حسين الزعبي
تحركات دبلوماسية عربية على طريق دمشق، بدأها وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد مطلع ديسمبر 2021، ولا يبدو أنها ستنتهي بزيارة وزير الخارجية العماني الذي وصل العاصمة السورية نهاية يناير 2022. هذه التحركات سبقها لقاءٌ أجرته شبكة “سي إن إن” الأمريكية مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قال فيه إن “بشار الأسد ونظامه باقيان في سوريا لأمد طويل”، داعياً إلى حوار منسق مع السلطات في دمشق.
هذا النشاط الدبلوماسي لا يمكن قراءته بعيدا عمّا يشاع من محاولات لإعادة إحياء نظام الأسد بعد عشرية سوداء عاشتها سوريا وما زالت. ومحاولة فهم هذه التحولات السياسية في العلاقات مع نظام بشار الأسد، تتطلب أولا فهم حالة “الجيوبولتيك” لبلد تقع فيه وعلى أطرافه بؤر الصراع الأعقد في العالم.
الجغرافيا والتاريخ
نظرة سريعة من الأعلى إلى خريطة سوريا يمكن رؤية بؤر صراع عمرها عقود وربما ستستمر لعقود أيضا. ففي جنوب سوريا الغربي القضية الفلسطينية وفي غربها لبنان بكل تعقيداته المتعدية لحدوده. أما في الشرق، فالعراق بكل ما فيه من تجاذبات وصراعات تبدأ بطهران ولا تنتهي بالرياض. وفي شرق سوريا أيضا بترول، لم يجد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب شيئا يستحق أن يُحمى في سوريا أكثر منه، وهذا ما قاله في أحد تصريحاته.
أما في شمال سوريا فهناك أيضا بؤر ساخنة. ففي الشمال الشرقي، قوات سوريا الديمقراطية وصراعها مع تركيا، مع حالة اللا سلم واللا حرب مع النظام السوري من جهة، وبين صراع الهوية الكردية والهوية السورية من جهة أخرى. وبينما تكتب سطور هذه المادة، يشهد سجن غويران في مدينة الحسكة، السجن الذي يضم آلاف النزلاء من تنظيم الدولة “داعش”، اشتباكات بين تلك القوات والنزلاء. أما شمال سوريا الغربي، إدلب وأريافها، فيخضع لنفوذ “هيئة تحرير الشام”، بينما تسيطر فصائل مسلحة موالية لتركيا على مناطق من أرياف حلب، لتتحول عموم المنطقة لخزان بشري يقطنه نحو 4 ملايين سوري من أهالي المنطقة بالإضافة لمن تم تهجيرهم من المحافظات السورية.
المياه الاقليمية السورية، التي خاضت من أجلها روسيا القيصيرية 11 حربا مع الامبراطورية العثمانية بغية الوصول إلى “المياه الدافئة” تتحول إلى بحيرة تسيطر عليها السفن الروسية، ومنها تنطلق طائراتها التي جرّبت في سوريا، بحسب وزير دفاعها سيرغي شويغو، 320 نوعا من السلاح، منذ دخولها الحرب إلى جانب النظام في أيلول من العام 2015.
محاولة إعادة الحياة إلى النظام مرة أخرى، لا تنفصل عن التفاعلات الحاصلة في البؤر المحيطة. وفي هذا السياق، كانت زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق، إذ تسعى أطراف خليجية لإخراج إيران من سوريا وبذلك تلتقي مع الرغبة الإسرائيلية.
إلا أن الخروج الإيراني من سوريا سيعني خروج الميليشيات الموالية لها، الأفغانية والباكستانية والعراقية واللبنانية ممثلة بحزب الله الذي يشرف على المسيرات الإيرانية في سوريا. ويعني هذا قص أذرع إيران الضاربة في المنطقة وربما يشكل هذا إنهاء للحلم الإيراني في التمدد إلى شواطئ المتوسط. وربما سيكون من تبعات ذلك، إن حصل، خسارة إيران ساحتها الأهم، الساحة العراقية، فالشعب العراقي بعمومه بات رافضا للوجود الإيراني ولميليشياته. ولعل ذلك بدا واضحا بمطالبات الحراك الثوري في العراق، وكذلك إحراق القنصلية الإيرانية في كربلاء ومقرات الأحزاب الموالية لها، الأمر الذي لايستبعد المتابعون حدوثه مرة أخرى. ووفق هذا التصور، من الصعوبة بمكان أن تتخلى إيران بسهولة عن الساحة السورية، إلا إذا كان خروجها من سوريا أحد ملحقات صفقة الاتفاق النووي المتوقع إنجازه في مفاوضات فيينا بين طهران والغرب.
