وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الانتخابات العراقية.. وكارثة المعادلة الصفرية

الانتخابات العراقية
صورة تم التقاطها يوم ١٥ يوليو ٢٠٢١ لسائق توكتوك يمر ببوستر كبير لرجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر في مدينة الصدر شرقي العاصمة بغداد. المصدر: AHMAD AL-RUBAYE / AFP.

حسين الزعبي

من المقرر أن يشهد العراق انتخابات نيابية مبكرة في العاشر من أكتوبر 2021؛ انتخاباتٌ هي “الأسوأ” ليس فقط للواقع السياسي والاقتصادي والمجتمعي فحسب، بل لما قد يترتب عليها من نتائج – لا يستبعد الباحث في الشأن السياسي العراقي حذيفة المشهداني – أن تكون أخطر من تلك التي ترتبت على “العبث” بنتائج انتخابات عام 2010، والتي كان لها أن تضع العراق على سكة الخلاص لولا تدخل الإرادات الخارجية بأدوات داخلية.

لحسن الحظ، شاركت كصحفي في تغطية تلك الانتخابات بدمشق، وكانت سوريا في حينه تحتضن نحو مليون ونصف المليون عراقي بحسب إحصائيات غير رسمية. وقتها، سمح لمن هم خارج العراق بالتصويت، على عكس هذه الدورة التي استبعد منها الملايين ممن هم خارج العراق.

كان الإقبال على التصويت كثيفا وأجواء المنافسة حاضرة، وبدا واضحا أن قائمة “العراقية” التي تزعمها الشيعي “العلماني” إياد علاوي متقدمة لاسيما في المراكز الانتخابية في مناطق “جرمانا” و”قدسيا” وهي مناطق يقطنها “سنة” و”شيعة” من العلمانيين وكذلك عراقيين مسيحيين. أما منطقة السيدة زينب، فكانت تمثل تجمعا سكانيا داعما للأحزاب الدينية الشيعية، وبشكل خاص حزب الدعوة وواجهته السياسية نوري المالكي.

لماذا كانت تلك الدورة لها ما بعدها؟

لأن العراق، كما قال المشهداني لموقع “فنك”، كان فيه شيئا من التوازن المجتمعي بين المكونات الثلاثة، الشيعة العرب، والسنة العرب، وكذلك الأكراد، كحالة قومية تتمتع بحكم ذاتي في إقليم كردستان العراق. فلم تكن المدن ذات الغالبية السنية “الموصل، الرمادي، ديالى، صلاح الدين، بعقوبة، الفلوجة وغيرها” قد طحنتها حروب تنظيم “الدولة الإسلامية” وفرّت غالبية سكانها، وتعرضت لعمليات تهجير قسري وتغيير ديمغرافي لاسيما في محافظة ديالى. وهذا ما كان ليحدث لو أن قائمة “العراقية” تسلمت إدارة البلاد. فهي كانت قادرة كما يرى المشهداني على وضع العراق على السكة الصحيحة لأنها ذات توجه علماني بعيد عن حالة الاستقطاب الطائفي وضمت شخصيات مؤثرة شيعية وسنية وغيرها من المكونات مثل إياد علاوي، ونائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي، ورافع العيساوي، واسكندر وتوت، وعالية نصيف، قائم الشمري، جمال بطيخ، راسم العوادي وغيرهم.

والأهم من ذلك أن العراق كان قد خرج لتوّه، نسبيا، من مطحنة “الحرب الأهلية” التي أشعل شرارتها تفجير مرقد الإمامين في مدينة سامراء، إذ تجرعت البلاد مرارة الاقتتال الداخلي والتمترس الطائفي. هذا الأمر دفع عراقيين كثر لمحاولة البحث عن قائمة تمثل ما أمكن أطياف الشعب العراقي، بطروحات بعيدة عن الحالة الطائفية الفجة ورافضة لقوانين فرضتها مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي تم تسيسها ونفذت بشكل ثأري ومن بينها قانون اجتثاث البعث الذي تحول إلى تهمة جاهزة يمكن إلصاقها بأي خصم، مثلما كانت رافضة لدولة المكونات داعية لدولة المواطنة.

