وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الجبهة الكردية المنقسمة في بغداد ستعمّق التوترات الداخلية

الجبهة الكردية المنقسمة
صورة تم التقاطها يوم ١٠ أكتوبر ٢٠٢١ لشابين من أكراد العراق وهما يرفعان أصبعيهما الملطخين بالحبر عقب اقتراعهما في أحد مراكز التصويت الموجودة في مدينة دهوك العراقية الموجودة في المنطقة الكردية التي تتمتع بالحكم الذاتي، وذلك على هامش الانتخابات البرلمانية المبكرة التي تم تنظيمها في ذلك اليوم. المصدر: Ismael ADNAN / AFP.

علي كردستاني

تمخضت نتائج الانتخابات العراقية المبكرة التي أُجريت في أكتوبر الماضي عن واقع سياسي جديد؛ فقد أصبح الشيعة والأكراد أكثر انقساماً بينما صارت جبهة السنّة أكثر اتحاداً. وجرت العادة أن تعقب أيّ انتخابات وطنية عراقية قيام القيادة والأحزاب الكردية بالدعوة إلى تشكيل جبهة سياسة موحدة لإجراء محادثات مع الكتل السياسية الأخرى ومن أجل تنسيق المشاركة في الحكومة العراقية. بيد أن هذه الجهود لم تقد في هذه المرة إلى ما يزيد عن إجراء زيارة مشتركة لبغداد. ويبدو أن أكراد اليوم منقسمون في بغداد أكثر من أي وقت مضى. وعليه، ستشهد السنوات الأربع التالية تراجعاً لتأثير الأكراد في بغداد، ما قد يلقي بظلاله على إقليم كردستان ويؤدي إلى توليد المزيد من المشاكل داخل هذا الإقليم.

الوحدة الكردية في خطر

بدأت التوترات تشتعل بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني عقب فشلهما في تشكيل جبهة موحدة. ففي الجلسة البرلمانية الأولى التي عُقدت في 9 يناير، قاطع الاتحاد الوطني الكردستاني الجلسة ولم يصوت لمرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني على منصب النائب الثاني لرئيس البرلمان. ثم قدم كل حزب مرشحه لرئاسة العراق، إذ رشح الحزب الديمقراطي هوشيار زيباري، ورشح الاتحاد الوطني برهم صالح لولاية ثانية. وبعد ذلك، ما كان من الحزبين إلا أن تبادلا التهم واللوم وحمّل كل منهما الآخر مسؤولية هذا الانقسام الكردي في بغداد.

بدايةً، ألقى الاتحاد الوطني الكردستاني باللوم على الحزب الديمقراطي الكردستاني، متهماً إياه باتخاذ قرارات منفردة أدت إلى تفكيك الوحدة الكردية والإصرار على الاستئثار بمنصب الرئاسة وعدم تركه لأي جهة أخرى. وعقب الإعلان عن ترشيح برهم صالح لولاية ثانية في 23 يناير، أصدرت قيادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بياناً جاء فيه: “إن الحزب الديمقراطي الكردستاني قام بشكل منفرد وخارج عن إرادة ووحدة الشعب الكردي والقوى السياسية، بخطوات واتفاقات مع الجهات السياسية، وقدّم مرشحه إلى منصب رئيس الجمهورية، وهو المنصب الذي يُعدّ استحقاقاً كردياً وحقاً مكتسباً لن يتنازل الحزب عنه”.

ومنذ عام 2005، تولى الاتحاد الوطني الكردستاني منصب الرئاسة. ولم يقدّم الحزب الديمقراطي الكردستاني مرشحاً إلا في عام 2018. وكان فؤاد حسين، وزير الخارجية العراقي الحالي، مرشح الحزب الديمقراطي لشغل المنصب حينذاك، لكن برهم صالح تمكن من الفوز في تلك الانتخابات.

لكن ما يجري هذه الأيام يدل على أن الحزب الديمقراطي لا يرى منصب الرئيس العراقي حقاً موقوفاً لصالح الاتحاد الوطني الكردستاني. ويعتقد الحزب الديمقراطي أن برهم صالح ليس مناسباً للمنصب، وعليه فهو يرى أن الاتحاد الوطني قد أرغمه على اتخاذ قرار الدفع بمرشح آخر. ورداً على بيان الاتحاد الوطني الكردستاني، قال محمود محمد، المتحدث باسم الحزب الديمقراطي إن “منصب رئيس جمهورية العراق استحقاق للشعب الكردستاني وليس حقاً مكتسب لحزب أو فرد معين”.

