وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

بعد انتخاب رئيسٍ جديد للجزائر، ما التالي؟

Algeria demos
متظاهرون جزائريون يطلقون هتافاتٍ أثناء تجمعهم حاملين أعلام الجزائر خلال مظاهرةٍ حاشدة في وسط العاصمة الجزائر في 17 ديسمبر 2019. Photo: RYAD KRAMDI / AFP

ابتليت الجزائر باحتجاجاتٍ مستمرة ضد الحكومة منذ فبراير 2019، مما أسفر عن استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في أبريل وحكمٍ عسكري بحكم الأمر الواقع حتى الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر. ومع فشل نتائج الانتخابات في إرضاء الحركة الجماهيرية التي تسعى إلى تغييرٍ حقيقي، فإن الخطوات التالية للإدارة الجديدة ستكون حاسمة لاستقرار البلاد.

سجلت الانتخاب انخفاضاً قياسياً بنسبة 39,9%، وفقاً للمجلس الدستوري، على الرغم من أن نسبة المشاركة الفعلية أقل بكثير، حسب المحلل الجزائري مصعب حمودي الذي استشهد بمصدرٍ حكومي.

وقال لصحيفة نيويورك تايمز: “من الواضح أن نسبة المشاركة المعلنة رسمياً خاطئة تماماً،” وأضاف “رأينا أن أحداً لم يخرج للتصويت. اعتدنا على هذه الانتخابات المزيفة بالكامل. لهذا السبب لم نطرح مرشحاً.”

فقد تم الإعلان عن فوز عبد المجيد تبون رئيساً جديداً للبلاد بنسبة 58,15% من الأصوات، متقدماً بفارقٍ كبير على منافسه عبد القادر بن قرينه من الحزب الإسلامي، حركة البناء الوطني، الذي حصل على 17,38% من الأصوات.

رفض المتظاهرون فوز تبون، وسط هتافات “الانتخابات مزورة! لا تملكون الشرعية! المسيرة مستمرة!” التي تردد صداها بين المتظاهرين في تجمعٍ حاشد بعد التصويت، وذلك بحسب مراسل وكالة فرانس برس في العاصمة الجزائر.

دعت حركة الاحتجاج المعروفة باسم الحراك الجزائريين لمقاطعة الانتخابات. وفي بعض المناطق كان هذا ممكناً في منطقة القبائل على سبيل المثال، معقل البربر. فقد لعب البربر في البلاد دوراً رئيسياً في تحدي الوضع الراهن.

ادعى المعارضون أن الانتخابات والمرشحين المقترحين مجرد خدعةٍ من قبل المؤسسة لتعزيز السلطة، في حين أن السبيل الوحيد للمضي قدماً هو من خلال الحوار مع الحراك.

كان لدى المرشحين الخمسة علاقاتٍ ببوتفليقة، الذي حكم البلاد لـ20 عاماً حتى بعد معاناته من جلطةٍ دماغية خطيرة في عام 2013.

كما يعتقد أن تبون، الذي شغل في السابق منصب رئيس الوزراء، مُقرّب من قائد الجيش أحمد قايد صالح، الذي ظهر كرجل قوي في الجزائر بعد أن أجبر بوتفليقة على التنحي. حاول صالح أن ينأى بنفسه عن النظام القديم من خلال شن حملةٍ كبيرة لمكافحة الفساد ضد الدائرة الداخلية لبوتفليقة، بما في ذلك شقيقه سعيد بوتفليقة.

فقد كان صالح، الذي توفي متأثراً بأزمة قلبية في 23 ديسمبر، مؤيداً لإجراء انتخاباتٍ بأسرع وقتٍ ممكن لكسر الجمود منذ رحيل بوتفليقة، لكن المحتجين جادلوا بأن الانتخابات كانت ببساطة وسيلة للنظام لاكتساب المصداقية قبل المضي قدماً في نظام لن يؤدي إلى أي تحول حقيقي.

مُعربين عن أسفهم بأن الحكومة القديمة لجبهة التحرير الوطني لم تشهد أي تغييرٍ منذ استيلائها على السلطة بعد الاستقلال في عام 1962، تعهد المتظاهرون بمواصلة التظاهر والحفاظ على سلمية المظاهرات على الرغم من تسجيل جماعات حقوق الإنسان للقمع المتزايد ضد الحراك والبربر.

فقد تم إلقاء القبض على أكثر من 300 متظاهر منذ يونيو، حيث حُكم على أكثر من 120 منهم، أو تم إيقافهم في السجن أو يقبعون بالحبس الاحتياطي، وفقاً للجنة الوطنية للإفراج عن الموقوفين، التي تم إنشاؤها في 26 أغسطس للدفاع عن المتظاهرين المحتجزين.