تمكن الناخبون العراقيون من جعل قائمة “العراقية” في المركز الأول، لكن إرادة الشعب أضعف من التوافقات الدولية، وفي هذا السياق يقول مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق “بن رودس” في كتابه “العالم كما هو”: “بايدن هو الشخص الذي اختطف الاستحقاق الانتخابي من إياد علاوي وأهداه للمالكي بضغط إيراني، حدث ذلك في مسقط في عمان.. إياد علاوي فاز في انتخابات 2010 وهذا ما أزعج الإيرانيين كثيراً، لذلك هدد الإيرانيون بوقف مفاوضات الملف النووي، إذا ما صار علاوي رئيساً للوزراء في العراق، وطلبت من أوباما بكل صراحة ووضوح أن يسهل ويدعم المالكي للوصول إلى الحكم”. إياد علاوي وفي تعليقه على هذا الأمر يقول: “إن إيران لم ترفض وجودي على رأس الحكومة وحسب، بل رفضت وجود أي عضو في قائمة العراقية”.

وهنا يقول المشهداني: “تمت ملاحقة معظم أعضاء قائمة العراقية. منهم من اضطر للخروج هربا من المادة المعروفة بـ (إرهاب 4) ومن بينهم طارق الهاشمي. كما مورست ضغوط بتهمة الفساد على آخرين. فيما انتقل آخرين إلى قائمة دولة القانون التي يتزعمها المالكي المنتمي لحزب الدعوة الإسلامية الشيعي منذ العام 1970، ترهيبا وترغيبا”.

الإرادة الإيرانية والموافقة الأمريكية، تم تخريجها دستوريا كما يقول المشهداني بتغيير قاعدة أقرها الدستور نفسه الذي أقيمت وفقه الانتخابات وكان يعرف بـ “دستور بريمر” نسبة للحاكم المدني الأمريكي في العراق بول بريمر. القاعدة تقول بأن القائمة الحاصلة على أكبر نسبة من الأصوات هي من يشكل الحكومة. وتم الاستناد بدلا من ذلك إلى قاعدة “الكتلة الأكبر”. وجاء نوري المالكي المعروف بـ بأنه “رجل إيران القوي” إلى رئاسة الحكومة، وتم التمديد له حتى العام 2014.

علاوي وإن غاب عن المشهد، لكنه كما يقول الباحث العراقي حسن العلوي، بسبب منشأه البرجوازي، لا بد وأن يؤدي دورا من خلف الكواليس. فها هو يعلن عزوفه عن المشاركة في الانتخابات ويسمح في الوقت نفسه لأعضاء قائمته “الوطنية” بالمشاركة، ومن بينهم ابنته سارة التي تنتشر صورها في شوارع بغداد إلى جانب صورته.

فسادٌ بحجم كارثة

الانتخابات العراقية
صورة تم التقاطها يوم ١٤ سبتمبر ٢٠٢١ في العاصمة العراقية بغداد لبوستر إحدى الحملات الانتخابية المخصصة للانتخابات البرلمانية المقبلة. ويعيش العراق منذ ما يقارب عقدين من الزمن حالة من الحرب والاضطراب منذ الغزو الأمريكي الذي أسقط صدام حسين عام ٢٠٠٣ ووعود بجلب الحرية والديمقراطية للبلاد. وعلى الرغم من إجراء الانتخابات البرلمانية في العاشر من أكتوبر، فإن هناك أمل ضئيل بأن تحدث صناديق الاقتراع تغييراً كبيراً في البلاد. يأتي ذلك في الوقت الذي تسود فيه العراق حالة من خيبة الأمل حيال الطبقة السياسية، حيث يُنظر لهذه الطبقة على نطاقٍ واسع كطبقة فاسدة وتفتقر للكفاءة. المصدر: AHMAD AL-RUBAYE / AFP.

فترة حكم المالكي شهدت أعلى معدلات الفساد بحسب تقارير دولية ومن بينها تقرير لمنظمة الشفافية الدولية صدر في العام 2013 أشارت فيه إلى أن “تقرير المفتش العام الأمريكي الخاص ببرنامج إعادة اعمار العراق، ستيوارت باوين، الذي عرف باسم (دروس من العراق)، أظهر أن ما مقداره 800 مليون دولار كانت تحوّل بشكل غير قانوني أسبوعياً خارج العراق”. وكان باوين قد حقق في عمليات فساد امتدت لعشر سنوات تقريباً اشتملت على أموال أمريكية. ويقتبس باوين في التقرير كلاماً لوزير عراقي سابق، جاء فيه أن “الفساد اليوم أسوأ من أي وقت مضى”، وأنه عاد ليشكل “كارثة”.

