تعيد الدول العربية، في الوقت الراهن، إفتتاح سفاراتها في سوريا، بعد سنواتٍ من قطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام بشار الأسد في عام 2011. آنذاك، علقت الجامعة العربية عضوية سوريا بسبب حملة الأسد الوحشية ضد المتظاهرين العزل في بلاده.
وبعد حوالي ثماني سنوات، باتت المعارضة المسلحة السورية على وشك التعرض للهزيمة، بينما يقبع الأسد في مأمن في السلطة، وذلك بفضل الدعم المقدم من كلٍ من روسيا وإيران. وإلى جانب ذلك، تبددت غالبية المعارضة المدنية السورية بعد أن تم قتلهم أو سجنهم أو إرغامهم على اللجوء إلى المنفى. واليوم، يُعيد جيران سوريا العرب تقييم علاقتهم مع الأسد ويتقربون من دمشق.
فعلى سبيل المثال، تُرسل دول الخليج أوضح الإشارات نحو المزيد من التعاون مع سوريا، فقد كانت دولة الإمارات العربية المتحدة أول الدول التي أعادت افتتاح سفارتها في دمشق في 27 ديسمبر 2018- على الرغم من تمويلها الميليشيات المسلحة طوال الحرب السورية.
فقد قالت مصادر عن المتمردين السوريين لرويترز إن الإمارات كانت أقل دعماً من السعودية أو قطر، إلا أن الإمارات لا زالت تدعم أجزاء من التمرد المسلح لموازنة الهيمنة الإيرانية والجماعات الإسلامية المدعومة من قطر.
وقال المسؤولون الإماراتيون أيضاً إن الإمارات قررت تطبيع العلاقات مع سوريا للحد من التدخل في “الشؤون العربية والسورية،” في إشارةٍ واضحة إلى إيران، الدولة غير العربية التي لعبت دوراً حيوياً في حماية نظام الأسد طوال فترة الحرب.
فقد غرّد أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية، عبر تويتر بقوله: “قرار الإمارات العربية المتحدة وليد قناعة أن المرحلة القادمة تتطلب الحضور والتواصل العربي مع الملف السوري.”
بينما أعلنت البحرين إعادة افتتاح سفارتها في سوريا في اليوم التالي، مشيرةً إلى السبب ذاته كحال دولة الإمارات العربية المتحدة. بيد أن خطوة البحرين لم تكن مفاجئة: ففي أكتوبر 2018، عانق وزير الخارجية السوري وليد المعلم بكل ود نظيره البحريني خالد بن أحمد الخليفة على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ قال خليفة للصحفيين، “ما يحدث في سوريا يهمنا أكثر من أي شخصٍ آخر في العالم. ففي النهاية، سوريا بلد عربي. ليس من الصحيح أن يتم التعامل مع شؤونها من قبل اللاعبين الإقليميين والدوليين في غيابنا”.
وعلى الرغم من الخطاب الرسمي، يكتب علي بكير، وهو كاتب عمودٍ في قناة الجزيرة، أن البحرين والإمارات أعادوا افتتاح سفاراتهم لترسيخ الحكم الاستبدادي للأسد فحسب بمجرد أن أصبح واضحاً أن الحاكم السوري باقٍ في السلطة. وجادل باكير أنه إذا كانت الأولوية الرئيسية لدولة الإمارات والبحرين هي محاربة الهيمنة الإيرانية، فعليها أن لا تضفي الشرعية على نظامٍ سحق تمرداً كان يحاول الإطاحة بالأسد ورعاته الإيرانيين. غير أن محللين آخرين يقولون إن الحقيقة أكثر تعقيدًا. وبحسب ما قاله توبياس شنايدر، الباحث في معهد السياسة العالمية في برلين لصحيفة الغارديان: “في النهاية، في المخطط الكبير للثورة الإقليمية والثورة المضادة، كان الأسد واحداً منهم – مستبدٌ عربي يقاتل ضد ما يعتبره القادة الإماراتيون والمصريون بشكلٍ خاص قوى ثورية وإسلامية تخريبية، مثل الإخوان المسلمين.”