الرغبة الروسية بإخراج إيران من المشهد السوري لا تقل عن الرغبة الإسرائيلية. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أن مبعوث روسيا لشؤون التسوية السورية، ألكسندر لافرنتييف، انتقل في يوم من الرياض، حيث التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلى دمشق حيث التقى بشار الأسد، الأمر الذي بدى وكأنه محاولة لإعادة المياه إلى مجاريها بين الدولتين.
وخلال اجتماع الرياض، الذي عقد في 20 يناير 2022، جرى التباحث في تطورات الأوضاع في سوريا بحسب رويترز. في المقابل، اكتفت وكالة “سانا” الموالية للنظام بالإشارة إلى أن اللقاء بين الأسد ولافرنتييف، والذي عقد في 20 يناير أيضا، “دار حول آخر التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية، والقضايا السياسية ذات الاهتمام المشترك مع موسكو”.
التحرك الروسي على خط الرياض – دمشق ليس الأول من نوعه، ففي مارس 2021، أعرب وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، عن دعم الرياض لعودة سوريا إلى محيطها العربي، مؤكدا أن الحل “في سوريا لن يكون إلا سياسيا، وأن حل الأزمة في سوريا يتطلب توافق أطراف الأزمة”.
قطر خارج السرب
الدبلوماسية الروسية في هذا الملف لا يبدو أنها أنجزت مهمتها. فها هي القمة العربية التي كان مقررا عقدها في الجزائر في مارس المقبل تتأجل، حتى الآن، بحسب نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية حسام زكي، دون الكشف عن الأسباب الفعلية لهذا التأجيل. ومع ذلك، يعد الملف السوري من الأسباب الواضحة لتأجيل القمّة، إذ أخفق وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة في إقناع المسؤولين هناك بإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، رغم أنه كان يحمل دعماً مهماً من القاهرة وأبوظبي.
وكان وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أكد في 6 يناير 2022، أن بلاده متمسكة بعدم مشاركة سوريا في قمة الجزائر قائلاً: “لم نر أي تقدم أو تطور في سلوكيات هذا النظام، حيث لم يتخذ خطوات جدية لإيجاد حل سياسي في البلاد”.
وأضاف: “إذا لم يحدث ذلك، فلا منطق من تطبيع العلاقات مع هذا النظام. ولا أعتقد أننا في موقف يسمح لنا بأن نسمح للنظام السوري بأن يحضر القمة العربية. وهذا كان موقفنا ونحافظ عليه. ونأمل أن تدرك الدول العربية أن هذه الأسباب لا تزال موجودة”.
موقف واشنطن
الولايات المتحدة انتقدت زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق. وقال المتحدث باسم وزارة خارجيتها، نيد برايس “كما قلنا من قبل، هذه الإدارة لن تقدم أي دعم لجهود تطبيع أو إعادة تأهيل بشار الأسد الذي هو دكتاتور وحشي”. وطلب برايس من الدول في المنطقة النظر بعناية في “الفظائع” التي ارتكبها الأسد. وكان كبير “الجمهوريين” في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، جيم ريش، عبّر عن استيائه من زيارة ابن زايد إلى دمشق عبر حسابه في “تويتر”. وكتب جيم ريش إنه “لأمر مخزٍ أن ينفتح عدد متزايد من الدول على تطبيع العلاقات مع الأسد. على الإمارات والآخرين الذين يتجاهلون العنف المستمر ضد المدنيين السوريين، العمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي “2254” قبل اتخاذ أي خطوات أخرى نحو التطبيع”.
في المقابل، نقل الصحفي جوش روغن في صحيفة “واشنطن بوست” إقرار مسؤولين في مجلس الأمن القومي الأمريكي بأن إدارة بايدن “لا تعارض تطبيع دول عربية مع نظام الأسد، على عكس ما تعلنه الإدارة”. ويذهب روغن أبعد من ذلك ليشكك بسعي إدارة بايدن لحل الأزمة السورية ومحاسبة نظام الأسد على جرائمه.
من جانبه، اعتبر السفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد أن الولايات المتحدة “فشلت بشكل سيء في سوريا”، لافتاً إلى أن فكرة أن يطيح الأمريكيون ببشار الأسد “قد انتهت”.
أما الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى آندرو تابلر فيتفق مع فورد. ويرى تابلر أن “أمريكا لا تحاول الإطاحة ببشار الأسد، لا أيام ترامب ولا الآن في عهد بايدن، بل أن واشنطن تحاول إدارة الأزمة السورية عن طريق المحفزات والتنازلات. لكن ما هو غير واضح هو ما سيفعله بشار الأسد تجاه هذه التنازلات. وكيف سيتصرف نظام الأسد، فيما تسمح أميركا بشراء ونقل الطاقة والغاز عبر الحدود”. في إشارة إلى تزويد لبنان بالغاز عبر أنابيب تمر من الأراضي السورية.