ومن أبرز قضايا الفساد في عهد المالكي والتي طفت إلى سطح وسائل الإعلام ملف التسليح، إذ أخفت لجنة العقود مصير المليارات من الدولارات بحجة شراء أسلحة من دون وجود أسلحة أصلا. وأشارت وسائل الإعلام لملف فساد يرتبط بمستشفى عسكري وهمي بقيمة مليار دولار له. وكان من المفترض أن يتم تخصيص هذا المشفى لتقديم خدمات حديثة ومتطورة للعسكريين، لكن تبين في التحقيقات أنه غير موجود في العراق، حتى أنه لم يتم وضع حجر الأساس له. كما تتضمن القائمة فضيحة هروب 6 وزراء و53 مسؤولا حكوميا من ذوي الرتب الخاصة في حكومة المالكي. ومن أهم أولئك الوزراء وزير التجارة السابق فلاح السوداني القيادي في حزب الدعوة ووزير الدفاع الأسبق عبد القادر العبيدي ووزير الكهرباء الأسبق كريم وحيد.

وتشمل قضايا الفساد ملف الطائرات التي قال المالكي إنه اشتراها من روسيا. وتبين أنّ تلك الطائرات هي الطائرات العراقية التي لم تعطها إيران الإذن بالهبوط في الحرب الأمريكية ضد العراق واضطرت للهبوط في روسيا آنذاك. من جانبٍ آخر، عمد عسكريون إلى إنشاء معتقلات في قواعدهم وكانوا يعتقلون الناس ثم يرجعوهم لأهلهم مقابل مبالغ مالية كبيرة. واتهم بهذا العمل قائد عمليات نينوى آنذاك مهدي الغراوي الذي كان مقربا من المالكي وهرب فيما بعد من العراق. من الملفات التي تزيد الطين بلّة، اكتشاف سحب 16 مصرفا أهليا للأموال من البنك المركزي العراقي بوصولات مزيفة. وبحسب تقرير بوين، فإنه تم اعتقال عدد من موظفي تلك المصارف، علماً بأنه تم إرسال “ملايين الدولارات التي تم سحبها من المركزي العراقي إلى إيران لمساعدتها على تجاوز العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها”. كما يشير التقرير إلى نقل أحمد نوري المالكي مليارا و500 مليون دولار أمريكي من الأموال العراقية إلى لبنان خلال فترة حكم والده.

ملفات الفساد التي تناولتها وسائل الإعلام كان أخطرها موضوع سقوط الموصل بيد تنظيم “الدولة الإسلامية”. وفي هذا السياق، يدخل على الخط مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق بن رودس في كتابه “العالم كما هو” إذ يقول: “إن المالكي هو من أعطى الأمر بفتح السجون لكي يهرب عملاء إيران من تنظيم القاعدة، الذين أسندت لهم مهمة تأسيس داعش. والمالكي هو من أمر الجيش بالهروب من الموصل عمداً وترك العتاد العسكري، الذي تزيد قيمته على 20 مليار دولار”. ويضيف رودس في كتابه: “إن المالكي تقصّد إبقاء مبلغ 600 مليون دولار في فرع البنك المركزي في الموصل، وبهذا ساهم في إدخال 600 عنصر من داعش الى الموصل في عام 2014، وزودهم بما يلزمهم من أموال وعتاد. ورغم أن تقرير لجنة الأمن والدفاع النيابية العراقية حمّل المالكي بصفته القائد العام للقوات المسلحة المسؤولية عن سقوط مدينة الموصل، إلا أن القضاء لم يحرّك ساكنا حيال ذلك.

وها هي قائمة دولة القانون المحسوبة على المالكي في طريقها لخوض انتخابات أكتوبر، وهي تملك من الأدوات الترهيبية والترغيبية ما يمكنها من الفوز وإعادة المالكي رئاسة الوزراء، فكيف لا تكون الأمور ذاهبة للأسوأ، يتساءل المشهداني. الأمر نفسه يذهب إليه إياد علاوي، فهذا الأخير يرى أن لا أمل في إحداث تغيير في الواقع العراقي ما دام النظام السياسي قائم على المحاصصة المقررة في الدستور، وما لم يتم تعديل قانون الانتخاب، وكذلك آلية عمل المفوضية.

 

ميليشيات بأذرع سياسية

الانتخابات العراقية
مناصرو الزعيم الديني العراقي مقتدى الصدر يحملون بوسترات عليها صورته أثناء مسيرة نظموها في مدينة النجف الأشرف يوم ٢٧ أغسطس ٢٠٢١ دعماً لقرار الصدر بالمشاركة في انتخابات أكتوبر. وعدل الصدر، وهو رجل دين شيعي شعبوي، عن قراره بمقاطعة انتخابات أكتوبر وقال إن حركته ستشارك في الانتخابات لـ “إنهاء الفساد”. المصدر: Ali NAJAFI / AFP.

