وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الحوار الوطني السوداني.. مخرجٌ حقيقي أم شراء وقت؟

الحوار الوطني السوداني عمر البشير عبد الفتاح السيسي ادريس ديبي يوري موسفني
الرئيس السوداني عمر البشير، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس التشادي ادريس ديبي والرئيس الاوغندي يوري موسفني، أثناء حضورهم الدورة الختامية للحوار الوطني السوداني، الخرطوم، العاشر من أكتوبر 2016. Photo APAImages/REX/Shutterstock

الحكومة الجديدة سيقودها رئيسٌ للوزراء لأول مرة منذ عام 1989، حين أطاح البشير، العميد آنذاك، برئيس الوزراء المنتخب حينها الصادق المهدي. وفي ظل الحكومة الجديدة المقترحة، سيتم تعيين رئيس الوزراء هذه المرة من قِبل رئيس الجمهورية وسيكون مسئولاً أمامه.

وستتولى الحكومة الجديدة التي اقترحها مؤتمر الحوار الوطني تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، بعد اجراء التعديلات الدستورية التي تستلزمها تنفيذ المخرجات بواسطة المجلس الوطني (البرلمان)، واتخاذ الإجراءات التنفيذية لتعديل “وثيقة الدستور الدائم” للسودان الذي سيجيزه برلمانٌ منتخبٌ جديد. وقد أوصى المؤتمر ببقاء البرلمان الحالي وإضافة عددٍ مماثل لأعضائه من القوى السياسية الموقعة على الوثيقة، وبقاء رئيس الجمهورية، البشير، في منصبة لأربع سنوات وهي السنوات المتبقية من ولايته الحالية وحتى نهاية عام 2020.

وقد وعد الرئيس البشير بالالتزام بتنفيذ جميع مخرجات الحوار التي صيغت في وثيقة نهائية تضمنت حوالى عشرة آلاف كلمة وقعت عليها القوى السياسية المشاركة في الحوار الوطني المثير للجدل.

إلا أنّ الرئيس البشير الذي دعا الممتنعين عن الحوار للانضمام اليه وتوقيعه في أي وقت، لم ينسى أيضاً أن يتوعد الرافضين بملاحقتهم إلى كل أوكارهم في الخطاب الذي ألقاه أمام عشرات الآلاف من مؤيديه في الخرطوم في أكتوبر 2016، احتفالاً بتوقيع وثيقة الحوار الوطني. فقد تمت مقاطعة المؤتمر من قبل حزب الأمة القومي بزعامة رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي، وكذلك الفصائل الرئيسية لحركات التمرد في دارفور، وجيش تحرير شعب السودان، والحزب الشيوعي السوداني، وعدد من الأحزاب الصغيرة الأخرى.

الحضور

لعل قائمة القوى السياسية والأحزاب والحركات المسلحة التي شاركت ووقعت على وثيقة الحوار تشي بالكثير عن حال السودان وأزماته وورطاته المزمنة. فحسب الوثيقة الختامية، شارك في مؤتمر الحوار الوطني 74 حزباً و34 حركة مسلحة وعدد من الشخصيات القومية، ووضع تصور عملي لإدارة الحوار الوطني ولتوثيقه كأهم وأكبر حدث سياسي وتاريخي بعد الاستقلال تحت شعار “السودان وطن يسع الجميع.”

وفي المقابل، فإن خمسة أحزاب سياسية فقط، جميعها من شمال السودان، كانت ممثلة في آخر برلمانٍ منتخبٍ ديمقراطياً في السودان عام 1986، الأمر الذي يشي بنجاح جهود الحكومة في تفتيت قوى المعارضة.

بدأ الحوار الوطني بدعوة من الرئيس البشير للتوافق الوطني في يناير 2014، في خطابٍ سُمي “خطاب الوثبة،” وبدأت لجان المؤتمر اعمالها بعد تحضيراتٍ مطولة في أكتوبر 2015. ومنذ ذلك الوقت، بلغت جملة اجتماعات اللجان طوال فترة الحوار (312) اجتماعاً ناقشت اللجان خلالها (523) ورقة عمل، وبلغت عضوية اللجان (648) عضواً، أمضوا ما جملته (1154) ساعة في الحوار، وصدرت عنها مئات التوصيات التي يفترض أن تكون مرجعية للتحولات السياسية المرتقبة.

توصيات فضفاضة ووعود بلا ضمانات

بحث المؤتمر ستة محاور رئيسية هي محور السلام والوحدة، ومحور الاقتصاد، ومحور الحريات والحقوق الأساسية، ومحور الهوية، ومحور العلاقات الخارجية، ومحور قضايا الحكم وتنفيذ مخرجات الحوار.

“وخرج المؤتمر بتوصياتٍ عامة وفضفاضة تؤكد على قيم ومبادئ أساسية لا خلاف عليها إجمالاً، ولا تختلف عن نصوص الدستور الحالي فيما يتعلق بقضايا المواطنة والتنوع العرقي والثقافي والفصل بين السلطات والحكم الفيدرالي واستقلال القضاء وغيرها،” وفقاً للصحفي المرموق فيصل محمد صالح الذي يعيش ويعمل في الخرطوم ويحتفظ بموقفٍ نقدي من الحكومة منذ سنواتٍ طويلة.

بل في الواقع، لم يكن هناك أي جديدٍ في توصيات الحوار الوطني مقارنةً مع الدستور القائم والقوانين سوى الدعوة لتعيين رئيسٍ للوزراء.

