كلا الجانبين، ربما باستثناء المستوطنين الإسرائيليين، الذين قد يختلفون مع هذا الرأي. إن حل الدولتين يتآكل بسبب استمرار أو حتى تسارع النشاط الاستيطاني الإسرائيلي. وفي الواقع، يُفضل العديد من الفلسطينيين حل الدولة الواحدة، الذين يرون في حل الدولتين ثاني أفضل خيار. ومع ذلك، فإن حل الدولة الواحدة للإسرائيليين والفلسطينيين، على أساس المساواة في الحقوق، وديمقراطية الصوت الواحد لكل ناخب، أمرٌ غير مقبول على الإطلاق بالنسبة لمعظم الإسرائيليين، بمن فيهم الذين يعارضون بشدة الاحتلال الحالي. إن حل الدولة الواحدة سيكون دولة يشكل فيها الفلسطينيون أغلبيةً عددية، إن لم يكن الآن ففي غضون بضعة عقود. وبهذا سيشعر معظم الإسرائيليون، بأنه نهاية السِمة اليهودية الإسرائيلية. البديل- دولة واحدة يتمتع فيها الفلسطينيون بحقوقٍ أقل من الإسرائيليين – والتي ستكون بالتالي دولة الفصل العنصري.
إن الخيار الأكثر واقعية، على المديين القصير والمتوسط، وإن لم يكن أحد الخيارات التي نوقشت على نطاقٍ واسع حتى الآن، قد يكمن في تشكيل قوة حماية دولية؛ وهي قوةٌ يمكن أن يكون قوامها قوات توفرها منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو الأمم المتحدة أو أي هيئة دولية أخرى ذات مصداقية؛ قوةٌ يمكن أن تتولى زمام الأمور في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة وتساعد على تهيئة الظروف اللازمة لتحقيق السلام استناداً إلى مبادىء القرار رقم (2334). في الواقع، طالبت السلطة الفلسطينية والعديد من المنظمات الشعبية الفلسطينية مراراً وتكراراً بوجود مثل قوة الحماية هذه. كما اقترحت الحكومة الأسترالية على الحكومة الإسرائيلية القيام بمثل هذه الخطوة خلال زيارةٍ قام بها وزير خارجيتها في فبراير 2017. وحتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اقترح شكلاً مختلفاً من القوات الدولية لنشرها في غزة. وعلى الرغم من رفض حماس الاقتراح رفضاً قاطعاً، إلا أنه أصبح من الواضح بشكلٍ متزايد أن الآراء من جميع الجوانب تتحول ببطءٍ نحو فكرة وجود قوة حماية دولية كوسيلةٍ للمضي قدماً.