صوفيا أكرم
بينما يشهد العالم تحولاً مفاجئاً في أفغانستان، لا يسع الكثيرون سوى الإدلاء بالتعليقات حول الدروس المستفادة من انتصار طالبان على القوى العظمى المتنافسة وحدود القوة الأمريكية. ومن المرجح أيضاً أن يكون هذا بمثابة تذكيرٍ بأن الإجراءات الأمريكية لها تأثيرات عميقة سيسمع صداها عبر المناطق وبين اللاعبين الدوليين المختلفين. ولا شك أن انتصار طالبان سيؤثر على الشرق الأوسط والقوى الدولية المختلفة ذات الاهتمام بالمنطقة.
أثار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان قلقاً وإدانة ومداولات على نطاق واسع حول ما إذا كانت واشنطن شريكاً موثوقاً به، لا سيما في المناطق التي أعلنت سابقاً سحب قواتها منها، كما هو الحال في العراق وسوريا. ومع ذلك، ترك الأمريكيون في كلا المسرحين بصمة أميركية أقل وضوحاً، إذ يُعتقد أن شركاءهم الأكراد مجهزين بشكلٍ أفضل لمحاربة التمرد بما يفوق قوات الأمن الأفغانية، مما يزيد القلق من أن الولايات المتحدة ستحقق مكاسبها الشخصية وتفرّ عندما يحلوا لها الأمر.
وفي هذا الشأن، يقول جيسون كامبل، الباحث في السياسات في مؤسسة RAND، إن المواقف لا تقارن.
وبحسب ما قاله لنا في فَنَك: “سيكون من الصعب استقراء ما حدث في أفغانستان في أسابيع وشهور مقارنةً في أي مكان آخر في العالم حيث كان للولايات المتحدة ارتباطات فعالة لأن أفغانستان كانت مجهوداً فريداً بالحجم والنوع – فقد بقيت الولايات المتحدة هناك منذ ما يقرب من 20 عاماً.”
وأضاف، “لأكون صادقاً معك، أعتقد أن لدى بايدن مشاعر خاصة بشأن مهمة أفغانستان التي سبق وأوضحها بصفته عضواً في مجلس الشيوخ، ونائباً للرئيس، وبالتأكيد الآن كرئيس، إذ لطالما كان أحد الأصوات الأكثر تشككاً بمهمة الولايات المتحدة في أفغانستان.”
والواضح أيضاً أن الانسحاب الأمريكي يخدم أعداءها أكثر مما يخدم المصالح الأمريكية، فالصين وروسيا، على سبيل المثال، تقفان على أهبة الاستعداد للاستفادة من الموقف، فالأولى كانت تتودد إلى طالبان منذ عام 2019، حيث استضافت قبل شهرين، وبشكلٍ علني، زعيم طالبان الملا عبد الغني برادر في تيانجين.
“من الذي سيستفيد من كل هذا؟” يتساءل الخبير الأمني والمهتم بقضايا الإرهاب الدكتور أنجيلوس كاسكانيس، “سأقول روسيا، وهي مفارقة كبيرة، في حال فكرنا في السنوات الخمسين الماضية.”
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه في عام 1979، غزت روسيا أفغانستان وظلت تخوض حرباً استمرت تسع سنوات قبل تعرضها للهزيمة، واليوم تخشى روسيا ممن يسمون بالجهاديين الذين خاضوا الحرب الأفغانية داخل حدودها.
ومع ذلك، رحبت موسكو بانتصار طالبان باعتباره أهون الشرّين.
ويقول كاسكانيس: “أرى أن روسيا تستفيد عندما يتعلق الأمر بالأمن عبر الحدود والبنية التحتية،” بينما ستحاول إيران، كما يقول، جني المنافع من “الباب الخلفي.”
تعد العلاقات الواعدة مع طهران مثالاً على كيفية عمل طالبان لتجنب العزلة بمجرد وصولها إلى السلطة.
وفي هذا الصدد، يوضح تحليلٌ لمجموعة الأزمات الدولية: “بينما كانت تستعيد [طالبان] قوتها العسكرية على الأرض، كانت تسعى لطمأنة جيران أفغانستان بأنها ستحكم بمسؤولية.”
فعلى سبيل المثال، تغير موقف إيران تماماً على مدار العشرين عاماً الماضية، حيث وصف الرئيس إبراهيم رئيسي الانسحاب الأمريكي بأنه “فرصة لاستعادة الحياة والأمن والسلام الدائم” في البلاد، إذ تجدر الإشارة إلى أن الدعم المالي والعسكري لطهران مستمرٌ منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ففي نهاية المطاف، تمتلك طهران مصلحةً في تمتع أفغانستان باقتصادٍ حي ومستقر بينما تحاول تجاوز أزمتها الاقتصادية.