من مفارقات المشهد الانتخابي العراقي أن قانون الأحزاب والدستور العراقي يمنع مشاركة أي حزب له جناح عسكري في الانتخابات. ورغم ذلك، فإن القوائم الكبرى كافة لديها أجنحة عسكرية لا تخفيها، ومنها من تأسس أصلا عسكريا ومن ثم شكل مجلسا سياسيا. فحركة “عصائب أهل الحق” وهي ميليشيات مسلحة قاتلت في العراق وفي سوريا بزعامة قيس الخزعلي تخوض الانتخابات تحت كتلة “صادقون”، وهذا ما أعلنه المتحدث باسم المكتب السياسي للحركة محمود الربيعي. الأمر نفسه ينطبق على التيار الصدري، الذي يتزعمه، مقتدى الصدر، الحائر بين أن يكون رجل دين أو رجل سياسة، فهو منخرط في الشأن السياسي حتى النخاع فيما يحاول أنصاره أن يفرضوا على الآخرين معاملته كرجل دين غير قابل للانتقاد..

هذا التيار تشكّل بداية على شكل ميليشيات مسلحة عرفت بجيش المهدي، ومن ثم تمّ حلّها. وأعلن بعد ذلك عن تشكيل التيار الصدري كجسم سياسي، ألحقت به ميليشيات مسلحة أُطلق عليها اسم “سرايا السلام“. هذه السرايا تدخلت في تظاهرة الطلاب في 4 فبراير 2020 وتوفي في الشهر نفسه متظاهر مناهض متأثرا بجروحه بعد طعنه بالسكين جنوب بغداد، خلال هجوم على متظاهرين من قبل ميليشيا الصدر، بحسب ما أكدت مصادر طبية وأمنية لوكالة فرانس برس.

وبالعودة إلى فكرة الترشح، فإن التيار الصدري حزبٌ سياسي لديه ميليشيات مسلحة، وهو سيخوض الانتخابات تحت قائمة “سائرون” المرشحة بقوة للفوز، رغم أن مبدأ الترشح مع وجود ميليشيات مسلحة يتعارض مع قانون الأحزاب. وفي سياق مشاركة التيار الصدري، يمكن القول إن متزعمه مقتدى يتميز سياسيا بما يمكن تسميته “التردد”. فهو يعلن عن موقف ولكن سرعان ما يتراجع عنه. ففي العام 2010، وصف إعادة ترشيح المالكي لرئاسة الوزراء “كأكل الميتة (الجيفة) في الفقه”، لكنه عاد وصوّت لصالح المالكي. وبعد فتح باب الترشح لانتخابات أكتوبر المقبلة، قال: “حرامٌ عليّ إلى يوم الدين أن أدخل في الانتخابات”. وبعدها بشهر، قال: “سأدخل في الانتخابات والانتخابات ستكون عقائدية”. هذا الأمر يعتبره المتابعون ومن بينهم الاعلامي العراقي محمد السيد محسن نتاج ضغوط تمارس على الصدر، مستنداً في رأيه إلى قول الصدر التالي في إحدى المقابلات: “لو تحدّث بكل ما يحصل، لقلبت الدنيا”. ولعله في ذلك كان يشير إلى ما يمارس عليه من الضغوط لا يستبعد أن تكون من إيران.

القائمة الثالثة المنافسة وبقوة تبرز قائمة “الفتح” التي انبثقت أيضا عن جناح مسلح هو تنظيم “فيلق بدر” الذي يعود تاريخ نشأته إلى العام 1979 حين أصدر المرجع الشيعي محمد باقر الصدر فتواه بمواجهة حكم صدام حسين واعتبره “واجبا شرعيا”. وبناءً على ذلك تشكل “فيلق بدر” وتولى قيادتها “هادي العامري” الذي تولى كذلك كتائب “الحشد” في محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”. إلا أن آرين أيفرز من منظمة هيومن رايتس ووتش حمّل منظمة بدر مسؤولية عن انتهاكات “منهجية” تمتد من خطف الأشخاص وإعدامهم جماعيًا إلى تهجير السنة من بيوتهم ثم نهبها وحرقها، وفي بعض الحالات تسوية قرى كاملة مع الأرض. هذه القائمة والتي يشكل الشيخ جلال الصغير أحد مراجعها الدينية أعلنت بوضوح تمسكها بالسلاح. وفي كلمة وجهها الصغير للناخب العراقي، قال فيها: “انتخبوا الحشد لأنّنا في بيئة محاطة بالأعداء. يريد البعض منّا أن نلقي بأسلحتنا لقاء وعود… ولكن من يفقد السلاح أي ضمان له في ألا ينقض عليه العدو (لم يسمه) في أول لحظة يترك فيها سلاحه؟ بقاء الحشد هو الأمانة في مثل هذا المشهد”.