وتابع محمود: “بناءً على هذا المبدأ، يجب أن يتوفر شرط واحد في أي شخص يشغل منصب الرئيس العراقي وهو أن يكون كردياً. كما يجب أن يحوز ثقة ودعم كل الأحزاب الكردية. ومع ذلك، أصرّ الاتحاد الوطني الكردستاني على الدفع بمرشح كردي، دون موافقة الأحزاب السياسية الكردية الأخرى. هم يرون أن ذلك المنصب استحقاق حزبي ولا حاجة إلى اتفاق على مرشح وطني واحد”.

برهم صالح
صورة تم التقاطها يوم ٢٢ يناير ٢٠٢٠ للرئيس العراقي برهم صالح أثناء حضوره لإحدى الجلسات التي تم تنظيمها على هامش فعاليات اللقاء السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس. المصدر: Fabrice COFFRINI / AFP.

وأضاف المتحدث باسم الحزب الديمقراطي: “كان على الاتحاد الوطني الكردستاني أن يتصرف بحكمة أكبر في شأن منصب الرئيس ووحدة الشعب الكردي، وعليه أن يتحمل المسؤولية عن الوضع الحالي وما ينتج عنه من تداعيات”.

في بادئ الأمر، بدا أنّ مشكلة الحزب الديمقراطي الكردستاني تكمن في ترشيح برهم صالح نفسه، وأن الحزب ربما يقبل مرشحاً آخر من الاتحاد الوطني الكردستاني. لكن ما اتضح لاحقاً هو أن الحزب يرغب في الحصول على منصب الرئيس. وبعبارة أخرى، فإن الحزب يبحث عن تعزيز سلطته ونفوذه وتحقيق العديد من الإنجازات المهمة.

وفي هذا السياق، قال البروفيسور دلاور علاء الدين، مؤسس مركز الشرق الأوسط للبحوث (ميري) في أربيل، في حديثه لموقع “فنك” إن الوضع الآن يختلف عما كان عليه في عام 2018، إذ لم يتمتع الحزب الديمقراطي عقب استفتاء عام 2017 بعلاقاتٍ جيدة مع الأحزاب العراقية. أما الآن، فإن المعادلة اختلفت وباتت علاقات الحزب بالأحزاب العراقية جيدة. ويرى علاء الدين أن “المسألة أعقد من مجرد مناقشة أمر ترشيح برهم صالح، إذ يبدو أن الحزب الديمقراطي قد قرر العودة إلى بغداد ليصبح شريكاً قوياً في عملية صنع القرار”. وبحسب علاء الدين، فإن الحزب الديمقراطي يطمح إلى دور أكثر فاعلية في البرلمان العراقي ويريد شغل المناصب المؤثرة في البرلمان.

ويرى علاء الدين أن ما يحدث فرصة تاريخية للحزب الديمقراطي الكردستاني. فالحزب لم يكن له في الماضي أن يتخذ خطوات حاسمة كتلك من دون الاتحاد الوطني الكردستاني. وقد استفاد الحزب من ضعف الاتحاد الوطني الكردستاني بسبب سياساته الداخلية. ويعتقد علاء الدين أن الحزب الديمقراطي ليس مهتماً بتقديم يد العون للاتحاد الوطني في ظل هذه الأوضاع. وأضاف: “إن الحزب الديمقراطي الكردستاني يرى أنه الأحق بالخطاب الكردي وباتخاذ القرارات في إقليم كردستان. وصحيح أن الحزب يخوض مغامرات ومواجهات عدة على هذا الصعيد، لكنه اتخذ هذه الخطوة تحديداً أملاً في تحقيق إنجازات مؤثرة”.

ورغم الانقسام بين الحزبين في بغداد، فإن الأحزاب الكردية الأخرى مثل حركة الجيل الجديد والاتحاد الإسلامي الكردستاني وجماعة العدل الكردستانية لم تدعم أياً من المرشحيّن للرئاسة. ولم يُعرف بعد إذا كانت هذه الحركات ستدعم أحد المرشحيّن. وقد قررت هذه الأحزاب الكردية الانضمام إلى المعارضة في البرلمان العراقي بدلاً من المشاركة في تشكيل الحكومة الجديدة. لكن حركة الجيل الجديد دفعت بمرشح للرئاسة، ويبقى للحركة الحق في الاستمرار أو سحب ترشيحه.

وفي ديسمبر من عام 2021، شكلت حركة الجيل الجديد مع حركة امتداد وبعض النواب المستقلين تحالفاً أُطلق عليه اسم “من أجل الشعب” يتكون من 28 نائباً بقيادة شاسوار عبد الواحد رئيس حركة الجيل الجديد.

