مات ناشد
ألقى تحقيقٌ للأمم المتحدة بظلالٍ من الشك على شرعية الحكومة المؤقتة التي تم انتخابها خلال منتدى الحوار السياسي الليبي في الخريف الماضي، فقد تم تسريب جزءٍ من التحقيق السري لفرانس برس، الذي أفاد بأن شراء الأصوات أدى إلى فوز مفاجئ لرئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة والرئيس محمد المنفي. وزُعم أيضاً أن المندوبين المتورطين في الفضيحة تلقوا أمولاً تراوحت ما بين 200 ألف دولار إلى 500 ألف دولار.
وعليه، تسببت الأخبار الواردة في أزمةٍ سياسية وأضرت بمصداقية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، التي توسطت في منتدى الحوار في تونس.
فقد قالت زهرة لانغي، العضو في منتدى الحوار السياسي الليبي والمؤسس المشارك لمنبر المرأة الليبية من أجل السلام، إنها كانت من بين عددٍ من المبلغين عن المخالفات والذين ضغطوا على بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لطلب التحقيق في الادعاءات. كما أصدر منبر المرأة الليبية من أجل السلام ومنظمة حقوق الإنسان الزميلة بياناً مكتوباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في نوفمبر2020، يطالبان فيه باتخاذ إجراءات عاجلة للقضاء على الفساد.
وقالت لانغي لفَنَك إن السفراء الغربيين وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا كانوا أكثر اهتماماً بتسريع العملية لتأمين صفقة سياسية أكثر من اهتمامهم بالحفاظ على نزاهة منتدى الحوار.
وأضافت: “فشلنا فشلاً ذريعاً في إنشاء آلية تدقيقٍ مناسبة، وأتمنى أن نتوقف مؤقتاً ونتعلّم من أخطائنا،” وتابعت القول، “النتيجة المفاجئة تشير إلى أن هناك سيطرة ليبية على العملية رغم الضغوط الإقليمية والدولية، بيد أننا لم نحمِ العملية من تأثير المال السياسي.”
من جهتها، أصدرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بياناً في 2 مارس 2021 جاء فيه أنها لا تتلقى تقارير فريق الخبراء وبالتالي “ليست في وضعٍ يسمح لها بالتعليق عليها.”
السؤال الأهم هنا هو لماذا تمت دعوة الفاسدين ذوي السمعة السيئة الذين لا يتمتعون بثقلٍ سياسي كبير إلى منتدى الحوار السياسي الليبي. فقد كان أحد أكثر المندوبين إثارةً للجدل رجل الأعمال علي إبراهيم الدبيبة، أحد أقارب رئيس الوزراء المُعيّن عبد الحميد الدبيبة.
ففي عام 2014، بدأت الشرطة الإسكتلندية تحقيقاً، بناءً على طلبٍ من السلطات الليبية، يتمحور حول شبهات قيام علي إبراهيم بغسل أكثر من مليار دولار من أموال الدولة في عهد معمر القذافي، حيث وصفت الصحافة البريطانية الفضيحة آنذاك بكونها أكبر قضية احتيال تم الإبلاغ عنها على الإطلاق في اسكتلندا.
من جهته، تساءل محمد الجرح، الخبير في الشأن الليبي ومؤسس شركة Libya Outlook Research and Consultancy: “لمَ تمت دعوة شخص له تاريخ واضح في الاختلاس للمشاركة في منتدى الحوار السياسي الليبي؟”.
ففي نوفمبر 2020، كرر الجرح مخاوف العامة بشأن مزاعم ذات مصداقية تتعلق بمحاولات أنصار الدبيبة شراء الأصوات. ومع ذلك، قال إن السفراء الغربيين وأفراد في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أخبروه أن التحقيق في الادعاءات غير ضروري لأن الدبيبة لن يفوز. وفي ذلك الوقت، كان المجتمع الدولي يتوقع من المندوبين انتخاب قائمة مشتركة أخرى: وزير داخلية طرابلس فتحي باشاغا ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح.
“واليوم، بعد فوز الدبيبة، تضع عملية الفساد، التي شابت العملية برمتها، الأمم المتحدة في موقفٍ صعبٍ للغاية،” على حد تعبير الجرح لنا في فَنَك.
