وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تداعيات التفجير الإنتحاري في بلوشستان الإيرانية قد يُستشعر في أرجاء المنطقة

Iran- Revolutionary Guards
إيرانيون يشيعون ضحايا تفجير سيارة مفخخة في حافلة تابعة للحرس الثوري في جنوب شرق إيران. Photo AFP

في 13 فبراير 2019، هاجم انتحاري بسيارةٍ مفخخة حافلةً تقل أفراد الحرس الثوري الإيراني، مما أسفر عن مقتل 27 وإصابة الباقين في سيستان وبلوشستان، جنوب شرق إيران. الهجوم المتطور للغاية، الذي نفذه مواطنٌ باكستاني، وجه ضربة قاصمة للحرس الثوري الإيراني. فقد أعلن جيش العدل، وهو جماعة سلفية تم إدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية من جانب طهران، مسؤوليته عن الهجوم.

سارع الزعماء السياسيون والقادة العسكريون الإيرانيون إلى الرد، مشيرين إلى أن المتدخلين الأجانب، الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة على وجه الخصوص، كانوا وراء الهجوم وأنهم لن يفلتوا من العقاب. كما وجهوا انتقاداتٍ لباكستان، التي ألقوا باللوم عليها لعدم تأمينها حدودها. بل وصل الأمر بالبعض منهم إلى اتهام إسلام أباد بدعم الهجوم.

وعلى الرغم من الاتهامات، لا يزال سبب شن الهجوم ومن يقف وراءه غير واضح. وعلى نطاقٍ أوسع، من غير الواضح أيضاً سبب تزايد الأنشطة الإرهابية في إيران.

لم يكن الانفجار في بلوشستان فريداً من نوعه حيث شهد الإقليم سلسلةً من الهجمات من قبل الجماعات المتطرفة خلال العقدين الماضيين. الأولى كانت في عام 2001، عندما أعلنت جماعة غير معروفة تطلق على نفسها اسم جند الله سعيها للمطالبة بحقوق شعب البلوش. وعلى الرغم من أنهم لم يفصحوا عن أي شعاراتٍ انفصالية أو أهداف مُعلنة، إلا أنها كانت تعتبر، على نطاقٍ واسع، حركةً انفصالية. بدأت هجماتها وعمليات الاختطاف واشتباكها المسلح مع قوات الأمن في عام 2005 واستمرت حتى اعتقال زعيمها عبد المالك ريغي عام 2010. وعلى مدار خمس سنوات، شنت الجماعة أكثر من 20 عملية، وقُتل أكثر من 200 من الأفراد العسكريين والأمنيين والمدنيين. توقفت الجماعة بعد ظهور خلافاتٍ حول زعامتها في أعقاب موت ريغي. وعلى هذا النحو، ظهرت جماعةٌ جديدة، جيش العدل، وحلت تدريجياً محل جند الله.

استخدم جيش العدل نفس التكتيكات التي اتبعها جند الله إلا أنه ذهب أبعد من ذلك باستغلال الخطاب الطائفي. فقد انتقد سياسات إيران تجاه الإيرانيين السُنة حاملاً على عاتقه مهمة الحفاظ على حقوق هؤلاء السُنة. كما وقف في وجه إيران في سوريا بسبب الخطاب الطائفي. وفي مرحلةٍ ما، وافق على تحرير الأسرى لديه شريطة إخلاء سبيل 50 إمرأة سُنية محتجزة في سوريا.

تستند أفعال الجماعة إلى التمييز الذي تمارسه طهران ضد السُنة، بخاصة في بلوشستان، إذ يؤمن جيش العدل أن طهران لا تكترث لأمر مواطنيها من السُنة ولا تزودهم بنفس الخدمات الإقتصادية التي تحظى بها الأقاليم الأخرى. في الواقع، ركزت طهران الكثير من جهودها التنموية على بلوشستان، حيث حل الإقليم في المرتبة الثانية من بين 31 إقليماً في إيران فيما يتعلق بمخصصات ميزانية التنمية للبلاد في عام 2018. ويعد تطوير ميناء تشابهار، على سبيل المثال، أحد أكبر المشاريع في البلاد.

Iran Attack in Sistan Province 2019 AR 3000
المصدر: Wikipedia, hozint.com and Maps4News. إضغط للتكبير. @Fanack.com ©Fanack CC BY 4.0

كما تُظهر معدلات الفقر والبطالة في إيران أن هناك أقاليم بمعدلاتٍ أعلى من بلوشستان ومع ذلك لا تظهر أي دلائل على وجود أنشطةٍ إرهابية. وعلى الرغم من الخطاب، تُحيّد هذه الحقيقة الحجة الاقتصادية وتُبقي الجذور العقائدية لهذه الظاهرة.