وقد حدد مجلس النواب العراقي يوم السابع من فبراير لعقد جلسة وانتخاب رئيس جديد. لكن بعض التطورات في المشهد السياسي قد تؤدي إلى تأجيل الجلسة أو إلغائها.  فقد أعلن التيار الصدري يوم 5 فبراير عن مقاطعة الجلسة ووقف محادثات تشكيل الحكومة مع الأحزاب الأخرى. وقد صدر هذا القرار بعد تغريدة مقتدى الصدر في الرابع من الشهر الجاري “إذا لم يكُ مرشح الحزب الديمقراطي الحليف -بل مطلقاً- مستوفياً الشروط… فأنا أدعو نواب الإصلاح لعدم التصويت له”.

هوشيار زيباري
صورة تم التقاطها يوم ٧ سبتمبر ٢٠١٧ لهوشيار زيباري، مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني لمنصب الرئيس العراقي ووزير الخارجية الأسبق، وذلك على هامش مقابلة أجرتها معه وكالة فرانس برس في أربيل، عاصمة المنطقة الكردية الموجودة شمال العراق. المصدر: SAFIN HAMED / AFP.

ورغم موافقة البرلمان العراقي الجديد على ترشح زيباري، علّقت المحكمة الاتحادية العراقية إجراءات انتخابه مؤقتًا حتى حسم الدعوى. وبحسب ما ورد في بيان المحكمة، فإن زيباري لم يستوف الشروط الخاصة بالسمعة الحسنة والنزاهة. ويأتي قرار المحكمة استجابة للطعن الدستوري الذي قدّمه هذا الشهر أربعة نواب برلمانيين (نائب مستقل وثلاثة نواب من الاتحاد الوطني الكردستاني). وإذا ما فقد زيباري حقه في الترشح للرئاسة، فسوف يزداد توتر العلاقات بين الحزبين الكرديين، سيّما وأن الحزب الديمقراطي يصرّ على ترشيح زيباري فقط للرئاسة.

ويُذكر أن زيباري قد عزله البرلمان العراقي من منصب وزير المالية في عام 2016 بسبب شبهات فساد.

ووفقًا للدستور العراقي، يجب أن يحضر ثلثا النواب (أي 220 نائباً) في دورة الانعقاد الأولى لانتخاب رئيس جديد. ويحدد الدستور يوم الثامن من فبراير موعداً نهائياً لانتخاب رئيس جديد. وفي حال فشل البرلمان في انتخاب رئيس جديد في الموعد المحدد، سيجد البرلمان نفسه أمام تفسيرين للدستور. فإما أن يستمر الرئيس الحالي في منصبه حتى تتفق الأحزاب، وإما يُعتبر ذلك فراغاً دستورياً، وهو ما يتطلب فتح الباب لمرشحين جدد.

وهناك مرشحون أكراد آخرون لشغل منصب الرئيس. فقد رشحت حركة الجيل الجديد النائب ريبوار عبد الرحمن لشغل المنصب. وتتضمن قائمة المرشحين الدكتور جمال عبد اللطيف رشيد وهو وزير الموارد المائية السابق عن الحزب الوطني الكردستاني وزوج عضو المكتب السياسي للحزب ذاته شاناز إبراهيم أحمد (وهي شقيقة زوجة زعيم الحزب الراحل جلال طالباني). لكن فرصة رشيد تبدو ضئيلة نظراً لأنه لم يحصل على موافقة الاتحاد الوطني الكردستاني من أجل الترشح للرئاسة.

التأثير على استقرار حكومة إقليم كردستان

الجبهة الكردية المنقسمة
صورة تم التقاطها يوم ٢٣ نوفمبر ٢٠٢١ لشرطة مكافحة الشغب العراقية وهي تتمركز في مواقعه في محاولة لفض تظاهرة نظمها طلاب الجامعة لمطالبة الحكومة بدفع المخصصات الشهرية التي تم إيقافها منذ عام ٢٠١٤، وذلك بالقرب من جامعة السليمانية شرقي كردستان. المصدر: Shwan MOHAMMED / AFP.

منذ عام 2005، اعتمد الاستقرار السياسي لإقليم كردستان ووحدته على الاتفاق الاستراتيجي بين الحزبين الكرديين الرئيسيين لتقسيم المناصب المؤثرة في بغداد وأربيل. ومن ثمّ، فإن التطورات الجديدة ستؤثر على الاستقرار السياسي والإداري لحكومة الإقليم.