وعلى غرار دول الخليج، تضغط دولٌ عربية أخرى لتطبيع علاقاتها مع سوريا بعد الجهود الحثيثة للجامعة الدول العربية التي تسيطر عليها السعودية، لإعادة دمشق إلى أحضانها. وعلى الرغم من اعتراض الولايات المتحدة، من المتوقع اتخاذ القرار في وقتٍ ما من هذا العام.
وفي هذا الصدد، كتب جورجيو كافييرو، مدير معهد دراسات دول الخليج، في المونيتور أن الولايات المتحدة لا يعجبها هذا الاحتمال، إذ تضغط على حلفائها العرب لاستخدام إعادة تطبيع العلاقات مع سوريا كوسيلةٍ للحصول على تنازلات من الأسد. وبالتالي، يشكل الضغط الأميركي معضلة لدول الخليج التي تأمل في الاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار الكبرى.
تجلت صعوبة هذا الوضع خلال استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة لوفدٍ تجاري سوري في أوائل ديسمبر. فقد سبق وكان كبار رجال الأعمال السوريين الحاضرين ضمن الوفد مدرجين على قائمة عقوباتٍ لوزارة الخزانة الأمريكية.
فقد كتب كافييرو في المونيتور: “إنّ المدى الطويل للعقوبات الأمريكية هو بلا شك مصدر قلقٍ لدول مجلس التعاون الخليجي التي تسعى إلى ممارسة نفوذها في سوريا، وذلك بشكلٍ أساسي من خلال مشاريع إعادة الإعمار.” وأضاف “ينبغي على الشركات غير الأمريكية، مثل الشركات الإماراتية، التي تسعى إلى دخول سوريا، أخذ عقوبات واشنطن بعين الإعتبار، لأن أي تورطٍ لمواطنين أمريكيين أو شركاتٍ أمريكية يُخاطر بتعرضهم للمشاكل.”
وأضاف كافييرو أن هذه الديناميكيات تزعج دول مجلس التعاون الخليجي، التي اتهمت إدارات ترمب وأوباما بالفشل في أخذ مصالح الخليج بعين الإعتبار عند سن السياسة الخارجية تجاه سوريا.
ومع ذلك، يبدو أن الأسد يستعيد دعم حلفائه السابقين يوماً بعد يوم. فقد كان الرئيس السوداني المستبد، عمر البشير، أول زعيمٍ عربي يزور دمشق في 10 ديسمبر. وذكرت وكالة الأنباء العربية السورية (سانا) أن الرئيسين ناقشا “الأوضاع والأزمات التي تواجهها العديد من الدول العربية.” كما ذكرت سانا أن القادة ملتزمون ببناء “علاقاتٍ عربية تقوم على أساس احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.”
وبعد شهرٍ واحد فحسب، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن سوريا ستعود إلى الجامعة العربية بمجرد وضع خطةٍ لإنهاء الأزمة. وبعد فترةٍ وجيزة، صرح وزير الخارجية العراقي محمد الحكيم للصحفيين في مؤتمرٍ صحفي في بغداد بأن بلاده تدعم أيضاً تفعيل عضوية سوريا في الجامعة. بل إن وزير الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي، كان أكثر وضوحاً، إذ قال خلال مؤتمرٍ صحفي في تونس مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، إن “المكان الطبيعي” لسوريا هو داخل جامعة الدول العربية. وقال لافروف للصحفيين “كما ناقشنا في الجزائر والمغرب خلال الايام القليلة الماضية، نود أن تدعم تونس أيضاً عودة سوريا للأسرة العربية والجامعة العربية.”
تشير مثل هذه الرسائل الواضحة إلى أن أيام الأسد كشخصٍ منبوذٍ إقليمياً باتت معدودة. وبالنسبة لمئات الآلاف من السوريين الذين ثاروا ضده، تعدّ هذه حقيقة مأساوية.
ويُشير فيصل عيتاني، أحد كبار الباحثين في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلنطي، والذي تموله جزئياً الإمارات العربية المتحدة، إلى أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات وسوريا أمرٌ لا مفر منه بعد استعادة الأسد السيطرة على معظم بلاده. وهذا لا يعني، كما يقول، أن المجتمع الدولي سيرحب بالأسد مرةً أخرى بصدرٍ رحب- كما لن يعني أيضاً أن سوريا ستبقع في عزلةٍ تامة.