المفوضية والمراقبين: رغبة وإمكانيات

الانتخابات العراقية
صورة تم التقاطها يوم ٧ يوليو ٢٠١٨ لنائب الرئيس العراق إياد علاوي أثناء زيارته لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في منزله وسط النجف الشريف. وكانت كتلة الصدر قد فازت بأكبر حصة من المقاعد في انتخابات مايو التشريعية من ذلك العام. المصدر: Haidar HAMDANI / AFP.

المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق تصنف كهيئة مهنية حكومية مستقلة ومحايدة تخضع لرقابة مجلس النواب، لها المسؤولية الحصرية في تنظيم وتنفيذ والاشراف على كافة أنواع الانتخابات والاستفتاءات. المفوضية التي سمحت للأحزاب المسلحة الدخول بالانتخابات كما أسلفنا، تتجاهل مسألة أخرى وهي المرجعية غير العراقية للأحزاب. فالفقرة الأولى من قانون الأحزاب تنصّ على عدم تعارض فكر الحزب مع مبادئ الدولة ومبادئ الديمقراطية. وفي هذا الجانب، يتساءل الإعلامي محمد السيد محسن: “كيف يستوي الأمر مع وجود صور لشخصيات غير عراقية في مقرات الأحزاب، ومع إعلان قادة الأحزاب أنهم يأخذون الأوامر من هذا الشخص غير العراقي، مثل علي خامنئي؟، أليس هذا مخالفة صريحة للقانون واستهتار بعقل المواطن العراقي الناخب؟”. ورغم ذلك، فإن المفوضية، بحسب ما يضيفه السيد محسن: “لا تحرك ساكن ولا تعلن موقفا بهذا الخصوص”.

هذا عن مبدأ قبول الترشح. أما عن منع التزوير، فأعلنت المفوضية أن البطاقات الانتخابية الالكترونية (البايومترية) التي تعتمد على البصمة الثلاثية، بمثابة ضمانة لمنع التزوير. أما ورقة الاقتراع فهي، بحسب المفوضية، غير قابلة للاستنساخ. وأعلنت المفوضية أنها ستلجأ وبمساعدة الأمم المتحدة لإشراك 130 خبيرا ومراقبا دوليا من بينهم، 80 مراقبا من الاتحاد الاوروبي. لكن هذا بحسب السيد محسن لا يشكل أي ضمانة لمنع التزوير بوجود السلاح. وفي هذا السياق، يقول: “يكفي أن يقف شخص مسلّح بالقرب من المركز الانتخابي ويوجه كلمات تهديد للناخب إن لم ينتخب هذه القائمة أو تلك حتى يخضع الناخب خوفا على حياته”.

أما إياد علاوي الذي أعلن أنه لن يشارك في “انتخابات مزورة سلفا”، فيذهب إلى أبعد من ذلك ويوضح: “مفوضية الانتخابات ليست مستقلة ولا تعتمد كفاءات، والأجهزة الادارية لها بنيت على أسس حزبية وطائفية… مفوضية الأمم المتحدة تقول إن الانتخابات ستكون نزيهة، كيف عرفت ذلك؟”. ويضيف علاوي: “في الموصل 20 نائبا تقدموا بمذكرة إلى مجلس القضاء الأعلى بأن الحشد الشعبي بدأ التدخل بالانتخابات. وتم الكشف عن طبع 3 ملايين بطاقة انتخابية هذه البطاقات اختفت. أما البطاقة البايومترية، فقد طالبت بأن يتم الإشراف عليها من قبل شركتين متخصصتين ويتم تحصين أجهزة الكمبيوتر ضد أي تدخل وأن يتم الإعلان عن هذه الشركات”. علاوي يروي في هذا السياق ما قاله له رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي عندما كان الأخير رئيسا للمخابرات: “قال الكاظمي لي في بيتي أنه أدخل معه (هاكر) إلى اجتماع مجلس الأمن الوطني وتمكن هذا الهاكر من الدخول إلى الجهاز البايومتري وتمكّن من تغيير كل ما فيه خلال 4 دقائق”.