وفي ظل رفضها إيقاف المنتدى مؤقتاً إلى حين انتهاء لجنة الخبراء من تحقيقها، كررت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا نفس الخطأ الذي أعاق عمل حكومة الوفاق الوطني، التي انبثقت بموجب الاتفاق السياسي الليبي في ديسمبر 2015.
في ذلك الوقت، تم تشكيل تلك الحكومة على وجه السرعة في ظل ضغوطاتٍ خارجية، إذ سعت الولايات المتحدة بشدة إلى التنسيق مع هيئةٍ معترف بها دولياً لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، بينما كان الاتحاد الأوروبي يحاول إبرام اتفاقياتٍ للحد من الهجرة غير النظامية. ونتيجةً لذلك، فشلت حكومة الوفاق الوطني في اكتساب الشرعية من اللاعبين الأقوياء في ليبيا، مما أدى إلى تشكيل مؤسساتٍ موازية وتدويل الصراع على نحوٍ أكبر. ومما يثير القلق أيضاً أن حكومة الوفاق الوطني جلبت إلى السلطة نخبة سياسية جديدة اختلست موارد ليبيا للسنوات الخمس المقبلة. وعلى الرغم من الاحتجاجات التي اندلعت في صيف 2020، لم يُحاسب أي شخص من حكومة الوفاق الوطني على فساده.
من جهته، يأمل رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة في الاستفادة من سياسة الإفلات من العقاب كحال أسلافه، إذ وصفت إدارته مزاعم الفساد بـ”الأخبار الكاذبة” وطالبت لجنة الخبراء بنشر تقريرها الكامل. كما يطالب منبر المرأة الليبية من أجل السلام وجماعات حقوق الإنسان المتحالفة معه الأمم المتحدة بنشر التقرير الكامل للعامة، خاصة اليوم بعد أن تم تشويه سمعة العديد من المبلغين عن المخالفات عبر الإنترنت – وهي حقيقة شائعة تتعرض لها المدافعات عن حقوق الإنسان في ليبيا.
وعلى صعيدٍ متصل، قال رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، إنه يفضل أيضاً انتظار تقرير الأمم المتحدة قبل الموافقة على حكومة الدبيبة المقترحة. ومع ذلك، دعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا صالح إلى المضي قدماً لعقد جلسة البرلمان في 8 مارس 2021 والنظر في منح الدبيبة الثقة. ومن الجدير بالذكر أن الجلسة تعقد في مدينة سرت، التي تستضيف مرتزقةً أجانب وتخضع لسيطرة المشير خليفة حفتر.
من جانبها، لا تريد بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن تذهب جهود الوساطة سدى، على الرغم من أن العديد من المراقبين يعتقدون أن اللوم يقع في واقع الأمر على عاتق البعثة نفسها. وفي هذا الشأن، قال طارق المجريسي، الخبير في شؤون ليبيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن فشل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في حماية نزاهة منتدى الحوار السياسي الليبي يشير إلى مدى انخفاض المعايير التي وضعها المجتمع الدولي لليبيا.
وكما قال لنا في فَنَك: “هل يمكنك أن تتخيل أن الخيارات لتشكيل حكومة وحدة وطنية بعد حربٍ أهلية تتألف من رئيسٍ شجع هجوماً استمر 14 شهراً على العاصمة، ورئيس وزراء ينحدر من أحد أكثر الفصائل فساداً في البلاد.”
على الأرجح، لن يكون تقرير لجنة الخبراء عامل تغييرٍ كبير في قواعد اللعبة، إذ قد تدعو بعض الشخصيات المتنافسة إلى انتخاباتٍ مبكرة في حال كان عبد الحميد الدبيبة متورطاً بشكلٍ مباشر في الفساد، بينما قد يطالب آخرون بتولي باشاغا وصالح – قائمة المركز الثاني – السلطة. لكن بحكم التاريخ، يتوقع المجريسي أن يظل الدبيبة وجه الحكومة المؤقتة.
“لا أرى أن مزاعم الفساد لها أي تأثير. هناك مستوى مريح من الإفلات من العقوبة للنخب السياسية على جميع المستويات في البلاد،” على حد تعبير المجريسي.