وإلى جانب الميول الإيديولوجية التي يتبناها جيش العدل، يبدو أن طهران تعتقد أنه من دون حصوله على دعمٍ من الخارج، ما استطاع شن مثل هذا الهجوم. لذلك، في حين أن الجماعتين الرئيسيتين تبدوان إنتاجاً محلياً، إلا أن النخب العسكرية والسياسية الإيرانية تلوم دولاً أخرى على تأجيج الأنشطة الإرهابية في الإقليم.

وفي إعلانٍ صدر عقب الهجوم الذي وقع في 13 فبراير، قال المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي إن مرتكبي هذه الجرائم مرتبطون بالتأكيد بوكالات تجسسٍ في المنطقة وخارجها.

كما شدد الرئيس حسن روحاني على الدعم الأجنبي، قائلاً إن هذا عارٌ آخر على البيت الأبيض وتل أبيب والمتعاقدين الإقليميين معهما.

في حين كان اللواء محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري الإيراني، أكثر تحديداً عندما اتهم الإمارات العربية المتحدة والسعودية، قائلاً إن صبر إيران أوشك أن ينفذ. كما ألقى باللائمة على باكستان لعدم قيامها بواجباتها فيما يتعلق بحدودها. وطلب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني منح الحرس الثوري الحرية المطلقة للانتقام.

يطرح هذا السؤال، لماذا تركز النخب الحاكمة في إيران على قصة المؤامرة الخارجية. هناك أسباب مختلفة، فأولاً، كان التفجير متطوراً ودقيقاً للغاية لدرجة أنه يشير إلى استخدام صور الأقمار الصناعية من جهة والمعلومات المستقاة من الموقع من جهةٍ أخرى، التي لا يمتلك أياً منها جيش العدل.

ثانياً، لعبت العداوة المتزايدة بين إيران والمملكة العربية السعودية / الإمارات العربية المتحدة في السنوات الأخيرة، إلى جانب الخطاب الصادر عن هذين البلدين، دوراً في تشكيل تصورات إيران. وكما صرح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان علانية أن بلاده ستعمل على نقل النزاع إلى إيران، ومع الدعم الملموس لدولة الإمارات العربية المتحدة لمهاجمي الأهواز في سبتمبر الماضي، ترى إيران في تزايد الهجمات في البلاد دليلاً على تنفيذ هذه السياسة من قبل أعدائها الإقليميين.

وثالثاً، تزامن الهجوم مع الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية التي اندلعت عام 1979 وكذلك مع مؤتمر وارسو بأجندته المناهضة لإيران وجولة بن سلمان في آسيا، بما في ذلك باكستان، لحشد التأييد لسياسته المناهضة لإيران. فقد أشار الهجوم الذي حصل في هذه اللحظة الدقيقة، إلى تعاونٍ محتمل بين جيش العدل والأعداء الأجانب.

من جهتها، نفت كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تورطها. إذاً، كيف وضد من ستنتقم إيران؟ من غير المرجح، في ظل سياسة الولايات المتحدة عزل إيران، أن تسعى طهران إلى زيادة التوترات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وفي الوقت نفسه، لا يمكن أن يترك مثل هذا الهجوم دون إجابات. وكما يقترح العديد من الإيرانيين، ينبغي على طهران أن تجعل جيش العدل وأولئك الذين يدعمونه يدركون أنه ستكون هناك عواقب لمثل هذه الأعمال. وعلاوةً على ذلك، ستتلافى إيران التصعيد مع باكستان إذا ما اعتقدت أن ذلك سيدفع إسلام آباد إلى أحضان المملكة العربية السعودية.

بالرغم من أن الخيارات المتاحة أمام إيران محدودة، إلا أن الإجراء الأكثر احتمالاً هو الإنتقام من جيش العدل بالتعاون مع باكستان. فقد أعلنت باكستان بالفعل استعدادها للعمل مع طهران لمحاربة الإرهاب، وهو عرضٌ من غير المحتمل أن ترفضه إيران.

أما فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فإن السيناريو المحتمل هو الانتقام في المنطقة، ربما من اليمن حيث ترتبط إيران بعلاقات مع المتمردين الحوثيين. ومن المرجح أيضاً أن تواصل إيران تحقيقها في الهجوم بهدف إحراج أعدائها، شريطة أن يكونوا قد دعموا الجماعة كما تقترح النخبة العسكرية والسياسية الإيرانية. لذلك، في حين أنه من غير المحتمل اتخاذ أي إجراءٍ مباشر ضد الأعداء الإقليميين في هذا الوقت، فإن من المؤكد أن إيران ستستغل الفرصة لاستعراض عضلاتها العسكرية.