 

دعواتٌ للمقاطعة

الانتخابات العراقية
صورة تم التقاطها يوم ٢٣ مايو ٢٠٢١ لعراقي يجلس بالقرب من رسم غرافيتي كتب فيه بالعربية “أين قاتلي”. ويظهر في الغرفيتي الناشط العراقي المعروف والمناهض للحكومة إيهاب الوزني الذي قتل في كمين نصب له في وقتٍ سابق من شهر مايو. وتصاعدت موجة من الهجمات الموجهة ضد الناشطين والصحفيين المناصرين للديمقراطية في العراق بسبب دعواتهم لمقاطعة انتخابات أكتوبر البرلمانية، سيّما وأن الجناة يفلتون دون عقاب. واستهدفت عمليات القتل ومحاولات الاغتيال والاختطاف ما يزيد عن ٧٠ ناشطاً منذ ظهور حركة الاحتجاجات المناوئة لفساد الحكومة وانعدام كفاءتها في عام ٢٠١٩. المصدر: Mohammed SAWAF / AFP.

وفق هذا المشهد الذي يبدو قاتما، تزايدت دعوات مقاطعة الانتخابات من جهات عديدة أبرزها الحزب الشيوعي العراقي، عبر منشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحمل رسائل ذات طابع سياسي وتوعوي من قبيل: “لا مشاركة بالانتخابات في ظلّ السلاح المنفلت والمال الفاسد والتزوير” و”18 عام من الفشل والسرقات تكفينا أخي المواطن.. قاطع.. لا ترتكب حماقة انتخاب من أضاعوا الوطن”، و”كيف أنتخب والسلاح منفلت موجه إلى رأسي يقتل ويخطف كلّ من يرفض سياسته.. لا لن أنتخب ضد وطني”، و”إن كنت ترفض الفساد فشارك معنا في حملة لا أنتخب”، و”لا انتخابات من دون – تطبيق قانون الأحزاب – محاسبة حيتان الفساد – مفوضية انتخابات مستقلة – قانون انتخابات عادل”.

أما المرجع الشيعي فاضل المالكي فهو لم يدع للمقاطعة لكنه قدم، عبر بيان له، مجموعة نصائح ذات مضامين سياسية لمن يريد أن ينتخب أبرزها: – لا تنتخبوا إلا عراقي الأصل – لا تنتخبوا إلا من كان ولاؤه عراقيا خالصا فالمشاركين في الولاء طابور خامس واحذروا الأجندة القادمة من خلف الحدود والأحزاب المأمورة بتنفيذها – اجعلوا المهنية والنزاهة أساسين رئيسيين فيمن تنتخبون بعيدا عن الحزبية والمذهبية. لا تنتخبوا دعاة المحاصصة الطائفية – انتخبوا المؤمنين بوحدة العراق أما كردستان فهي واقع لا تخفى خصوصياته”..

يجمع المراقبون على أن التشكيلات السياسية التي يفترض أن تفرزها الانتخابات ستتأخر نتيجة الصراع الذي سيحصل – شيعيا شيعيا – بين الكتل الرئيسية على اختيار رئيس الوزراء، وسنيا سنيا على اختيار رئيس البرلمان، فيما سيكون الصراع كرديا كرديا على اختيار رئيس الجمهورية.

أما شباب “ثورة تشرين” الذين نزلوا إلى الشوارع فهم سيكونون مؤشر الحالة الصفرية العدمية التي سيفرزها الواقع الحالي. وهذه الحالة يلخصها المتحدث باسم قوى المعارضة باسم الشيخ بالقول: “المشكلة الحقيقية بين الشارع وبين القوى التي شاركت في العملية السياسية هي الثقة. الثقة معدومة. كثيرٌ من هذه القوى، شخوصا وقوى، قدمت وعودا خلال 18 عاما لكنها لم تف بأي التزام. وعندما تصل العملية السياسية إلى الانسداد تموت الديمقراطية. بالتالي، الانتخابات لن تنتج التغيير المنشود لأنها جزء من ديمقراطية ميتة. لكن الأخطر من ذلك هو أن يصل الشعب إلى السوداوية، أن تتساوى عنده القيم صفريا، الحياة والموت، وهذا ما حدث في تشرين ٢٠١٩ حين كان الشباب يواجهون الرصاص، فقد كانت لديهم قناعة، إما أن يُغير أو أن يموت لأنه وصل إلى الحالة الصفري”.