فقد أزعجت بالفعل هذه العلاقات مع إيران المملكة العربية السعودية وحلفاء مثل الإمارات، وكذلك دور قطر في وساطة السلام.
يقول كامبل: “حماية أشرف غني بالترحيب به في الإمارات هي انعكاسٌ نوعاً ما لهذا الموقف،” على الرغم من أن رياض كانت تربطها علاقات طويلة مع طالبان.
في غضون ذلك، تمتلك دول الشرق الأوسط المختلفة جماعاتها الإسلامية الخاصة ذات الطموحات السياسية، بما في ذلك مصر والأردن، ولربما بات الكثيرون منهم الآن يشعرون بالحماس. وعلاوةً على ذلك، هناك أيضاً احتمال أن تتطلع الجماعات “المتطرفة” الأخرى إلى أفغانستان لتوفير ملاذٍ آمن.
وعليه، يصفها كاسكانيس بأنها عاملٌ مزعزع محتمل، مشيراً إلى أن العديد من الجماعات المتشددة كانت تحتفل و”توزع الحلوى” عند سماع أنباء الانتصار.
“أعتقد أيضاً أننا يجب أن نكون مدركين لبعض العوامل ذات الصلة والفريدة من نوعها في دراسة هذه الحالة،” يحذر كامبل، مشيراً إلى أن طالبان ظلت تعمل خارج باكستان وظلت ثابتةً باستمرار، مع التركيز على عملها داخل أفغانستان وأهدافها السياسية. وبحسب ما يقول فإن الجماعات الأخرى العاملة في أماكن أخرى لن تكرر بالضرورة ما حققته طالبان، على الرغم من أنها قد تستلهم منه.
أخيراً، بالتأكيد سيكون لمحنة اللاجئين القادمين من أفغانستان تداعياتٍ على جيران أفغانستان، والشرق الأوسط والعالم بأسره.
فقد عاش خمس سكان أفغانستان الذين نزحوا بالفعل من الصراع المتراكم كلاجئين لسنواتٍ عديدة، كما ستؤدي زيادة أعداد اللاجئين الأفغان الجدد إلى تفاقم أعدادهم، بما في ذلك الأشخاص الذين عملوا مع الولايات المتحدة وشركائهم في الناتو. وتشير التأخيرات في معالجة التأشيرات، التي باتت متراكمةً الآن، إلى الافتقار إلى البصيرة من قبل حكومة الولايات المتحدة وانفصالها عن الواقع، كما يقول محللو مؤسسة RAND. فجيران أفغانستان الإقليميون مثقلون بالفعل باللاجئين الذين واجهوا العداء والظروف السيئة في باكستان وإيران وتركيا. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت أزمة اللاجئين في عام 2015 مدى تأثير النزوح الناجم عن الحرب على البلدان المستقبلة، مما قد يؤدي إلى دوامةٍ من ردود الفعل الشعبوية، والرحلات البرية والبحرية الخطرة وعمليات الإبعاد، بينما تظل فرص إعادة توطين الأفغان بشكل دائم في المنطقة قليلة.
في نهاية المطاف، ترك الانسحاب الأمريكي أيضاً فراغاً أمنياً، سارعت تركيا لملئه، حيث تدخلت لتأمين مطار كابول وربما تقدم المساعدة الفنية لتسهيل تشغيله وسط تهديداتٍ إرهابية من أحد فروع داعش الإقليمية.
بل إن دور تركيا القوي في أفغانستان يعزز مكانتها كلاعب رئيسي في العالم الإسلامي – الطموحات التي تعمل عليها في جميع أنحاء آسيا- حيث استغرق بناء علاقاتها مع طالبان سنواتٍ عديدة كحال طهران.
لكن في الوقت الراهن، بالكاد هدأت الأوضاع في أفغانستان في ظل تدافع القوات الأجنبية لإنهاء عمليات الإجلاء الأخيرة، وبعد ذلك سيراقب العالم ليرى ما إذا كانت طالبان هي نسخة أكثر قبولاً من سابق عهدها، إذ قد يكون ذلك مسوغاً للقوى الإقليمية للاستفادة من النظام الجديد لخدمة مصالحها. ومن ناحيةٍ أخرى، في حال عاد النظام إلى تكتيكاته القديمة والوحشية في كثيرٍ من الأحيان، فحتى جيرانه الأشد جُرماً قد يرفضون إرساء أي علاقاتٍ معه.