لكن احزاب المعارضة ترى أن حكومة الرئيس البشير، فشلت في تلبية الحد الأدنى من شروط أحزاب المعارضة مثل وقف الحرب في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، والسماح بمرور مواد الإغاثة لتلك المناطق، واطلاق الحريات العامة، والكف عن مراقبة الصحافة وملاحقة الصحفيين، واطلاق سراح المعتقلين، والتفاوض في ظل رقابة دولية من الاتحاد الافريقي والمجتمع الدولي عبر شروط اتفاق “خارطة الطريق” التي وقعت عليها قوى المعارضة الرئيسية مع حكومة الخرطوم في أغسطس 2016 في العاصمة الاثيوبية أديس ابابا.

كما لم تجد قوى المعارضة السياسية المعروفة، بما في ذلك حزب الأمة والفصائل الرئيسية لحركات التمرد في دارفور، والأفضل قدرةً على إقناع المجتمع الدولي بأن تغييراً يستحق الاهتمام يحدث في السودان، على مائدة الحوار الوطني والتفاوض ما يحرك شهيتها للتقدم، فآثرت المقاطعة والانتظار.

حزب الامة الذي يتزعمه رئيس الوزراء الصادق المهدي الأسبق الذي رفض المشاركة في الحوار، اعتبر أن ما حدث في الخرطوم هو حوارٌ بين السلطة ومؤيديها فقط، وقال على لسان مريم المهدي، نائبة رئيس الحزب، أنهم على استعدادٍ للنظر في مخرجات الحوار، لأنه ليس عليها خلاف. ولكنها اشترطت وقف الحرب كأولوية، ومكافحة الفساد، إلى جانب إجراء تحقيقاتٍ شاملة في دعاوى استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين بغرب السودان.

كما قاطع الحوار الحزب الشيوعي السوداني الذي يتمتع بنفوذ سياسي واعلامي كبير بالرغم من قلة عضويته، بل امتنع عنه حتى بعض شركاء المشروع السياسي الإسلامي للنظام مثل الدكتور غازي صلاح الدين الذي انشق عن الحزب الحاكم قبل بضع سنوات وتحدث عن نتائج المؤتمر بلغةٍ متحفظة.

فقد قال “الحوار بضاعة العصر ولا بديل له”، داعياً إلى ضرورة انطلاقه من متطلباتٍ أساسية كحسن النوايا وعدم انطلاقه من ظلم أو تسوية سياسية وضرورة أن يُفضى لنتائج عادلة. واعتبر أن الحوار قام للإصلاح السياسي وإصلاح الدولة وضرورة توجيه مؤسساتها، مطالباً بالسعي إلى تضمين جانب إصلاح الحركة السياسية كمادة في الحوار الوطني وأضاف أن حزبه ملتزم بمخرجات الحوار والتبشير بالمشروع القومي السوداني.

عيون من الخارج

بالرغم من ان الحكومة السودانية تتوجس من الوساطة الافريقية التي يقودها الرئيس الجنوب الافريقي السابق ثامو امبيكي، إلا انها مضطرة لمسايرته لأن الخرطوم تعول كثيراً على موقف المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الأوربي لرفع المقاطعة الاقتصادية الامريكية المفروضة على السودان منذ سنوات. إضافةً إلى عامل مهم لمصلحتها وهو معارضة الإدارة الامريكية الصريحة لفكرة اسقاط حكومة الخرطوم بالقوة شريطة وقف الحرب الأهلية وتحقيق تسوية سلمية شاملة، وأن تلعب الخرطوم دوراً إيجابياً في الحرب الأهلية بجنوب السودان، وأن تواصل الحكومة تعاونها مع واشنطن في حربها ضد الإرهاب، ومساعدة الاتحاد الأوروبي في مكافحة الهجرة غير الشرعية.

وقد تلقت حكومة الخرطوم بمزيجٍ من الرضى والامتعاض تصريح الحكومة الامريكية باعتبار مشروع الحوار الوطني، مرحلة أولى تمهد لمشاركة أوسع لكافة القوى المعارضة التي وقعت على خارطة الطريق، وحذرت في الوقت نفسه من أن إنهاء الحوار سيعيق المفاوضات مع القوى المسلحة. ونصح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية حكومة الخرطوم، بالسعي لإقرار حوارٍ شامل يضم قوى المعارضة السياسية والمسلحة لإنهاء النزاع الداخلي.
لكن أمل الأوروبيين والأمريكيين في أن يتحول هذا المؤتمر إلى مخرجٍ حقيقي في السودان لم ينقطع، حيث واصل السفير الالماني بالخرطوم، أوليش كولشير، مساعٍ تقودها بلاده لإقناع الممانعين بالانضمام الى الحوار الوطني في السودان، وهو مسعى يمكن أن تستأنفه الذراع الامريكية الطويلة الغليظة عقب انتخاب دونالد ترامب.

ويبدو أن قائمة قادة الدول الذين حضروا ختام مهرجان مؤتمر الحوار الوطني في الخرطوم يُسلط الضوء على الحاجة إلى الإصلاح. فقد كان من بين الحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والتشادي إدريس ديبي، والموريتاني محمد ولد عبد العزيز، الأوغندي يويري موسيفني، وجميعهم من ذوي الخلفية العسكرية ومجروحي الشرعية مثل مضيفهم البشير.