وبحسب المحللين اليوم، فإن عدم الاستماع لمطالب الشعب سيعمق الهوة بينهم وبين النظام.

وإلى حدٍ ما، فإن انتخاب تبون أمر منطقي بسبب منصبه السابق ولكن أيضاً بسبب إقالته من منصب رئيس الوزراء لانتقاده عشيرة الرئيس، مما مكنه من أن ينأى بنفسه عن النظام القديم خلال حملته الانتخابية. ومع ذلك، قد لا يكون هذا كافياً إذا استمر المتظاهرون في رفض زعامته.

ووفقاً لكريم ميزران، الزميل المقيم في مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي، وأليسيا ميلكانجي، الأستاذة المساعدة في جامعة سابينزا في روما، يجب أن يشرع تبون أبواب الحوار الجاد مع المتظاهرين وإصلاحاتهم المقترحة إلى جانب خلق “طرقٍ جديدة لمشاركة السكان.”

وعلى حد قولهما، “إن الاستمرار الواضح للوضع الراهن هو طريقة جلية لمستقبلٍ تشوبه الإضطرابات وعدم الاستقرار.”

كما يخشى كل من المحتجين والمحللين أن يزداد الوضع سوءاً، فكما ورد في الفاينانشيال تايمز، قال أحد المحتجين: “لن تكون هذه نهاية الأزمة – هذه هي البداية. هل تبون حرٌ لاتخاذ قراراته الخاصة؟ إنه ببساطة جزءٌ من العصابة.”

بل إن تهديد العنف المتزايد والقمع يلوح في الأفق على الرغم من سلمية حركة الاحتجاج، التي تتألف من مختلف الطبقات والفئات العمرية.

وقال محامي حقوق الإنسان مصطفى بوشاشي لصحيفة فاينانشيال تايمز: “يمكنهم قمع النشطاء أو حزبٍ سياسي ما ولكن لا يمكنهم قمع الشعب.” وأضاف “سيكون من الصعب تبرير استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين للعالم.”

من جهتها، قالت دالية غانم، المحللة السياسية الجزائرية والباحثة المقيمة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، متحدثةً لفَنَك: “هناك أمر واحد مؤكد،” وتابعت القول “طوال هذه الأشهر التسعة من الاحتجاجات السلمية، رأينا نمطاً من التصعيد من جانب قوات الأمن.”

وأضافت: “إذا أراد الرئيس الجديد بناء قدرٍ ضئيل من الشرعية، فعليه إيقاف هذا النمط وتجنب التصعيد. ومع ذلك، لا يمكن استبعاد خيار العنف.” وللمضي قدماً، أكدت غانم أيضاً على ضرورة الإفراج عن المحتجين الموقوفين حالياً.

كما اتفقت إميلي هوثورن، المحللة في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ستراتفور، على أنه من المحتمل تطبيق قيودٍ صارمة جديدة، ولكن من المرجح أيضاً أن تتجنب الحكومة العنف المباشر قدر الإمكان. وقالت لفَنَك: “يعلمون أكثر من أي شخصٍ آخر مدى خطورة هذا الأمر في الجزائر، بالنظر إلى تاريخ البلاد الحديث من العنف السياسي.”

وتابعت القول أنه في حين أن اكتساب ثقة حركة الاحتجاج سيشكل تحدياً وسيستغرق بعض الوقت، إلا أنه ينبغي على تبون للقيام بذلك أن يوجه باستمرار خطاباته وعملية صنع القرار نحو أولويات الشعب وليس النخبة السياسية، وعلى حد تعبيرها، “على الرغم من أنه لربما سيكتسب ثقة البعض، إلا أنه لن يكتسب قط ثقة الجميع.”

كما يمكن للمجتمع الدولي أيضاً أن يساعد في توجيه الأمة نحو المزيد من الديمقراطية من خلال تقديم المشورة والدعم للاقتصاد، الذي شهد ركوداً منذ عدة سنوات، للمساعدة في تخفيف التوترات.

بيد أن خطوات تبون التالية ستكون حاسمة، لا سيما فيما يتعلق بتشكيل حكومته، ومن سيحل محل صالح، وما الذي سيضعه على سلم أولوياته.

كما سيكون للسياسة الاقتصادية للإدارة الجديدة أهمية حاسمة، بحسب هوثورن، إذ تقول، “يتعين على تبون أن يحافظ على حالة الرفاهية الكبيرة في البلاد مع تصحيح الاختلالات الهيكلية طويلة الأجل وعدم الكفاءة، وهذا توازن يصعب تحقيقه.”