وبحسب كاوا حسن، المدير التنفيذي لمنظمة “ستيمسون يوروب”، من المرجح أن تثر التوترات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني حول الرئاسة بشكلٍ سلبي على الإقليم والعلاقات بين الحزبين. وقال حسن لموقع فنك: “لا يمكن لأحد التحدث عن وحدة كردية إلا عندما يتوصل الحزبان إلى اتفاق فيما يخص الأموال والمواقف السياسية. وسيكون مثل هذا الاتفاق جيداً لتحقيق التوازن ومنع إراقة الدماء في كردستان”.

وكانت الانقسامات الداخلية التي عانى منها الاتحاد الوطني الكردستاني على امتداد العقد الماضي قد أضعفت موقع الحزب داخل حكومة الإقليم. وبناءً على ذلك، فإن الاتحاد الوطني بحاجة لأن يتمتع بدور مؤثر في بغداد لموازنة دوره مع الحزب الديمقراطي في كردستان. وسوف يصبح القيام بهذا الدور أهم إذا أُجلّت الانتخابات البرلمانية الكردية الجديدة إلى وقت لاحق من هذه السنة في سبتمبر أو نوفمبر. وإذا لم يتفق الحزبان على المواقف السياسية بحلول ذلك الوقت، فسيكون الاستقرار السياسي لحكومة كردستان على المحك.

ويرى البروفيسور علاء الدين أن الحزب الديمقراطي الكردستاني “لا يٌلقي بالًا لتداعيات ميزان القوى على إقليم كردستان”، مشدّداً على أن هذا الأمر لا بد وأن يثير قلق الاتحاد الوطني الكردستاني”. وبحسب علاء الدين، فإن الانقسام على المواقف السياسية في بغداد لن يؤدي إلى “انهيار الحكومة في أربيل، فالحزبان يرغبان في الحفاظ على هذه الحكومة حتى الانتخابات المقبلة”، لكنه “سيعطل توحيد حكومة الإقليم الذي يحتاج إلى تضمين السلطات المالية وبعض السلطات التنفيذية”.

كلا الحزبين لهما مصالح متضاربة في بغداد وهما يعملان حالياً ضد الآخر للحصول على دعم لمرشحيهما. لكن في ظل الاختيارات المتاحة والخبرة السابقة، من المرجح أن يتوصل الحزبان إلى اتفاق، خاصةً بعد تشكيل الحكومة الجديدة في بغداد. وفي هذا السياق، يقول كاوا حسن: “إذا فاز الحزب الديمقراطي الكردستاني بالرئاسة، فسيقبل الاتحاد الوطني الكردستاني في النهاية بالواقع الجديد، وإلا فسيتعين على الاتحاد الوطني الكردستاني محاربة الحزب الديمقراطي الكردستاني أو الانضمام إلى المعارضة أو البقاء في هذه الشراكة بحصة ضئيلة”. ويعتقد حسن أن الاتحاد الوطني الكردستاني لن ينسحب على الأرجح من العملية السياسية، لأن ذلك سيعني التخلي عن العديد من الامتيازات. وقد يتوصل الاتحاد الوطني الكردستاني إلى اتفاق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني للحصول على منصب محافظ كركوك أو منصب آخر في حكومة كردستان أو بغداد.

ورغم أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يبدو في وضع أفضل للفوز بالرئاسة هذه المرة، فإنه لا توجد ضمانات لحصول ذلك. فقد يتغير أي شيء في اللحظة الأخيرة. ويعني هذا أن الاتحاد الوطني الكردستاني قد يفوز بالمنصب. ومع ذلك، إذا فاز الحزب الديمقراطي الكردستاني بالرئاسة، فإن ذلك سينهي توازن القوى بين الحزبين. ومن ثمّ، فقد يُضطر الاتحاد الوطني إلى الضغط على الحزب الديمقراطي في إقليم كردستان. ورغم أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يتمتع بمكانة أقوى في حكومة الإقليم لتوليه مناصب مؤثرة فيها، فالاتحاد الوطني الكردستاني ما يزال يتمتع بسلطة كاملة على الأمن والاستخبارات وقوات البشمركة والأموال في مناطق السليمانية وحلبجة وغرميان ورابرين، والتي تُعرف بالمنطقة الخضراء. وفي حال خسر مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني انتخابات الرئاسة، فسوف يسعى الحزب إلى شغل مناصب رئيسية داخل حكومة الإقليم وخاصة منصبي رئيس الإقليم أو رئيس الوزراء.